الكاتب: بثينة كامل نشرت على الموقع بتاريخ: 24/06/2009
كون بحاله، عالم تاني، كنت يوما جزءا صغيرا منك أصغر حتى من كف اليد، عالم التصقت به ونضجت بين أحضانه، وعرفت دائما أنك موجودة فكنت أنت أماني الذي انطلقت منه إلى عالم البشر. عالمنا يا أمي تبادلنا فيه الأدوار فكنت أخشى عليك من قسوة الآخرين وأدافع عنك أحيانا بحماس زائد، وكيف لا وأنت ملكي أنا وعالمي أنا. أعترف أني، كطبيعة البشر، شعرت يا أمي أني قد بلغت قمة النضج وأن عقلي الجبار أصبح مصدر الحكمة كلها، وسمحت لنفسي أن أستعرض قدراتي العقلية الفائقة حتى عليك أنت يا أمي، ثم اكتشفت حتى في هذه اللحظة التي أكتب فيها لك أني لا زلت في موقعي القديم كتلميذة في مدرسة حبك وأنك أنت المعلم الكبير في هذه المدرسة.
ولكم عانيت مني يا أمي أيام مرض أبي، كانت أعصابي على الحافة وكنت أعاملك بعنف موحية لك بأني أنا الأقدر على التفكير السليم أعترف..ثم أفقت على كلمات حب كبير كتبتها لي في ورقة صغيرة تقولين لي فيها "أنا غاضبة منك وليس عليك" أعترف لك يا أمي أني أخطأت وأكبر دليل على خطئي أنه وبموت أبي قد انفض الناس وبدأنا نحن بناته تأخذنا رغما عنا مشاغل الحياة، ولم يبق في الدنيا كلها سوى شخص واحد فقط يذرف الدموع على أبي بعد أن تحمل في صمت وسكون حماقاتي واندفاعي، هذا الإنسان أستاذ الحب أستاذ الرحمة، أنت يا أمي.
ويأتيني عيد ميلادك منذ أيام ونلتقي على الغذاء في المطعم الدوار ببرج القاهرة في يوم غاب فيه عن البرج السيد رئيس وزراء مصر فكان يوما شديد الصفاء لم يكن فيه البرج مغلقا وتحت الاحتلال. وفي المساء أعلم منك أن زملاءك في العمل قد جمعوا مبلغا من المال في مظروف كهدية ولكنك لا تهتمين بالمال الذي داخل المظروف وتقولين لنا إن اهتمامك الأكبر هو بالكلمات المكتوبة على المظروف "إلى أمنا وأختنا وزميلتنا.."وتعرضين علينا بفخر هذه الكلمات وتفاجئينني بأنك تحتفظين أيضا وعلى طول سنوات عملك بأظرف كهذه، اكتسبت قيمتها في عينيك ليست بما حوته في قلبها ولكن من المعاني المسجلة على ظهرها ولهذا استحقت البقاء كل هذه السنين. وماذا فعلت أنا؟! انشغلت بقلب مظروفي ونسيت الكلمات على ظهره فإذا به فارغٌ مهما امتلأ ولهذا فهو لا يستحق مكانا بين تلك الأظرف التي بقيت وها أنا أخطئ ثانية وأحاول أن أتعلم الدرس..
كلمات الحب أغلى من كل مال، وحبك أنت أغلى من كل شيء.. وأنت أنت أغلى من كل الوجود أعتذر لك وأنا أعلم أن غفرانك في كل مرة يسبق اعتذاري وهذا درس آخر أتعلمه، سأظل أخطئ بين الوقت والوقت وسأظل في حاجة إليك كل الوقت لكي أتعلم، أتعلم منك مالم أتعلمه من أي مكان آخر. أعتقد أن كل ما قصدت أن أقوله لك من خلال هذه الرسالة هو أني أحبك وأخاف عليك خوفا يهزني من الداخل...كل عام وأنت بألف خير يا حبيبتي..
المواد والآراء المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
Copyright @2010 Maganin.com, Established by: Prof.Dr. Wa-il Abou Hendy - , Powered by
GoOnWeb.Com