إغلاق
 

Bookmark and Share

المونديال وحياتنا النفسية ::

الكاتب: د. لطفي الشربيني
نشرت على الموقع بتاريخ: 24/06/2010


نلاحظ جميعاً أن الموضوع الذي بدأ يأخذ مكانه في مقدمة الأولويات واهتمامات الناس في أنحاء العالم هو الاستعداد لمتابعة مباريات كرة القدم في منافسات كأس العالم (المونديال) التي انطلقت منذ أيام في جنوب إفريقيا.. والمونديال مناسبة رياضية جميلة.. ينتظرها عشاق الرياضة كل 4 سنوات.. وهي تأتي في توقيت ملائم هذه المرة من وجهة النظر النفسية بعد أن تابع العالم الأحداث والمشاهد المأساوية في منطقة الشرق الأوسط على مدى الفترة الماضية، ونجد أن هناك حاجة كبيرة لمتابعة مباريات كأس العالم في هذا التوقيت لتكون موسماً للمشاهدة والتشجيع والاستمتاع لجمهور كرة القدم الذي يقدر بالملايين في كل أنحاء العالم، وهي مناسبة تأتي عادة في موعدها بعد طول تمهيد وإعداد وانتظار لتكون في مقدمة اهتمامات الملايين في أنحاء العالم الذين يختلفون في الحضارات والثقافات والبلدان واللغات.. لكنهم يتفقون معاً في مثل هذه الأيام على الاجتماع حول الشاشات التي تنقل إليهم مباريات كأس العالم لكرة القدم.. فيتابعون أحداثها بحماس هائل في جو احتفالي يخرجهم من همومه الخاصة لبعض الوقت حتى ينتهي هذا المهرجان الرياضي الرائع.. وهنا في هذا الموضوع نسجل بعضاً من الملاحظات النفسية، ورؤية للمنظور النفسي في هذا الحدث، وقبل أن تتساءل عن العلاقة بين كرة القدم والصحة النفسية نذكر بعض الحقائق:

× ومن وجهة النظر النفسية فإن مشاهدة المباريات ومتابعتها والاستمتاع بذلك فن لا يجيده الكثيرون منا، ونقول إنها مناسبة جيدة لتحقيق ترويح ذي فائدة كبيرة من الناحية النفسية فنحن على موعد لننسى همومنا مع هذه المباريات ولنخرج من قلقنا المعتاد واهتماماتنا التقليدية لنعيش أجواء المنافسة والاستماع بها.

× لكي تتحقق الفائدة النفسية القصوى من المشاهدة علينا أن نستعد ونهيئ أنفسنا بصورة ملائمة للمشاهدة.. وقبل المباراة نجمع معلومات عن الفريقين وأسماء اللاعبين.. ونتحمس لأحد الفريقين ونحاول أن نستمر في تشجيعه بحرارة.

× أثناء المشاهدة لا تسمح لنفسك بالسرحان أو التشتيت وركز انتباهك جيداً في المباراة وستجد أنه قد تحقق لك بذلك مشاهدة مثمرة ومفيدة للصحة النفسية تساعد على التخلص من مشاعر التوتر والقلق، وفكرة ذلك تشبه اتباع بعض الوسائل والطرق البسيطة التي تقوم على شغل الذهن والانتباه في موضوعات مختلفة بعيداً عن مصادر الهموم والقلق.

× كما نعلم عن مباريات كرة القدم أنها مليئة بالإثارة والانفعالات التي ترتبط بكل حركة للكرة بين أقدام اللاعبين.. وتوقعات ترتفع معها حرارة الانفعال ليصل إلى الذروة وقت تسجيل الهدف.. التعبير عن الانفعال هنا هام جداً للصحة النفسية، ويمكن أن تراقب انفعال لحظة تسجيل الهدف على اللاعبين والجمهور والمذيع، وعليك أن تبدي انفعالك أنت أيضا وتعبر عنه بحرية مطلقة كيفما تشاء فهذا مفيد من الناحية النفسية.

