إغلاق
 

Bookmark and Share

الصخرة، بيروت، التوحد، الوحدة وأنا ::

الكاتب: د. ملهم زهير الحراكي
نشرت على الموقع بتاريخ: 04/05/2008


الحمد لله رب العالمين والصلاة السلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

المكان: بيروت ، فندق السي روك SeaRock
الزمان: 14-آذار- 2008
هنا والآن، هذا مكاني.. وهذا زماني

رحلت إلى بيروت وحيداً لأتحدث عن التوحـــد!!، بيروت التي أصبحت كصخرةِ بحرِ بيروت الشهيرة ((الروشة)) وحيدة بين أمواجٍ عالية وعاتية، تلك الصخرة الصامدة ((بيروت)) والتوحد الطفلي أو الوحدة الملهمية، هذه كلها عناوين احترت بأيها أعنون مقالتي، بعد أن هيجها اسم الفندق الذي قضيت فيه ليلتي Sea rock صخرة البحر، ولكني حر ّفته بـ see rock تأمل ذلك البحر.

حيث حدثت عندي حالة تأمل ثم محاكاة ما بين جهات ثلاث:
ذاتي الوحيدة،
ومرض التوحد،
وبيروت الوحيدة وصخرتها التي تتلاطم عليها أمواج البحر العاتية.

وشعرت أن بيننا قاسماً مشتركاً هو الوحدة والتوحد، وخاصة أن البحر والجو كان مضطرباً والرياح قوية عاتية والمطر غزيرٌ غاضبٌ يزرع في القلب تلك الوحشة وحشة الوحدة والتوحد.

ما كنت لأتوقع أن آتي لبيروت إلا منذ أيام قليلة، فتلك تقادير ربنا.. فيا سبحان الله!!
جئت إلى بيروت لأتحدث عن اضطراب التوحد وأنا وحيد إلا من صحبة ربي سبحانه وتعالى ((اللهم لا تذرني فرداً وأنت أرحم الراحمين))
جئت لبيروت في 14 آذار، وهي تأسيس لمجموعة 14 آذار، نعم لقد أصبح الناس في لبنان جماعات رقمية 11 آذار و 14 آذار وَ..

بيروت التي كنت أسمع عنها وعن جمالها باتت غير مدينة وناسها غير الناس. الجيش في كل مكان، والهدوء الحذر يخيم ويكاد يملئ النفس خوفاً ومللاً ومزيجاً من المشاعر بحالة اللا أمن، لأجد نفسي مستوحشة من الوحدة والتوحد...... الجو العاصف الماطر والرياح العاتية والبحر الغاضب في لبنان، قد يعبر لمن يراه عن حال الناس هنالك.

كان اللقاء التلفزيوني حول التوحد على قناة العالم طيباً وذا معنى، وكان عنوانه ((التوحد ما بين خصوصية التربية ودور المجتمع))، بدايةً كان الجمهور يتهامسون بصمت ويضحكون كعادة اللبنانيين، قلت لنفسي: قد يكون عمري وشبابي فاجئهم!!. ثم فاجئني الجمهور بأسئلة بعيدة عن جوهر التوحد، حتى أن المذيعة دخلت في دور الأم الخائفة لأن تُرزق بطفل توحدي (يبدو أنها عروس جديدة.. هذا ما قلته في نفسي). فكثيراً ما سألتني (كم هو صعب وجود مثل هذا الطفل في الأسرة!!!) وأنا أجاوبها (نعم صعب يا ختي ودعينا من هذا السؤال وخلينا في العملي).

شعرت أن منطقتنا العربية ظامئة للعلم النفسي وهي في نفس الوقت تُنكر ذلك، ولكن إلى متى يا ترى سيظل هذا الإنكار؟!

