الكاتب: د. أحمد عبد الله نشرت على الموقع بتاريخ: 24/12/2008
في أمتنا سذاجة وبلاهة نادرة الوجود ومنقطعة النظير، وسيتأخر نصرها على أعدائها، وستتعثر نهضتها ما لم تفق من هذه الغفلة، أو الغيبوبة التي هي مستغرقة فيها، ولا تجدي النصائح مع من هو غائب عن الوعي، ولا يغريني أو لم يعد يستفزني سؤال: ما الحل؟!
ما العمل؟! لأن الحماقة والبلاهة والغفلة مرض عضال ينهك من يريد علاجه، ولا سبيل إلى نجاح نصح، أو تأثير وعظ ما لم يكتسب السامع حدا أدنى من اليقظة ومن المعرفة والخبرة بذاته وبدينه وبالعالم من حوله، وأغلب الأمة مخدرة ضائعة تائهة وسط ضجيج الأصوات، ومواعظ مضللة، وأضواء لامعة، فكيف ستصل أمة إلى شيء وسط هذا الظلام، وهي تستهدي بالضالين المضلين، أو في أحسن الأحوال بالمنافقين؟! وقد تستهدي بغافلين أو مغفلين!!
وقضية المنافقين والنفاق لم تحظ بالاهتمام الكافي على الرغم من أهميتها القصوى والعاجلة والمصيرية، وأثرها في حركة الإسلام وتاريخه، وتأثيرها في واقع المسلمين اليوم وتخلفهم، وهي تكاد تكون خفية في الظل، وأعتقد أنها ستظل في هكذا أمة بلا عقل ولا تفكير ولا منهج ولا معايير ولا عمق فهم لدين أو لدنيا!!
وعامة ما يكتب الكاتبون، وينطق القائلون، ويواجه المناضلون إنما يتوجه إلى نقد فئة الظالمين الظاهرة، ولدنيا جرائد ومجلات وصحف وفضائيات ومؤسسات وجمعيات لحقوق الإنسان، ولمحاربة فساد المسئولين، ولغيرها من مجالات ومحاولات الإصلاح، ولكن الآفة الأعمق ستظل تنخر وتخرب، وهي مانعة تحول دون أي تغيير حقيقي أو إصلاح، وكيف يمكن أن يحصل أي خطو إلى الإمام بحق ومن يتحدثون عنه إما غافلون أو منافقون؟! في الأغلب!!
كيف سيتم تغييرٌ ومن يتحدثون عنه محض كهنة في محاريب تكريس الأمر الواقع؟!
كيف سينتصر إيمانٌ والذين يتصدرون ويتصدون للجهاد باسمه مجرد حراس للتخلف، وموظفين رسميين في مؤسسات ومعابد النفاق، وأصحاب مصالح تجعلهم يتمسكون بالأمر الواقع الذي منه يرجون مناصبهم، ويستمدون لمعانهم الكاذب، وتتسلط عليهم أضواء الشهرة بوصفهم المصلحين وأنصار "التغيير"، والناس تصدق وتصفق وتتزاحم عليهم لتصافحهم، وتلتقط الصور إلى جوارهم، وتطلب منهم الدعاء، وتربط بهم الرجاء، وتنتظر بهم ومعهم وتحت قيادتهم النصر على الأعداء؟!!
أمة ضعيفة الذاكرة تتلو:"إن الله لا يصلح عمل المفسدين"، وتنسى!!
ضعيفة البصر والبصيرة تراهم يكذبون إذا حدثوا، ويخلفون إذا وعدوا، ويفجرون إذا خاصموا ويخونون الأمانة صغيرها وكبيرها، ثم تغفل الناس أو تتغافل، وتحولهم إلى أيقونات قدوة، وأمثلة أسوة، وتسير خلفهم، ومبروك عليكم الجحيم الذي تعيشون فيه، وأبشركم بالمزيد.. يا أمتي الساذجة الغافلة!!
وإذا سألت أو تفكرت لماذا يفعل الناس ذلك ستجد أن المنافقين ـ كما عادتهم ـ يجيدون اللعب بالألفاظ والكلمات، ويلوون ألسنتهم بالكتاب، ويتلون النصوص لتحسبهم صادقين وقارئين وفاهمين، ويرفعون عقيرتهم بالصياح، وربما بعض الإنكار على السلاطين بينما الحقيقة أنهم مجرد خدام في بلاط السلاطين، سلطان المال والنفوذ والثروة والسطوة والأمر الواقع والسلطة لأنفسهم، يستمدونها من أي وعاء خرجت، يبحثون عن المصلحة، مصلحتهم الشخصية، وزيادة أرصدتهم ونفوذهم، ويحبون الدنيا بزخرفها ومتاعها وترفها وتراثها وعقاراتها، يحبون كل ما يجعلهم أقوياء لامعين يشار إليهم بالبنان بوصفهم النخبة، فرسان الإيمان، وهم مجرد كذبة سنرى وجوههم مسودة يوم القيامة، يوم الحسرة والندامة، لكنه بعد فوات أوان التغيير في الدنيا لمن يبحث عنه!!
