إغلاق
 

Bookmark and Share

تعتعة نفسية:... كيف تعمل العقاقير النفسية(1)؟؟ ::

الكاتب: أ.د يحيى الرخاوي
نشرت على الموقع بتاريخ: 14/12/2008


السؤال هو "كيف تعمل" وليس "ماذا تعمل؟"، هذه العقاقير الساحرة الخطيرة، وهو سؤال ينبغي أن يشاركنا العامة، وخاصة المرضى وأهلهم، في الإجابة عليه، أو بتعبير أدق: في العجز عن الإجابة عليه.

عندما كنت ممتحناً جداً (فقد اعتذرت عن كل أنواع الامتحانات برغم إلحاح زملائي الأفاضل على دعوتي لكل الامتحانات في أغلب الجامعات) كنت أسأل جميع الممتحَـنين، حتى الدكتوراة، هل تعرف بشكل جازم طريقة عمل Mode of action أي من العقاقير التي نستعملها؟، وكانت الإجابة الصحيحة هي النفي التام، لكنه– الممتحّن (بفتح الحاء)، - والحق يقال – يعرف فروضاً كثيرة تحاول أن تجيب على السؤال، كما يعرف ملاحظات كثيرة عن أثر هذا العقار في ارتفاع أو انخفاض تلك المادة الكيميائية العصبية في الدم أو البول أو حتى المخ، لكن كل هذا لا يرتقي بفروض كيفية التأثير إلى أن تكون حقيقة علمية، ولا حتى أن تكون نظرية. فتظل العقاقير شديدة الأهمية، رائعة الفاعلية، لكنها تظل مجهولة تماماً فيما يتعلق بالربط بين تأثيرها الجيد جداً والضروري، وبين ما نتصوره من تغيير كيميائي هنا، أو نتيجة معملية هناك.

بكل ذوق، دخل على شاب سمهري رقيق، مندوب شركة يابانية حديثة العهد بمصر، يدعوني للمشاركة في ندوة في أحد الفنادق (خمسة نجوم، أو أكثر) لمناقشة مفعول عقار جديد من نوع كذا، يعالج كيت (وأنا أعالج هذا "الكيت" بعقار آخر رخيص جداً ونافع جداً جداً، منذ خمسين عاماً). راح الشاب يسهب في ذكر طريقة عمل هذه المادة (على الناقل النيوروني كذا... وأيضاً على المادة الفلانية الخ)!! قاطعته بقسوة لا يستحقها سائلاً: "ما ثمنه؟" تردد قليلاً ثم قال ما جعلني أحسبها فاستنتج أن ثمن القرص هو 18 جنيهاً مصرياً، فيتكلّف المريض من 18 إلى 36 جنيهاً يومياً!.

قلت له: "يا بني أخرج إلى صالة الانتظار وشاهد المنتظرين من جرجا وبني مزار وأبو حماد والزاوية الحمراء وعزبة القصيرين، ونحن في عيادة خاصة، وقل لي من وجوههم دون أن تسألهم: من يستطيع دفع هذا المبلغ منهم". ثم أردفت: "حين تنجح شركتك مع غيرها من الشركات العملاقة أن تسحب الأدوية الرخيصة من السوق برشوة كبيرة، وأكون ما زلت حيّاً وقادراً، سوف أعتزل الطب لأني أحب الزراعة والسفر والعوم".
 شكراً.
                
وللحديث بقية.......
اقرأ أيضا:
تعتعة سياسية: حاول ألا تفهم...! / تعتعة:الحلم والشعر والواقع والسياسة
 / تعتعة: فحتى المحاكاة ليسوا لها / تعتعة لطبيب النفسي، ومفهوم "الإنسان"1 /  تعتعة سياسية يا رب سترك / تعتعة سياسية تجاوز للعلم..ووشم للمرضى! / تعتعة نفسية هل توجد عواطف سلبية؟ / تعتعة نفسية: عندك فصام يعني إيه(2) / تعتعة نفسية عندك فصام يعني إيه؟ / تعتعة نفسية: أنا عندي إيه يا دكتور؟ / تعتعة نفسية العلاج بوصفة الأعراض(3) / تعتعة نفسية العلاج بوصفة الأعراض(2) / تعتعة نفسية العلاج بوصفة الأعراض(1) / تعتعة سياسية: الشعب المصري ملطشة / حركية الناس بين النت والشارع / تعتعة: التغابي حيث لا داعي للتحايل!  /  يا هنود العالم الحُمْر، اغضبوا أو انقرضوا..! / تعتعة سياسية حتى لو أجهضوها ألف عام!  / الدين العالمي الجديد! هيه..!وضحكت عليك!! / قبلات وأحضان، وحوار الأديان / صيد الأحاسيس، وذباب الكلمات في معرض الكتاب  / خليَط من الرأي والشعر: قوة النظام في ضعفه / أحب المؤرخين، ولا أثق في التاريخ / الشعور بالذنب في السياسة والحرب / سياسة دي يا يحيى؟!؟! / تخثُّر الوعي الوطني (والثقافة) / الحلول الذاتية: "نعمل إيه"؟ "نعمل جمعية"!! / من كلِّ صوبٍ وحدبْ، من كل دينٍ ودربْ / .. شم النسيم../ السياسة واللغة الشبابية والتراث الشعبي / السياسة ولغة الشارع: .. فى الهرْْدَبِيزْ (3 من 3) / السياسة ولغة الشارع: .. فى الهرْْدَبِيزْ (3 من 3) / "مؤامرة العولمة" و"عولمة المؤامرة" / برغم كل الجاري، مازال فينا: ".. شيءٌ مـَا" / لكنّ سيّد قومه المتغابي..!! / هل تنتحر البشريةُ "بغباءٍ انقراضي"؟! / أين الأزمة؟ صعوبة الأسئلة؟ أم نفاق الجميع؟ تعتعة سياسية: الامتحانات، وقيمة اسمها "العدل"! / تسويق "الإيمان" في "سوبر ماركت" العولمة!!!  / تعتعة سياسية: قصيدة اسمها: عبد الوهاب المسيري / بين دموع الشعب ونفاق الحكومة / تعتعة سياسية: تألّم: الصورة تطلع / العودة من المنفى: درويش، ذلك الشعر الآخر / تعتعة نفسية: الطبيب النفسي والفتوى الإعلامية / تعتعة نفسية: لا شكر على "تسويق" دواء جديد!! / تعتعة نفسية: المجنون لا يفعل مثل هذا!!!.

نشرت في الدستور بتاريخ 24 / 8 / 2006



الكاتب: أ.د يحيى الرخاوي
نشرت على الموقع بتاريخ: 14/12/2008