|
|
|
حروب غزة التي بدأت ::
الكاتب: د. أحمد عبد الله
نشرت على الموقع بتاريخ: 22/01/2009
سكتت المدافع.. وتوقف قصف الطائرات.. وعاد الجنود إلى ثكناتهم.. وانفض المولد. شكرا.. عودوا إلى بيوتكم.. مأجورين, تحفكم الملائكة.
لا.. أين تذهبون؟.. ليس بعد.. الحرب لم تنته بعد.. بل هذه الجولة لم تنته بعد. غزة.. ما تزال محتلة. غزة.. ما تزال محاصرة. غزه.. ما زالت طائرات العدو تحلق في سمائها. غزة.. ما زالت سفن العدو تحاصر بحرها. غزة.. ما زالت دبابات العدو تربض في أطرافها. غزة.. لم تلملم جراحها بعد.
نعم.. صمد أهل غزة، وصمدت المقاومة الباسلة بشكل أسطوري مذهل.. وسكت هدير المدافع وقصف الطائرات مؤقتا.. ولكن القصف السياسي ما زال على أشده.. والحرب النفسية زادت، والمؤامرات السياسية صارت أكثر عمقا وقسوة!!
مازال العدو وحلفاؤه وأتباعه يحاولون أن يحصلوا بالسياسة على ما لم يستطيعوا أن يحصلوا عليه بالحرب: الأراجيف والأبواق والأفكار المسمومة، والغثاء والتفاهة، والأكاذيب، وحرب التغطية على المذابح لتمر دون عقاب، والدعاية والإعلام والتلاعب بالعقول.. إنها معارك غزة التي لم تتوقف، بل زادت، وانفتحت فيها جبهات جديدة، لمن يرى ويسمع ويعي!! إنها معارك غزة التي بدأت وستشتعل، ونحن عنها غافلون لأننا لا ندرك طبيعة المعركة، ولا فلسفة وأنواع القوة، ولا تعدد جبهات الصراع، ولا مرحلية التخطيط والكيد الصهيوني، رغم وضوحه !!.. كم نحن طيبون؟؟ أو سذج!!
عندما كانت قناة "الجزيره" تبث صور قصف غزة بالفوسفور الأبيض, خرج ملايين الناس في أنحاء العالم احتجاجا على العدوان وتضامنا مع أهل غزة، وتعددت أشكال الحراك الشعبي لدعم غزة، وللضغط على صناع القرار للتحرك ضد العدوان. وقد فاجأ حجم ذلك الحراك الشعبي أكثر الناس تفاؤلا، وفاجأ حتى بعض صناع القرار وجعلهم -ولو ظاهريا- يتحركون باتجاه بحث عن حل.
ومن جراء هذا الزخم انعقدت قمم وانطرحت مبادرات وصدرت تصريحات ووعود بمساعدات سخية للإعمار، لا نعرف -وربما نعرف- في أية جيوب ستستقر!!.. لكن.. توقف القصف الآن.. وتوقفت "الجزيرة" عن بث الصور. وبدأت الناس تعود إلى بيوتها راضية بما فعلت بعد أن فرغت بعض شحناتها النفسية.
هنا تكمن الخطورة؛ فعندما تخف الضغوط والجهود الشعبية, عندما ترتخي السواعد والجهود المبذولة لمحاصرة الصهاينة وفضحهم والسعي لعقابهم، وإدانتهم ومقاطعتهم من كل الأطراف التي رأت بشاعة ما حصل، فإن هذا يترك المجال للعدو وحلفائه وأتباعه في حرية الحركة وإحكام الطوق والحصار والبيئة الضاغطة على المقاومة لفرض الشروط المذلة عليها وانتزاع المكاسب السياسية التي لم يستطع تحصيلها في الحرب. ويبدو أن العدو يراهن على ذلك.
وللأسف الشديد, يمكننا أيضا أن نقول أن الحراك الشعبي العربي الذي حدث, كان أضعف مما ينبغي، وأضعف مما هو مفترض أو متوقع، لكن لا بأس من المراجعة والتطوير.