التجربة كان كفيلة لأن تحيي ذكريات والدتي التي عاشت في بيروت حوالي السبع سنوات، والتي لم تخطها قدماي من قبل، ولكنني فرحت بأن أتيت لمنطقة تعشقها أمي، وكذلك كان مقدمي إلى دمشق عند الاختصاص، فدمشق وبيروت من أهم محطات حياة أمي في الطفولة والشباب، ودمشق أهم وأحلى محطات حياتي النفسية.

كنت أتمنى أن أكون متزوجاً، وأدعو ربي أن يشفيني من الوحدة، وقررت هنالك أن أنهي هذه الحالة التي أعاني منها وأنتقل إلى حالة أخرى هي التوحد مع زوجة والاندماج ضمن مجتمع هو الأسرة.. ألم يقل الله تعالى ((وخلقناكم أزواجاً))، اللهم ارحمني بزوجةً صالحة قرّة عينٍ.. اللهم آمين!!!

في هذه الرحلة اكتشفت أني كنت بعيد كلياً عن أخبار المنطقة، وكأنها آلية دفاع عندي ضد الألم الذي تخلفه هذه الأخبار وما تزرعه في نفسي فلجأت نفسي بشكل واعي أو لا واعي لإهمال هذه الأخبار المخيّبة!!

وقد آلمني الوضع السياسي في لبنان ((دولة بلا رئيس!!!))، ونحن في مجتمعاتنا -كأطباء نفسيين- وإجمالاً عندما نتحدث عن شيء يجب أن نعتبر في أذهاننا كل شيء، لأن الوضع السياسي والصحي والنفسي، كلها أمور متداخلة مع بعضها.

ترى ما هو المأزق في لبنان؟! و ما هي المشكلة التي تستمر وتتواصل وتولد الضعف تلو الضعف في هذا البلد الرائع؟!
أنا لن أتحدث عن العوامل السياسية في المنطقة عموماً، والتي لا نستطيع أن ننكر أنها مهمة للغاية في بلبلة الوضع السياسي اللبناني، لكن أعتقد أن أسّ مشاكلنا كلها هو العقلية الموجودة في أذهان الجميع، العقلية الحالية هي التي تدير أحداث المنطقة بهذه الفوضى وسوء التنظيم والتنسيق، علماً أن هذه العقلية هي نتاج عمليات التربية الأولى من قبل الأب والأم والمدرسة.

ونحن كمربين وأخصائيين نفسيين بحاجة لإعادة صياغة هذه العقول، الحل من أجل مستقبل المنطقة هو ((التربية السليمة)) لإنتاج عقول قوية صحيحة، تفكر بشكلٍ سليمٍ، وتقود المنطقة إلى بر الأمان وشاطئ السلامة.

مبدأ الآن وهنا ((Here & Now)) هو المبدأ الذي يجب أن يعتمده اللبنانيون ليدبروا أمورهم الحالية. على الرغم من أن الأمر محبط والفوضى مستشرية لأن أمريكا كعادتها ولطبيعتها زرعت الفوضى في كل مكان وفي كل زمان، في العلم وفي السياسة على حدٍ سواء، فعلومها وسياستها تكاد تدّمر العالم!!!

وأدعو الله أن يستبدل تلك الأمة الأمريكية بأمة إسلامية كما يحب، ولا ألقي اللوم على أمريكا فقط. لكن لنا نحن الدور الأكبر.
التوحد.. الوحدة.. بيروت.. صخرة البحر وأنا، كلها مسميات لعملة واحدة وشعور واحد هو الوحشة بالتفرّد..

نرجو الدعـــــاء!!

هذه المقالة نفثها كلماتٍ بآهاتٍ وعبراتٍ..

واقرأ أيضاً:
أحلام طبيب نفسي!!  
اليوم أعـز أصدقائي
أما أنت يا رمضان فوداعاً
رسالة من مُتَحَرِّش!!
ألم تشتاق لتلك الأحضان الحانيات  

مجانين ده ابننا مشاركة2 



الكاتب: د. ملهم زهير الحراكي
نشرت على الموقع بتاريخ: 04/05/2008