وهؤلاء يكرهون الموت، والموت على معنى الانتقال من دار إلى دار، فهم قد عمروا ديار الحياة الدنيا، وخربوا ديار الحياة الآخرين فيكرهون الموت، وهم يكرهون الموت أيضا بمعنى فقدان أية صلاحية أو ميزة أو مكسب دنيوي، ويبيعون دينهم، وكل شيء بمتاع من الدنيا قليل، ولكنهم يرونه كثيرا، ويعشقونه ويغرقون فيه!! فإلى أين يقودنا أمثال هؤلاء؟!!
لا يعرفهم إلا من عاملهم بالدرهم والدينار، أو من دخل معهم في خصومة، أو من وضعته الظروف في موقع ينافسهم، أو تحت إدارتهم وحكمهم، وهنا تسقط أقنعتهم الزائفة ويسقطون تماما بوجوههم الكالحة وضمائرهم الخربة، وهم مطمئنون لأن أحدا من بلهاء الناس الذين يصفقون لهم ويزمرون، ويحملون سيرتهم، أو يتناقلون ما يكتبون أو يقولون، أحدا من هؤلاء الغافلين السذج لا يراهم ولا يتتبع عوراتهم، ولا يستقصي سيرتهم!!
أجهزة الأمن وحدها، والمخابرات، والعسس يعرفون أن أصحاب الصوت العالي هؤلاء مجرد منافقين، ولذلك تتركهم، وعند اللزوم هي قادرة على إسكاتهم أو تعريتهم!!
محنة أن نقف في صف واحد مع هؤلاء، اللهم أخرجنا من بينهم سالمين.
وكارثةٌ أن ننتظر منهم صرفا أو عدلا، والأدهى أن نتوقع نصرا لحزب هم نجومه، أو نستبشر بحراك هم رموزه، أو نخوض معاركهم فينتصر منافق على فاسد، أو كاذب على ظالم، أو لاعب أقنعة على مدير سيرك!!!
مصيبة أن يحكمنا من يحكموننا، والكارثة الأكبر في هؤلاء المنافقين، أقول كارثة إذا لم تكن منهم، أو كنت تقتدي أو تهتدي بأحدهم، وتسلك كما يسلك أو يرشدك!!
أين عقلك يا أمة ضحكت من جهلها الأمم؟!!
أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا وأمَّرَهُ على مجموعة، وأوصاهم أن يطيعوه كما يليق بأمير أمَّرَهُ الرسول على بعضهم!!
وفي الطريق أخطأ القوم خطأ ما، فأوقد الأمير المبعوث من النبي، وبتوكيل منه لإدارة وإمارة هؤلاء، أوقد نارا، وأمرهم أن يدخلوا فيها عقابا لهم على أخطائهم، ولم يفعل القوم ما أمرهم به أميرهم المرسل من طرف رسولهم صلى الله عليه وسلم، ولما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا قال "بأبي هو وأمي": لو دخلوا فيها ما خرجوا منها، وعاقب الأمير على حكمه ورأيه!!
أهديها إلى المعصوبة أعينهم، السائرين وراء قيادات معصومة "كما يتصورنهم"، ويدخلون خطوة خطوة إلى جحيم البؤس بفتاوى وآراء وأفكار مسمومة تحت لافتات الاقتداء والطاعة والتأسي بأنبياء "كذبة"، وأناس يلبسون فراء الحملان على أجساد الذئاب، وأمتي ترى أنيابهم، وتسمع كلاهم، يخوضون في الأعراض، ويستحلون الأموال والمناصب، ويخلفون الوعود، ويكذبون الحديث، ويفجرون في الخصومة، ويغدرون بعد العهد، ويراكمون المال، والأمة تنتظر أن يشبعوا ويقودوا وينتصروا، أي مهزلة تلك التي نعيشها، وأي تاريخ بؤس ذاك الذي نسطره؟!!
المواد والآراء المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
Copyright @2010 Maganin.com, Established by: Prof.Dr. Wa-il Abou Hendy - , Powered by
GoOnWeb.Com