الكاتب: د. أحمد عبد الله نشرت على الموقع بتاريخ: 01/03/2009
اكتشفت كم أبدو مملا ومزعجا لبعض القراء، وبخاصة الجدد منهم!! اكتشفت أننا ما نزال في الأغلب نعيش في مرحلة المشاعر والأحاسيس، وبالتالي فإن ما أقوله ونسمعه إنما يذهب إلى مساحة الشعور فيضغط على الأزرار المتاحة هناك: اليأس، والإحباط، التشاؤم، والشعور بالعجز أو النكد!!
وفي الوقت الذي أعتقد فيه أنني أقدم نقدا عميقا وتحليلا دقيقا للواقع الذي نعيشه فإن ما أقوله يذهب إلى القلوب والمشاعر والوجدان فتنفعل سلبيا، بدلا من أن يذهب إلى مساحة العقل والتفكير لينتج ما أرجوه من تفاعلات إيجابية، وتغيير على مستوى أو مستويات حياتنا كلها!!!
من المسئول عن تعطيل عقلك؟! من المسئول عن غياب التفكير والتدبر والعقلنة في حياتك؟!
إلى من تتوجه الآيات في القرآن الكريم؟ تلك التي تتحدث عن هذه المساحات: أفلا يعقلون، أفلا يتدبرون، لقوم يتفكرون، أولي النهى (أي العقول)؟!
أين عقولنا؟! هل تعمل بكفاءة؟! هل غاية العقل وعمله أن يعطينا البدائيات والبديهيات البلهاء التي نتداولها في مجالسنا، وأحيانا نختلف حولها؟!!
تابع واستمع لكلام الناس ستجد كلاما كثيرا عن الأمل واليأس، التفاؤل والتشاؤم، الإحباط والسعادة، ولتكتشف أننا ما نزال في طفولة وغمرة المشاعر، ولم نتوازن بعد فنعقل ونتدبر ونحلل ونراجع وننتقد ونخطط ونستشرف حلولا لمشكلات مزمنة نعيشها بمشاعرنا ودموعنا وابتسامات تهكمنا، بينما العقل غائب أو مغيب، أو نربطه عند أقدام هذا الواعظ، أو ذلك "المتخصص"، أو أي أحد ليلعب في أدمغتنا، ويصب ما يحلو له، ويسوقنا كالقطيع إلى حيث يريد، وسلامي للقرن الواحد والعشرين!!!
۞۞۞۞۞۞۞۞۞۞۞
نعم ليس مدهشا أن المصريين هم أعلى الأمم في الدنيا اهتماما بالدين، ففي مصر وحدها يكون السؤال عن دين الشخص أهم من السؤال عن بقية معلوماته وبياناته ومؤهلاته وخلفياته، وفي مصر لا يكاد يخلو مجلس ـ مهما كان موضوعه ـ من الحديث عن الدين، وذلك بغض النظر عن أطراف هذا الحديث، ومن يشهد هذا المجلس!!
في مصر 80 مليون مفتي كلهم جهابذة وعلماء وأصحاب آراء في الدين والدنيا، وغالبا هذه الآراء متهافتة، وعلى غير أساس من معرفة بالشرع، وفي حالتنا فإن معرفتنا بالعالم مثل معرفتنا بالدين تقترب من الصفر!!
في مصر يمكن أن يقتل الناس بعضهم بسهولة جدا من أجل اختلاف حول مسألة خلافية، ومصر مؤهلة أن تشتعل في لحظات لتعيش حربا طائفية بين بلهاء وغوغاء وكتل تعتبر نفسها مؤمنة ومتدينة وفاهمة ومخلصة للمسيحية أو للإسلام، وما في الرؤوس محض تعصب، وشوية معلومات متواضعة جدا كما هو الحال لدينا في أية قضية من قضايا الحياة!!
