إغلاق
 

Bookmark and Share

بدون عنوان ::

الكاتب: د. أحمد عبد الله
نشرت على الموقع بتاريخ: 13/01/2009


سألتني: سيدي منذ الرابع والعشرين من الشهر المنصرم لم تكتب شيئا!!.... هل لم تعد تر شيئا في عالمنا يستحق التحدث عنه فاعتزلت الكتابة؟!
أقصد اعتزلت الرأي؟!

ماذا أكتب؟ وعن ماذا؟!

غزة تتصدر المشهد، ملحمة الدم الذي يسيل أنهارا تحت القصف والحصار في مشهد يفوق خيال أي مؤلف درامي، ويتحدى شجاعة الشجعان، وبلاغة الفصحاء، وعار الجبناء!!

غزة وحدها تقول فاسمعوا لها وأنصتوا لعلكم ترحمون.

يؤلمني جدا جدا أنني أرى كيف وصلنا إلى هذا؟!
ويؤلمني جدا أنني أعرف كيف يمكننا الخروج؟!
ويؤلمني جدا أن الناس من حولي يسألون عن هذا وذاك بمنتهى البراءة / الساذجة / الاستهبال!!!

هل ما كتبته طيلة عشر سنوات، وأنا أكتب قبل ذلك، هل كلماتي طوال كل هذه السنوات تصلح إجابة على السؤالين؟!

إذا كان الأمر كذلك فلا حاجة لمزيد من الكتابة، وإذا كان الأمر كذلك يصبح للكتابة فعلا جدوى!!!
الذين سبو إيران وحسن نصر الله والشيعة بالأمس هم أنفسهم من ينتظرون منهم أن يحاربوا من أجل غزة!!

والذين يرون كيف أصبحت مصر الرسمية، وكيف أصبحت حقيقة وواقع قدراتنا الضاربة أو الرادعة أو الضاغطة كبلد مجاهد "سابقا"، وخير أجناد الأرض، وكنانة الله، وغير ذلك من الألقاب، من يرون هذا الانهيار، ويعجزون عن وقفه يتشاغلون أو يهربون من هذا العار القومي العام بسب الصغار أو محاولة استفزاز الكبار ليقوموا بأدوار منتظرة وغائبة لمصر التي كانت يوما قائدة ورائدة وقلب الأمة العربية!!

في مصر ملايين من الأبطال ما يزالون ينزلون للشوارع ويقولون لا... يغالبون الجوع والبرد والخوف وبهتان الإعلام الرسمي، وأمراض التلوث، والمبيدات المسرطنة، ويغالبون عساكر الرعب المركزي!!!
وفي مصر آلاف من المعتقلين لأجل غزة بعضهم بتهمة التظاهر، أو جمع التبرعات، وكل من يدعم غزة متهم تبحث عنه الأجهزة، وتود أن تضعه في السجن!!

هل تتسع السجون في مصر لكل هذه الملايين؟!!

وفي مصر ملايين أخرى ممسوخة عقولهم، ومشوهة أحلامهم ونفوسهم!!

إنهم حصاد تعليم فاسد متهالك ومتخلف، وتربية عقيمة داخل وخارج الأسرة، وإعلام تافه سخيف سطحي وأهبل بشكل مخيف!!

إنهم ضحايا حرب استنزاف طويلة تخوضها السلطة في مصر ضد شعبها، وتنتصر فيها وتتقدم فوق الأشلاء والدماء، رويدا رويدا... تسقط الضحايا بالسرطان أو حوادث الطرق أو حرائق المنشأت أو المركبات أو فيروس الكبد أو أمراض أخرى!!

لقد كتبت من سنوات أن مصر مريضة، والصحيح أن الأوبئة تنتشر في جسدها وروحها لأنها تعيش في حصار وحرب ضروس، وما تزال صامدة تقاوم... تماما تماما مثل غزة!!!

قال لي: الحرب تطهرنا، وقلت في نفسي: صدقت فأنا من بداية العدوان أتوضأ وأغتسل كل يوم!!

لا أحد يحب الموت يا بلال باشا فضل، ولكن إن لم يكن من الموت بد فمن العار أن تموت جبانا، ولقد حاصرتنا إسرائيل الداخل، والخارج، ولأننا نحب الحياة نستمر فيها، لكنهم يقصفون ويحاصرون، فلا نجد غير الدماء تطهرنا!!

