|
|
|
المجرم الأخير!!! ::
الكاتب: د. أحمد عبد الله
نشرت على الموقع بتاريخ: 08/06/2009
عندما يقذف طفل صغير زجاج القطار العابر فيصيبه ويتحول إلى فتات، هل هذا الطفل الأحمق هو الجاني الوحيد في هذه الحادثة؟ وهل الخلل فقط في عقله هو ومسلكه؟! أم ينبغي أن نبحث عن جناة آخرين، ربما يكون دورهم في الجريمة أكبر بما فعلوه أو ما أهملوه في تنشئة هذا العود الأخضر الذي أعطانا الله على الفطرة فمسخناه حيوانا أعجميا جاهلا شرسا في صورة إنسان؟!!
يوميا وبدم بارد ننظر إلى قضايا حياتنا وجرائم بشعة تحصل حولنا، وندين ببساطة الطفل الذي قذف الحجر، وما أسهل هذا؟!!
الحاكم المستبد الظالم ليس هو المجرم وحده، ولكن من سكت فلم ينكر، من طبل له وزمر، ومن كذب ليدعم، ومن يمرر، ومن عاونه، ولو بصمت ليتكبر ويطغى، وكل هؤلاء ينامون كل ليلة، ويصلون ويصومون ويرون أنفسهم أتقياء أنقياء مع السفرة الكرام البررة!!
الأب الجاهل القاسي، والأم الجاهلة بأبجديات الأمومة، ويسهل علينا إدانة هكذا أب أو زوج يضرب أهل بيته، أو لا يفهم ولا يتعلم كيف تكون إدارة بيت، أو تربية أطفال!!
لكن هل هذا الرجل أو تلك المرأة فقط جناة وحدهما في هذه الوضعية؟!
اتصلت بي من غربتها لتبكي لتشتكي حالها، وهي دون الثلاثين بسنوات قليلة، متواضعة التعليم بالنسبة لمستوى البلد الذي تعيش فيه!!
انتهكها قريبها طفلة في بيت أبيها، وعبث بها آخرون فلم تتكلم، ولم يحرص أحد عليها أصلا، أو يحميها من التحرش والانتهاك (مثل ملايين الفتيات عندنا)، والبنت ما زالت عورة وعالة ووصمة في بيوتنا وأسرنا، ووصمة الأنوثة ثقيلة في ربوع أوطاننا السعيدة، وتولد الفتاة لتكتشف تدريجيا أنها وصمة وذنب، ومصيبة يريدون التخلص منها، ويتخلصون بالزواج فيستلمها من يكمل عليها (هكذا قالت لي)، وتجد الفتاة نفسها وقد صارت امرأة في كنف بلطجي آخر غير أبيها وإخوانها، وتستمر مسيرة الجهل والانتهاك، والظلم وتدمير الإنسانية داخل خلق الله، ولأنها في الغربة فقد وسعها أن تقول لا، وانفصلت عن زوجها وبقيت عند أقارب لها، وهي غير قادرة على إعالة نفسها إلا من عمل بسيط هو المتاح لمن هم في مثل مؤهلاتها المتواضعة وغير قادرة على التوافق مع الزوج الذي استلمها حين أرادت التخلص من تحكمات أهلها، وأراد أهلها أن يتخلصوا منها (ملايين النساء لدينا هكذا)!!!!
تلك الضعيفة الوحيدة في غربتها، المستجدة في مهجرها تتعرف على امرأة أوربية من نفس البلد الذي تقيم فيه، وتجد فيها الأوربية، وهي أكبر سنا، وأوسع خبرة، وأيسر حالا تجد فيها صيدا جنسيا سهلا وجاهزا في ضعفها، ونفورها من عالم الرجال (الذي لم تر منه خيرا)، وتنشأ بين المرأة العربية المسلمة وبين المرأة الإفرنجية علاقة محرمة تؤرق العربية، ولكنها مستمرة فيها، وتسأل كيف تستطيع قطعها؟!
امرأة عربية في غربة وتقيم علاقة سحاقية مع امرأة أوربية أكبر.
هيا يا جهابذة صبوا فوق رأسها الحميم، وأطلقوا الأوصاف والنعوت والأحكام والرصاص، وحاكموها كمجرمة نسيت الدين والأخلاق...إلخ قائمة الاتهامات الجاهزة، ولكن هل هذه المرأة مذنبة وحدها؟!! المجرمون الذين انتهكوها، ومروا دون عقاب دنيوي، والذين أهملوها، أو قتلوها حية تجهيلا وتشريدا، والذين رأوا وسكتوا وتواطئوا، والذين قالوا: ما لنا، لا نتدخل!!!
