إغلاق
 

Bookmark and Share

البروفيسور المسيري.. مفكر القرن (6) ::

الكاتب: د. عبد الله البريدي
نشرت على الموقع بتاريخ: 20/10/2008


البروفيسور المسيري.. مفكر القرن(5)
 

لا نزال في خضم التتبع (المكثف) لإسهامات مفكر القرن الدكتور عبد الوهاب المسيري، ونستعرض في هذا المقال قسمين آخرين وفق التصنيف السباعي المقترح، وذلك كما يلي:

القسم الرابع: المسألة الحضارية، وقد حظيت هذه المسألة باهتمام بالغ من قبل الدكتور المسيري، لدرجة أننا لا نكاد نقرأ كتاباً له دون أن يتضمن تفكيكاً لبعض القضايا والمفاهيم والمصطلحات الحضارية وقد أولى المسيري المفاهيم والمصطلحات الحضارية الغربية عناية فائقة، نظراً لضخامة تأثيرها على الجهاز المعرفي العربي، ونجد أن مكتبة المسيري تتضمن 6 كتب متخصصة في المسألة الحضارية، وهي (الفردوس الأرضي: دراسات وانطباعات عن الحضارة الأمريكية، 1979م)، وقد ركّز فيه على تفكيك ونقد مفهوم (التقدم) وفق الفلسفة الغربية وأبان عن شناعة ميل الإنسان الأمريكي إلى تطويع (الأرض) وما تحويه من ثروات وكنوز وأسرار وجعلها (فردوساً نهائياً) في محاولة فاشلة للتحكم والسيطرة على (الواقع المعقد) بنظرات مادية اختزالية تجزيئية تنتهي به إلى تأليه الإنسان، وقد تطرق فيه إلى الزعيم الأمريكي المسلم مالكوم إكس (الحاج مالك الشباز)، وقد تنبأ إلى شيوع حركات الفيمينزم (حركات التمركز حول الأنثى كما يترجمها المسيري بشكل دقيق ومتعمق، والترجمة الشائعة هي الحركات النسوية) في العالم الغربي.

وفي عامي 1985م و1986م ترجم مع زوجته الدكتورة هدى حجازي كتاباً قيّماً بعنوان: The West and the World الغرب والعالم - تاريخ الحضارة من خلال موضوعات، وهو في جزأين)، والكتاب من تأليف المؤرخ الأمريكي المرموق (كافين رايلي) والذي فنّد فيه فكرة جوهرية في الفكر الحضاري الغربي تتمحور حول (مركزية الإنسان الغربي الأبيض) فقد أبان (رايلي) عن هزالها الفلسفي وسقوطها الأخلاقي وعنصريتها المقيتة وقام بتفكيك فكرة البياض والسواد في الفكر المسيحي الغربي الذي جعل من المسيح - عليه السلام - رجلاً أوربياً بامتياز: أشقر اللون أزرق العينين مع أنه ينتمي لمنطقة ما يسمى بـ (الشرق الأوسط)!، وقد تعرض رايلي بشكل تحليلي نقدي لأهم القيم الحضارية الغربية الإيجابية كالتفرد والفردية النسبية وما يصاحبها بالضرورة من القيم السلبية كالاستهلاكية والتبديدية والشمولية، كما أكد رايلي على عدم وجود (سيناريو) وحيد للتطوير والتغيير والتحضر، وفي عام 2001م أصدر المسيري كتاباً هاماً للغاية بعنوان (العالم من منظور غربي)، ومما يميز هذا الكتاب أنه يعتبر - في جانب منه - امتداداً بل توسعاً وتعمقاً لأطروحته الشهيرة عن (التحيز)، حيث حاول فيه أن يسير قدماً في عملية التأسيس المنهجي لفكر التحيز الأمر الذي يفعّل تطبيقاته في النظر والتحليل والتشخيص والنقد والتقييم للنماذج المعرفية الغربية التي يُراد لها أن تكون (عالميةً)!، وينتصر الدكتور المسيري لأطروحة (الخصوصية الثقافية) وضرورة التنبه لخطورة (التحيزات الضمنية) في فكر الآخر وما يترتب على ذلك من حتمية الاشتغال بتحيزاتنا نحن!

وفي 2002م أصدر المسيري كتاباً بعنوان (الإنسان والحضارة والنماذج المركّبة: دراسات نظرية وتطبيقية)، وقد ركّز فيه على ضرورة تبني النماذج التفسيرية (المركّبة) وتجاوز النماذج (الاختزالية) التبسيطية للظواهر الإنسانية وخاصة الظواهر الحضارية شديدة التعقيد، وقد أوضح المنهجية الملائمة للتعامل مع تلك الظواهر المعقدة، مما يجعل هذا الكتاب هاماً بشكل خاص لمن يشتغل بدراسات المسألة الحضارية، وبالاشتراك مع الدكتور فتحي التريكي تناول المسيري بالتحليل والتفكيك والنقد مسألة (الحداثة وما بعد الحداثة) في كتاب ضمن سلسلة دار الفكر لحوارات قرن جديد (2003م)، وقد ضمّنه خلاصة مكثفة لنظرته للحداثة الغربية بمراحلها التاريخية ومنظوماتها القيمية، وفي عام 2006م ألف الدكتور المسيري كتاباً بعنوان (دراسات معرفية في الحداثة الغربية)، وقد تطرق في الكتاب لسمات النموذج المعرفي والحضاري الغربي وتجلياته في الواقع المعاش، في الوقت الذي يؤكد فيه على أهمية النماذج التفسيرية المركّبة وضرورة استخدامها في تفسير الظواهر الحضارية واستعرض في سبيل ذلك منهجي (ماكس فيبر) و(كافين رايلي) اللذين يمتازان بالتركيبية وفق ما يذهب إليه المسيري، وضمّن هذا الكتاب تحليلاً متعمقاً لطبيعة العلاقة الجدلية بين الأفكار والواقع.