معرفة متواضعة للغاية، وعقول كسلى جدا، وفهلوة غالبة، وفوضى عارمة، وعقول غائبة، ومتناقضات اجتماعية وسلوكية، وفجوات اقتصادية رهيبة، واهتمام بالدين وسط هذا كله، فأي دين ذلك الذي يحمله المصريون المعاصرون؟!!
يبقى أن الدين ـ مهما كان محتواه هنا ـ هو القاسم المشترك الأعظم، والمدخل الأنجح في التأثير على الناس وقيادتهم إلى الخير أو إلى غيره، وفي غياب العقل والمعرفة، وفي غياب التفكر والتدبر والعقلنة والرشد، فإن العاطفي يكسب، وبالتالي فإن المجد للوعاظ، وترقيق القلوب، ودغدغة الأحاسيس والمشاعر، ففي شوارع مدينتا يقتلون العقل في وضح النهار!!
۞۞۞۞۞۞۞۞۞۞۞
غزة محاصرة، ومصر محاصرة أكثر... غزة منكوبة، ومصر منكوبة أكثر... غزة ينتظرها مستقبل غامض، ومصر لا يبدو لها أي مستقبل تستريح له النفوس!!!
غزة تعرف عدوها، وتلملم جراح العدوان، وتستعد لجولة قادمة قريبة أو بعيدة، ومصر تائهة حائرة مشتتة نال منها الأعداء، وتخلى عنها الأبناء، وترنحت خطواتها، وتحيرت أفكارها!!!
المتأمل لخط التاريخ سيرى بوضوح أن مصر هي قلب العروبة وهي لذلك مستهدفة في عقلها وروحها ودينها ودنياها، وغاية ما يريده الأعداء أن تظل كما هي الآن غارقة في الإفساد، منهكة وممزقة ومريضة بالسرطان والاكتئاب، وفيروس الكبد، والفشل الكلوي، والعجز الجنسي!!
منذ يومين قال أحد أقطاب الحزب الحاكم تحت قبة البرلمان المصري أن: البلد تحكمه عصابة لصوص، وبالأمس هتف المحامون المعتصمون اعتراضا على فرض رسوم إضافية على القضايا: مصر يا بلد الخطافين... الرسوم هتروح لمين؟!
الرؤوس تترنح وتتصارع على فتات المكاسب، والناس مطحونة بالغلاء والجهل، والتخلف العقلي، وتدمير الأرواح باسم الدين في مواعظ سقيمة ونصائح عقيمة، وأجهزة بث الوعي تبيع المخدرات!!
لا جامعة تبحث أو تنتج معرفة، ولا منبر مسجد يقود، ولا كنيسة تنشر وعيا، ولا مجتمع قادر على الاستجابة للتحديات المعاصرة، وما أكثرها!!
اختصرت الدولة المصرية العظيمة القديمة تاريخيا في مجرد عصا تقرع الناس كالعبيد، وتسوقهم كالأغنام، وتوارت الكفاءات تحاول النجاة بنفسها من مضخات القاذورات والعطن والعفن الذي تطلقه سلطات شاخت وترهلت، وتجاوزت عته الشيخوخة إلى حالات ومراحل لا تصفها المراجع، ولا تعرفها الموسوعات، ولا المعاصم، ولا علوم السياسة والاجتماع!!
ووسط هذا الروث تنبت الرياحين والأزهار متحدية الشروط البيئية، ومعاكسة لتيار الموت والخراب والدمار، فتجد بؤرة ضوء هنا، وشعاع أمل هناك، ومعجزة إبداع مغمورة وسط طين المزابل!!
يدور الحديث في أرجاء العالم كله عن قصف غزة، والجرائم التي ارتكبت بحقها، وعن إعمارها، وعن تشييد ما أنهدم من بنيانها، لم تعدم غزة من يبكيها، ويلبي دعوتها ونداءها، ويرصد تفاصيل العدوان عليها، ويحاول تضميد جراحها، أما حمزة فلا بواكي له!!!
المواد والآراء المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
Copyright @2010 Maganin.com, Established by: Prof.Dr. Wa-il Abou Hendy - , Powered by
GoOnWeb.Com