والأمة التي تنام على المظالم: ظلم الحاكم، وظلم المحكوم، قهر الطغاة، وقهر المقهورين بعضهم لبعض!! وظلم ذوي القربى أشد مضاضة!!
الأمة التي ترى المنكر فرديا في كل بيت وحارة وزاوية وتفتعل الصمت أو تتخارس، وتفتعل الصمم والعمى، وتنكب على مباراة كرة أو مسلسل أو أي شيء تضيع به الوقت!!
هذه الأمة التي تسلم أبناءها للجنون أو الردة عن الدين، أو الكفر بالملة أو الانحراف أو الانجراف في أي تيار أو اتجاه.
ثم تصرخ: شواذ، مرتدون، كفرة، منحرفون!!
هذه المرأة وأمثالها، وإحداهن عربية تركت أسرتها وأبناءها، وتزوجت امرأة أوربية بعقد رسمي وإشهار قانوني، والحكايات الدامية كثيرة عن لحمنا ودمنا الذي نضيعه ونهدره محليا وفي الغربة، عن عقولنا المضطربة المشوهة بفعل فاعلين، عن دمنا المسفوح فوق الطرقات، وفي المنفى، وأعراضنا المكشوفة، ومن يفزع من رعب أحوالنا، وبشاعة أوضاعنا فيهرب مستجيرا من الرمضاء بالنار!!
نقطة البدء أن نحارب ونرفض كل ضعف شخصي أو عام، وأن نبني قدراتنا الفردية والجماعية، وألا نسكت على خطأ، وإنما نتعاون لمحاصرته وعلاجه بدلا من مجرد الشكوى والأنين المستمر مثل العجائز والمعوقين، وحتى هؤلاء تكون لهم أحيانا إرادة مذهلة لأنهم يريدون الحياة بحق، بينما نختار نحن الموت أحيانا!!
ثمار الأشجار الفاسدة هي مجرد ثمار من السهل اصطيادها، والأهم والأصعب علاج الجذور والأسباب، أو القضاء عليها!! المجرمون سلسلة وليس فقط المجرم الأخير!!
الدماء التي تسيل في قاربنا جميعا، وكل عضو يشتكي ينبغي أن يتداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، ولا يقولن أحد أن النار بعيدة عن بيته، فهي والله أمة واحدة، لها رب واحد، نحن نسكن في بيت واحد، وعالم واحد!!
آن لنا أن نفيق لنوقف الهدر والنزيف، ونبني من جديد روح الإيجابية والتضامن والأخوة والنهضة: نبني العقل، وننعش الروح، ونوقظ الفكر من مراقده، ونبعث ثقافتنا، ونتواصل مع العالم في ثقة واقتدار، ولكننا جميعا أصحاب مسئولية في ذلك لأنها مهمة أمة بأكملها تعاني، وأمة بأكملها يمكن أن تنقذ نفسها، وينبغي أن تفعل لأنه ليس أمامها من سبيل غير ذلك.
لن ينقذ هذه الأمة المتخبطة صاحب سلطان فهو منشغل بسلطانه ومتاعه، ولن ينقذها خائف من التصريح بالعلل، أو تشخيص الأوجاع، أو مرارة الحق والمصارحة بالحقائق!!
لن ينقذ هذه الأمة من يخرس أو يتخارس، لا الحمقى ولا من يتحامقون، لا البلهاء ولا المنافقون، لا ضعاف العقول ولا السفهاء ولا التافهون!!
إنما ينقذها من يتعلم ويعمل، ويؤمن بأن الإنقاذ واجب، وبأنه ممكن، وبأن وعد الله حق: "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" من منطلق مفهوم الأمة الواحدة نحن شركاء في البؤس الذي نعيشه، والجرائم التي ترتكب باسم الاستبداد السياسي أو الفساد الإداري أو الطاغوت الاجتماعي والعادات والتقاليد، ولا عبرة أن يخدعنا أو نخدع حين يرتدي أي شيطان عباءة قديس، فلا قداسة عندنا لكاهن، ولا تصديق لتخاريف، ولو صدرت عن قديس، بل لا يوجد عندنا أحد فوق المنطق أو المساءلة أو النقد، بل كل إنسان يؤخذ من كلامه ويرد إلا المعصوم صلى الله عليه وسلم، كما نحن شركاء في الخراب الحاصل، وندفع ثمنه، فإننا ينبغي أن نتضامن في درء المفاسد، وحل المشكلات، وأمامنا قائمة طويلة منها!! وأمامنا مهام بناء كثيرة، وليس مجرد الشكوى.