وعند طرح هذه الإشكاليه, يكثر السؤال عن "ماذا نفعل؟", وغالبا ما يأتي هذا السؤال بشكل استنكاري على أساس أن لم يكن بالإمكان أفضل مما كان, وأن الأنظمة الحاكمة معها القرار وأدوات الفعل, وأنه لا طاقة لنا بجالوت وجنوده.
صحيح أن الأنظمة بيدها القرار وتمتلك أدوات, ولكن هذا جزء من الصورة، وهناك جوانب أخرى, نعم.. هناك مسارات للفعل الجاد المؤثر الفعال.. إنها فلسفة ونظرة مختلفة عما تربينا عليه وتعودنا على انتظار حدوثه من أعلى، رغم أنه لا يحصل أبدا!!
تعودنا على شكل معين للقوة وممارستها، وعلى أفعال محدودة ومحددة، وعلى تفكير بدائي فقير، تاركين الإبداع والابتكار والضغوط والتفكير الخلاق للوبي الصهيوني، ونحن لنا الحسرة والكمد!! وأنا أطرح من سنوات طويلة أفكارا جديدة وطريقة تفكير مختلفة وطرقا للفعل ومسارا تراكميا يقوم من خلاله الأفراد والتجمعات الصغيرة والهيئات والمؤسسات والمنظمات والأحزاب بفعل يطور من الحالة القائمة، يعمل على تغيير موازيين القوى الآن، وغدا، ودائما خطوة خطوة.
في هذا المسار؛ يقوم الناس بمبادرات كثيرة تساهم في فتح الآفاق والأبواب المغلقة، وحشد الطاقات، وممارسة الضغوط بدأب.. المشكل أننا لم نتعلم هذا المسار، ولا نفهمه ولا نمارسه غالبا، رغم حسرتنا المتواصلة من أن اللوبي الصهيوني يضغط ويحاصر ويؤثر في كل بلد ومساحة!! وهذه الجهود التي تتنوع وتتراكم لتنتج ليست طلسما ولا لغزا، ولا من يمارسونها أشباح أو متخصصون في السحر والتعاويذ، إنما هي فنون ومهارات ومعارف يمكن لأي إنسان إدراكها وتعلمها واستخدامها.
ودورنا كأفراد ومؤسسات شعبية هو القيام بمبادرات نوعية كثيرة في كل الأماكن المتاحه لتساهم في الدعم المادي والمعنوي لأهل غزة لتساهم في الضغط على العدو ومنعه من تحقيق أهدافه. أدعوكم لعدم إلقاء السلاح، أو بالأحرى خوض معارك غزة في الأدمغة تصحيحا للمفاهيم، وتصديا للشائعات، وفي الإعلام فهما وانتقاءا ورفضا لما هو سلبي أو كاذب، وفي الفن والثقافة، كما في القانون الدولي الإنساني، ومساعدة الجرحى، ومواساة أهل غزة الصامدين، ودعمهم نفسيا.
إنها معارك الوعي والفعل والذاكرة، معارك الحوار مع أهلنا ذوي الوعي الزائف، والإيمان المخدر في النفوس، والدروشة.. قاتلها الله !! إنها معارك المقاطعة لإسرائيل وأعوانها اقتصاديا وأكاديميا، ومعارك مواجهة البهتان الصهيوني واللوبي الصهيوني السافر في الخارج، والمستتر في الداخل!! إنها معارك تدور في صدري وصدرك حين يكون التحدي المتجدد: أيةُ نعيش؟؟ وأية قضايا تشغلنا في أيامنا وليالينا!! ما أفكارنا؟؟ همومنا؟؟ ترفيهنا؟؟ الكلمات التي نقولها لأولادنا والحكايات التي تحكيها الأمهات، إن كانت الأمهات ما زلن يحكين حكايات للأطفال أصلا!! إنها أسئلة: ماذا نلبس؟؟ ماذا نأكل؟؟ ماذا نركب؟؟ هل نتعلم ونذاكر؟؟ كيف نستهلك؟؟ من نوالي ومن نعادي؟؟ من وما نحب، وماذا ومن نكره؟؟ معركة التواصل مع أنصار الحرية والإنسان في كل مكان على أرض الله، ونحن عن كتل بشرية وثقافية وحضارية ومتعاطفة معنا جد غافلين!! (أتذكرون شافيز؟؟ كم منا يعلم أين تقع فنزويلا؟؟ فضلا عن بوليفيا؟؟) هذه هي معارك غزة يا سادة، معارك بحجم الحياة وكل مساحاتها، لمن أراد النصرة، أو شاء الخذلان!!
