الكاتب: بثينة كامل نشرت على الموقع بتاريخ: 07/01/2009
عزة تحترق والقلب يدمي..وأبي الذي تجاوز الثمانين عاما يتهاوى..يخرج من العناية المركزة صباحا ليدخلها مساء..الأعمار بيد الله..أرددها ليل نهار.. لكن عذابه وألمه هو الخنجر.. هو الموجع..يطالبني أن أستخدم شخصيتي كي أدع أختي الكبرى ترافقه بالعناية المركزة..فأهدئ باله..وأطمئنه إلى أنه سيتعافى فيرد بوهن وحسم في الوقت ذاته "لا" فأفكر هل قدر أبي أن يموت وحيدا بالعناية المركزة؟..يتحسن قليلا فيوصينا بأن نلتف حوله عند خروجه من المستشفى ولكن دون أن نتحدث كثيرا فهو ينهج ولا يستطيع أن يتنفس..وهن شديد لا يمنع خفة ظله ولماحيته فيسألني وهو على جهاز الغسيل الكلوي غير قادر على التقاط أنفاسه "هل حذائك هذا مريح؟" فأجيبه مبتسمة "بالطبع لا"؛
وفي اليوم التالي يطالبني بأن أريه إياه كي يتأكد أني قد استجبت لنصيحة الأمس فيجدني بلا كعب على الإطلاق ويشكو لي مر الشكوى من ممرضات الوردية الليلية اللائي قررن أن يسمنه العذاب لدرجة أنه لم يعد متأكدا أنه بالعناية المركزة بمستشفى لقطاع أفنى عمره بشرف في تنميته بل شبههن بالسجانات الشرسات وأصر أنه سيقاضيهن عندما يستعيد عافيته وسقطت دمعة من عينه مرددا "أذلوني" واستطرد في الحديث عن عدم خوفه منهن فهو لم يخف يوما منذ كان موظفا مبتدئا أمام مديريه الفاسدين واستطرد قائلا "هل واجهت الجان من قبل؟" فأجبته أنه يعرف أني لم أواجههم أبدا..وتلك بعض من حكاياته الخارقة للطبيعة التي سمعت أطرافها منذ وعيت على الدنيا عما صادفه في شبابه من قدرات متجاوزة للطبيعة واستمرت معه فقط استخاراته ومناماته التي كنت أستعين بها في المواقف الملتبسة الحرجة ولم يخذلني أبدا حتى أصبحت صديقاتي تطلبن مني استسماحه في عمل استخارات حول أمور تقلقهن ولكنه توقف عنها منذ سنوات..
وأعود إلى عذابه الليلي المؤلم بحق ليؤكد أنهن لم يستطعن إخافته وكيف كان يستعين على الجان بآية الكرسي فطلبت منه أن يقرأ على هؤلاء الشريرات القرآن كله فأجاب بأن المسامح كريم فنبهته إلى الفرق بين التفريط في الحق والتسامح فأكد لي موافقته..ذلك هو أبي وها أنا أدرك كم كان مؤثرا على تكويني وشخصيتي ومبادئي سواء اتفقت أم اختلفت معه..وتركته كي أحمل شكواه للمسؤلين بالمستشفي فأخبروني أنه قد تم التحقيق فعلا مع هؤلاء فتوجهت إليه على الفور لأخبره أن لا يخاف فالمسئولون قد أدوا واجبهم فبادرني بأنه لا يخاف أبدا فعدلت عبارتي مناشدة إياه أن يطمئن.. ولكن هل أنا ذاتي مطمئنة؟
المواد والآراء المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
Copyright @2010 Maganin.com, Established by: Prof.Dr. Wa-il Abou Hendy - , Powered by
GoOnWeb.Com