لابد من حل لمشكلة صدأ العقول وانحطاط التفكير الإيجابي، وندرة النشاط الذهني والإبداعي السليم في الصغار والكبار، ولابد من حل لمشكلة الجهل بالأوطان تاريخا ومصلحة، ولغة وإمكانات، ولابد من حل لمشكلة تآكل التواصل الأسري والاجتماعي بين الناس، ومشكلة التمزق والتشتت والجهل المتبادل الذي تعيشه الأقطار المختلفة، والمذاهب المختلفة، والطوائف المختلفة في أمتنا التي تعاني فرقة لا مثيل لها!!!
ولابد من حل لمشكلة غياب البحث العميق والدرس السليم لأحوالنا ومستقبلنا، وغياب الترابط بين أصحاب الهمم ومشاريع النهضة وأفكارها بعضهم ببعض، وبينهم وبين عموم الأمة التي ينبغي أن تفكر وتعمل لنفسها فلا ولن تنفعها سلطات حكم، ولا مؤسسات نفاق، ولا منابر كذب، ولا مضخات زيف، وما أكثرها في حياتنا!!
واقرأ أيضًا على باب الله: رائحة العيد / على باب الله: غاوي شعب!! / الإعلام، وصناعة تاريخ بديل / على باب الله: طعانون وسماعون / على باب الله: نتغزل في الحرية، وكلنا عسس / على باب الله: بيداء الوحدة والحرمان / العزلة طبعاً: هل هناك اقتراحات؟! / على باب الله: لماذا ننهزم أمام الشر؟؟ / على باب الله: الهروب / على باب الله: المقامة الظِّبيانية / على باب الله: أخانا الذي في الشمال / على باب الله: ما العمل / على باب الله: حزب خربانة / على باب الله: بلادي/ على باب الله: التغيير / على باب الله: أساتذتي / حزب ومعتصماه: عندما ترعى الذئاب (متابعة) / على باب الله: معركة البنطلون / على باب الله: عن التغيير والفوضى / للمصريين: إذا كان ثمة أمل!! / على باب الله: ستر العورة!! / الصحراء / حي على الثقافة / على باب الله: صوت وصورة / من النقد إلى البناء / كلام في الحب / شهر الرسول 1 مارس 2008 / على باب الله مصر 2010 / على باب الله: أم المشاكل / كلام في الحب مشاركة/ مملكة الكذب / الطريق الرابع ـ تأملات مسافر2 / بعض أهوال القيامة / على باب الله: التفكيك والتفكك / غواية السرد 2/5/2008 / المتطرف / الضجر / كوابيس حواء / خيانة دين / على باب الله: من باب الاحتياط / أنت جميل / مشهد سريالي / عن الخلط والتمييز / البحث عن حكاية / تنويعات لكسر الملل / ماشي يا مصر/ حلم الطلوع / الوقوف في الزور / السفر / معركة الثقافة / زمن الرفيق الأليكتروني / الليلة وكل ليلة / البحث عن عباس / في ذم السكوت / أنتيمها مأنتمها / المنافقون الكبار / بدون عنوان / إعلام العدوان...على الذات / نحن ضحايانا: الإعلام التعبوي، والعنف المزاح / حروب غزة التي بدأت / الجهاد الأكبر / الطريق إلى غزة / ما لا يقال: منمنمات غزاوية / فواصل... ونلتقي / إنهم يعبدون الشيطان / التفسير الجنسي للتخلف / انتحار جماعي / لبانة الإنتماء / يسألونك عن الجهل / قتل المقاومة: نصائح للمبتدئين / معضلة الكتابة / رأسنا ونعالنا، معروفنا ومنكرنا / ضحايا النوايا الحسنة.
الكاتب: د. أحمد عبد الله
نشرت على الموقع بتاريخ: 08/06/2009
|
|
|
|
|
|
المواد والآراء المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
Copyright @2010 Maganin.com, Established by: Prof.Dr. Wa-il Abou Hendy - , Powered by
GoOnWeb.Com
|
حقوق الطبع محفوظة لموقع مجانين.كوم ©
|
|