والله كلنا نحب الحياة، وإسرائيل الداخل والخارج كلها إصرار على مشاركتنا هذا الحب، ومستعجلين علينا قوي عشان نعيش الحياة... الآخرة!!!

الناس من حولي لا يعرفون أوليات السياسة، ولا التاريخ، ولا أساسيات مهارات النضال المدني، ولا أبسط المعلومات عن الأعداء والأصدقاء، ولا يفهمون مفاتيح وأفكار الصراعات والتوازنات وديناميات القوى والمصالح في عالمنا اليوم، ولا هم على مستوى عمق معقول في استيعاب الدين الذي يعتقدون أنهم يمارسونه ويلتزمون به، وفي ظل استبداد وهموم شخصية وعامة طاحنة، في غياب الدولة وتفكك المجتمع، وانسحاق الإنسان الفرد!!!

فكيف أنتظر منهم أنا أو غيري فعلا مبدعا أو جهادا فاعلا؟!
وماذا يبقى لهم غير البلبلة والعجز، وفقر الأفكار، وأمراض الفقر المادي والمعنوي؟!

ماذا تنتظر من هذه الأمة المسحوقة المنتهكة الغارقة قي مستنقعات صراع ومشكلات تخلف؟!
أمة لا تحتاج إلى المزيد من الشكوى والجلد واللوم.
الحمد لله أنها ما زالت تصرخ!!
أليس الصراخ علامة حياة؟! تماما عند الميلاد!!
هل هو ميلاد جديد أم أننا ما نزال أطفال لا نجيد غير الصراخ؟!!

أستمع إلى الحلقة التاسعة عشر من فش غلك

واقرأ أيضًا
على باب الله: رائحة العيد / على باب الله: غاوي شعب!! / على باب الله: خرائط العشق القاني / الإعلام، وصناعة تاريخ بديل / على باب الله: الحوت صديقي / على باب الله: هل أغنى للبطاطس؟! / في مديح المغاربة.... المصرية رائدة مشاركة / على باب الله: طعانون وسماعون / على باب الله: تأملات أندلسية/ على باب الله: نتغزل في الحرية، وكلنا عسس / على باب الله: بيداء الوحدة والحرمان  / العزلة طبعاً: هل هناك اقتراحات؟!  / على باب الله: ذات البين 3/3/2007 / على باب الله: بريدي مخترق!! / على باب الله: لماذا ننهزم أمام الشر؟؟ على باب الله: الهروب / على باب الله: زائدة دودية / على باب الله: المقامة الظِّبيانية / على باب الله: أخانا الذي في الشمال / على باب الله: ما العمل / على باب الله: حزب خربانة / على باب الله: بلادي/ على باب الله: التغيير / على باب الله: أساتذتي / حزب ومعتصماه: عندما ترعى الذئاب (متابعة) / على باب الله: معركة البنطلون / على باب الله: عن التغيير والفوضى / للمصريين: إذا كان ثمة أمل!! / على باب الله: ستر العورة!! / الصحراء / حي على الثقافة / على باب الله: صوت وصورة / من النقد إلى البناء / كلام في الحب / شهر الرسول 1 مارس 2008 / على باب الله مصر 2010 / على باب الله: أم المشاكل / كلام في الحب مشاركة/ مملكة الكذب / الطريق الرابع ـ تأملات مسافر2 / بعض أهوال القيامة / على باب الله: التفكيك والتفكك / غواية السرد 2/5/2008 / المتطرف / الضجر / كوابيس حواء / خيانة دين / على باب الله: من باب الاحتياط / أنت جميل / مشهد سريالي / عن الخلط والتمييز / البحث عن حكاية / تنويعات لكسر الملل / ماشي يا مصر/ حلم الطلوع / الوقوف في الزور / السفر / معركة الثقافة / زمن الرفيق الأليكتروني / الليلة وكل ليلة / البحث عن عباس / في ذم السكوت / أنتيمها مأنتمها / المنافقون الكبار.



الكاتب: د. أحمد عبد الله
نشرت على الموقع بتاريخ: 13/01/2009