القسم الخامس: الدراسات الأدبية واللغوية، على الرغم من أن الدكتور المسيري يعتبر الأدب دون مواربة (حبه الأول والأخير)، إلا أن همه الفكري ونضاله البحثي دفعاه إلى أن يجفو عشيقه فترات متطاولة، وقد اكتفي المسيري بتقديم 7 كتب في الأدب واللغة ما بين تأليف وترجمة، وهنالك ملاحظة هامة لابد من سوقها في هذا السياق وهي أن تلك الكتب السبعة لا يدخل فيها كتب المسيري التي خصصها للطفل (أدب الطفل) فقد رأينا أن نعرض لها في قسم مستقل نظراً لتفردها الشديد في منهجها وأسلوبها وأهدافها.

وقد بدأ المسيري رحلته الأدبية في عام 1965م حين ترجم بعض النصوص الرومانتيكية في كتاب بعنوان (الرومانتيكية في الأدب الإنجليزي، وقد شارك الأستاذ علي زيد في عملية الترجمة)؛ وقد جاء هذا الإسهام الأدبي مبكراً - قبل حصوله على الدكتوراه - نظراً لإيمان المسيري بتأثير الحركة الرومانتيكية على توجهات الأدب العربي ونتاجه لاسيما في بدايات القرن العشرين، وفي عام 1979م أصدر المسيري كتاباً أكثر تفصيلاً (مختارات من الشعر الرومانتيكي الإنجليزي)، وقد استعرض فيه بعض النصوص الرومانتيكية الإنجليزية وقام بتحليلها ونقدها من خلال منهج محدد شرحه وطبّقه في ذلك الكتاب بالتركيز على نموذج الحلولية وتاريخ الأفكار كمدخلين لفهم النصوص الأدبية، وفي 1988م قام بترجمة كتاب Pacific Overtures (افتتاحيات الهادئ) من تأليف ستفن سنودايم وجون ويدمان وهي عبارة عن مسرحية غنائية جعلت من (تحديث اليابان) موضوعاً محورياً لها في تحليل متسلسل تاريخياً، وقد ضمّن المسيري ذلك الكتاب مقدمة هامة استعرض فيها الأنواع الأدبية اليابانية، كما تناول بالتحليل المكاسب والخسائر التي حققها التحديث الياباني.

وفي 2002م أصدر المسيري كتاباً يتمحور حول الصور المجازية وأنواعها ومستويات استخدامها، وأبان عن محوريتها في عملية الإدارك والتفكير الإنساني وعلاقتها برؤية الإنسان للكون وكان بعنوان (اللغة والمجاز، بين التوحيد ووحدة الوجود)، ويذهب المسيري في هذا الكتاب إلى أن (رؤيتنا اللغوية) تقرر أن ثمة اتصالاً وانفصالاً في الوقت ذاته بين الدال والمدلول، أي أنه ثمة مسافة بينهما، وهي نابعة من (مبدأ توحيدي) يرتكز على حقيقة أن الله تعالى مفارق للخلق ولكنه ُيحيط بهم ويرعاهم في دائرة من علاقات التواصل معهم والانفصال عنهم ويسمى تلك ب (اللغة المجازية)؛ وذلك بخلاف النظرة الحلولية التي تقرر الاتصالية الدائمة أو الانفصالية الدائمة في قالب (اللغة الأيقونية والحرفية)، وفي عام 2007 م ترجم (قصيدة الملاح القديم) لصمويل تايلور كوليردج، وأصدر في العام ذاته كتابين آخرين هما: (دراسات في الشعر)، (في الأدب والفكر، دراسات في الشعر والنثر)، وفيهما اتكأ الدكتور المسيري على منهج فريد يقوم على (قراءة نقدية متمعنة) للنصوص الأدبية تستهدف استكشاف النموذج الإدراكي (الكامن) في النص كخطوة منهجية ُيراد منها الوصول إلى (النموذج التحليلي) الذي يمكّن القارئ من الولوج إلى أعماق النص وتفكيكه عبر تفعيل التحليل الفلسفي والتاريخي والطبقي والبنيوي فضلاً عن الصور المجازية بأنواعها المختلفة. وبحسب علمي ثمة كتب أدبية ولغوية أخرى للمسيري أرجو أن تصدر قريباً، وأذكر أنه في آخر مرة رأيت فيها الدكتور عبدالوهاب - أغسطس 2007م - كان يعكف بنهم غير مستغرب على بعض الكتب الأدبية وخصوصاً الشعر الرومانتيكي، وقال لي: ثمة أفكار واجتهادات توصلت إليها حول الشعر الرومانتيكي وأرغب في تدوينها!

وبخصوص إسهامات مفكر القرن الدكتور عبدالوهاب محمد المسيري، المفكر الإنسان، المفكر الكارزمي، بقي قسمان هامان في مكتبة المسيري نعرض لهما في مقال قادم.

اقرأ أيضا:

أبناء المسيري  
المسيري.. الإنسان والجنرال!
خمس ليالٍ في المنامة مع المسيري



الكاتب: د. عبد الله البريدي
نشرت على الموقع بتاريخ: 20/10/2008