يكفي هذا اليوم، وأرجو لمن شاء المزيد من الفهم لطبيعة المرحلة الآن أن يتابع مدونة بأحاول أفهم، وقد أنهيت للتو قراءة مقال د.عزمي بشارة منه والمعنون: بيان وقف إطلاق النار .
يا الله.. كم نحتاج من الصبر والسلوان والعزم لنواصل الشعور والإحساس وبقية معالم وأعراض وملامح كوننا بشر!! هل سننسى؟؟
واقرأ أيضًا على باب الله: رائحة العيد / على باب الله: غاوي شعب!! / على باب الله: خرائط العشق القاني / الإعلام، وصناعة تاريخ بديل / على باب الله: الحوت صديقي / على باب الله: هل أغنى للبطاطس؟! / في مديح المغاربة.... المصرية رائدة مشاركة / على باب الله: طعانون وسماعون / على باب الله: تأملات أندلسية/ على باب الله: نتغزل في الحرية، وكلنا عسس / على باب الله: بيداء الوحدة والحرمان / العزلة طبعاً: هل هناك اقتراحات؟! / على باب الله: ذات البين 3/3/2007 / على باب الله: بريدي مخترق!! / على باب الله: لماذا ننهزم أمام الشر؟؟ / على باب الله: الهروب / على باب الله: زائدة دودية / على باب الله: المقامة الظِّبيانية / على باب الله: أخانا الذي في الشمال / على باب الله: ما العمل / على باب الله: حزب خربانة / على باب الله: بلادي/ على باب الله: التغيير / على باب الله: أساتذتي / حزب ومعتصماه: عندما ترعى الذئاب (متابعة) / على باب الله: معركة البنطلون / على باب الله: عن التغيير والفوضى / للمصريين: إذا كان ثمة أمل!! / على باب الله: ستر العورة!! / الصحراء / حي على الثقافة / على باب الله: صوت وصورة / من النقد إلى البناء / كلام في الحب / شهر الرسول 1 مارس 2008 / على باب الله مصر 2010 / على باب الله: أم المشاكل / كلام في الحب مشاركة/ مملكة الكذب / الطريق الرابع ـ تأملات مسافر2 / بعض أهوال القيامة / على باب الله: التفكيك والتفكك / غواية السرد 2/5/2008 / المتطرف / الضجر / كوابيس حواء / خيانة دين / على باب الله: من باب الاحتياط / أنت جميل / مشهد سريالي / عن الخلط والتمييز / البحث عن حكاية / تنويعات لكسر الملل / ماشي يا مصر/ حلم الطلوع / الوقوف في الزور / السفر / معركة الثقافة / زمن الرفيق الأليكتروني / الليلة وكل ليلة / البحث عن عباس / في ذم السكوت / أنتيمها مأنتمها / المنافقون الكبار / بدون عنوان / إعلام العدوان...على الذات / نحن ضحايانا: الإعلام التعبوي، والعنف المزاح.
الكاتب: د. أحمد عبد الله
نشرت على الموقع بتاريخ: 22/01/2009
|
|
|
|
|
|
المواد والآراء المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
Copyright @2010 Maganin.com, Established by: Prof.Dr. Wa-il Abou Hendy - , Powered by
GoOnWeb.Com
|
حقوق الطبع محفوظة لموقع مجانين.كوم ©
|
|