× لا مانع أيضاً من توجيه النقد والتعبير عن الرأي في كل ما نشاهده.. فالتعبير هنا تنفيس انفعالي إيجابي ووسيلة لإسقاط الانفعالات الداخلية على الحكم واللاعبين والمدربين، وهذا التعبير وسيلة لتأكيد الذات وحرية الانفعال، ويساعد ذلك في تعميم هذا الاتجاه في مواقف الحياة الأخرى حيث يمكن التخلص من الخجل والمخاوف الاجتماعية والانطواء والتعود على التفاعل مع الأحداث.

وتعتبر الراحة والترويح عن النفس من الأشياء الهامة لكل منا حتى يجدد النشاط ويبعث في جسده ونفسه الطاقة والحيوية ليعود إلى مواصلة العمل.. وقد يفهم البعض منا الراحة على أنها الخلود إلى الهدوء والكسل، غير أن مفهوم آخر للراحة يجعلها قضاء الوقت بصورة أكثر إيجابية وفاعلية بعيداً عن أجواء المسئولية والعمل ولكن في إثارة ونشاط بدني وذهني بناء.. فلتكن مشاهدة المباريات فرحة لتحقيق مثل هذه المكاسب على مستوى الصحة النفسية بجانب الاستمتاع أيضاً.

والمشكلات التي تتعلق بالصحة النفسية وتتطلب تدخل الطب النفسي في مجال كرة القدم كثيرة ومتنوعة، ومن أمثلتها تدريب اللاعبين على التحكم في الانفعال وإعدادهم نفسياً قبل المباريات الهامة، والرعاية النفسية للرياضيين في مختلف مراحل الضغوط النفسية التي يتعرض لها اللاعبون والمدربون والحكام في الملعب، وهذه مهمة نفسية بالدرجة الأولى حيث يتطلب الأمر الإعداد المسبق للأوقات العصيبة عند اللقاءات الرياضية المثيرة، وكيفية مواجهة الجمهور، وتجنب التأثر سلبياً بوسائل الإعلام عند النقد، أو التأثر بمواجهة الأضواء التي تتركز على الرياضيين بصورة كبيرة، والتدريب على التصرف السليم عند المنافسة مع الخصوم، وكذلك وقاية اللاعبين من الانحرافات التي تؤثر على مسيرتهم الرياضية.

والجوانب النفسية في رياضة كرة القدم لها أهمية خاصة بعد أن أصبحت هذه اللعبة واسعة الانتشار وتزايد الاهتمام بها بين الصغار والكبار من مختلف الثقافات والبلدان.. وبعد أن أصبح العالم كله بفعل وسائل الاتصال قرية صغيرة، ويمكن لكل شخص في أي مكان متابعة ما يجري في أي من بلدان العالم، ولذلك فإن حدثاً مثل المونديال (مسابقة كأس العالم) يمكن أن يكون موضوع الساعة الذي يقرب المسافات بين الناس من مختلف الشعوب.. ويزيل الكثير من الحواجز فيما بينهم، حين يجتمع الملايين في أنحاء مختلفة في نفس الوقت لمتابعة كل مباراة، وهذا هو سحر الكرة التي توحد بين مشاعر الناس واهتمامهم بصورة لا يماثلها شيء آخر.

والآن.. ونحن - وبعد انطلاق مباريات المونديال لنبدأ بتهيئة أنفسنا لمتابعة هذه المباريات في أجواء من الإثارة والاستمتاع.. ولنجعل منها فرصة للترويح عن النفس، وذلك بالخروج من اهتماماتنا اليومية المعتادة، والتخلي عن مشاعر القلق والإحباط والتفكير في أزماتنا الشخصية والعامة المختلفة ومشاغلنا المتعددة.. كل ما هو مطلوب الآن أن تقتطع من وقتنا لحظات للاستمتاع والمشاهدة حتى نعود مرة أخرى إلى حياتنا المعتادة في حالة أفضل من الصحة النفسية مع صفارة النهاية لآخر مباريات المونديال.

واقرأ أيضاً:
يوميات مجنونة صايمة: كرة القدم  
قاتل الله الكرة.. كم تفرق بين الأشقاء 



الكاتب: د. لطفي الشربيني
نشرت على الموقع بتاريخ: 24/06/2010