الكاتب: أ.د يحيى الرخاوي نشرت على الموقع بتاريخ: 31/07/2010
أنهيت تعتعتى السابقة (31 مارس) هكذا: "....ما نحتاج إليه هو المشروع القومي، وليس البطل القومي، ولن يكون المشروع قوميا بحق – في ظروف التحديات المعاصرة – إلا إذا كان جزءا من المشروع الإنساني العالمي الجديد، (وليس العولمة المشبوهة)، ولهذا حديث آخر..". بلغني أن هناك من ينتظر هذا الحديث الآخر، فبدأت الكتابة: ثم توقفت: إيش ضمّني أن هذا الحديث الآخر، سوف ينشر في الأسبوع القادم ليصبح الكلام متصلا؟؟!! يبدو أن هذا السؤال خرج نتيجة خبرة الأسبوعين السابقين لهذه التعتعة، حين احتجبت كل الصفحة لضيق المساحة، أسبوعا بعد أسبوع، بمناسبة العدد السنوي، أو لأي سبب آخر، وهذا تنظيم بديهي، إلى أنني ضبطت نفسي متلبسا بغرور مفهوم، يصاب به كل كاتب حين يتصور أن أحدا غيره لا يستطيع أن يكتب مثله، بل كثيرا ما يتصور، أن ما يكتبه هو كفيل بتغيير النظام، وأحيانا بتغيير العالم (وبينى وبينكم، بتغيير الكون) أي والله! تعلمت بعض ذلك من الفنان التشكيلي الرائع المرحوم كمال خليفة حين كنت أزوره، في حجرته على السطح في شارع منصور، وأرى نحته من الحمام وهو يكاد يطير حولنا، وأستمع إلى الشيخ إمام وهو يغنى "الحمد لله خبطنا تحت بطاطنا،.. يا محلى جرية ظباطنا...إلخ"، فارفض ذلك محتجا أنه ليس هكذا، فظباطنا لم يجروا من خط النار، وأسأل كمال بعد أن ينصرف الجميع عن الحل فيقول إن ما نحتاجه هو "كتاب واحد صادق، جدير بأن يغير الدنيا، ويشير على كراريس كثيرة على الشمال، وأخرى على اليمين، ويقول لي إن الكراريس التي على الشمال مملوءة بمشروع هذا الكتاب، أما التي على اليمين فهي خالية تنتظر دورها، فأسأله وأنا أتساءل ومتى غيرت الكلمات الناس أو النظام؟ فيصر أنه في البدء كان الكلمة.
ربما مثل هذا الشعور هو بعض ما ينتابني أنا أو أحد من زملائي في هذه الصفحة حين تحتجب، نتصور أنه قد حيل بيننا وبين أن نعدل الكون، فأروح أراجع ما كتبت في التعتعة السابقة، فأتصور – مغرورا– أن عند سكرتير التحرير حق: فمن تعتع وعيا ساكنا، فعلية وزر ما ترتب على تحريك الساكن (وهو مبنىُّ على الصمت). طيب، إذا كان الأمر كذلك بالنسبة لما أكتب، فما ذنب زملائي على هذه الصفحة، وما ذنب القراء؟!! فأتذكر تشبيه كمال خليفة لثورة يوليو: وأن الضباط الأحرار لم يكونوا يقصدونها ثورة هكذا، فقد كانت المسألة هي انتخابات نادي الضباط مع جرعة فائقة من حماس الشباب وحسن النية وأحلام اليقظة، ثم اتسعت عليهم، فصدقوا أنفسهم، وكان يشبّه الذي حدث بثلة كانت تجلس تحت شجرة تفاح تتساقط من إحدى ثمارها العفنة نقاط مزعجة، فأرادوا أن يسقطوا الثمرة الفاسدة، فهزوا الشجرة، فإذا بكل التفاح يتساقط، لأنه كله كان فاسدا عطنا، وكنت أحتج عليه أنه "ولو، إلا أنها تثورت بعد ذلك"،
قياسا على هذا المثال رحت أفسر حجب الصفحة هكذا: ربما أراد سكرتير التحرير أن يتخلص من تعتعتي الغامضة المزعجة، لسبب ما، فعصلجت معه، فاضطر أن يتخلص من كل الصفحة، وأروح أتصنع الندم على أنني السبب في الحيلولة دون متابعة القراء كل تلك الأنوار المضيئة التي تنبعث من قذائف هلوسة د. أحمد يونس آخر الليل، ومن التمتع بدغدغة قلم بثينة كامل التي تدس النقد في الفكر فيلتهب لاذعا حريفا (سبايسى)، ومن مشاركة د. زكى سالم غضبه المر الساخن معا، ومن مشاركة محمد القدوسي ترحالاته وهو يقلب صفحات التاريخ أو يقلب علينا المواجع، فيسارع أ.د. عماد أبو غازي بتضميد جراح شظايا القدوسي بضمادات أحن من تاريخ أطيب، وأخيرا أشعر بالتزامي باعتذار خاص لجارى إبراهيم داوود وهو يكتب النثر شعرا، أو وهو يرسم بريشته هذا البورتريه أو ذاك، أو حين يختلط على الأمر في لون كتابته، هل هي بلون فانلة النادي الأهلي، أم بلون نزيف الوعي.
يا خبر!! ما هذا؟ انتهت المساحة وأنا لم أكتب كلمة واحدة فيما وعدت، فأكرر الوعد بأنه "..لهذا حديث آخر"، إن كان في العمر بقية، وإن لم تصل إلى سكرتير أو رئيس التحرير مواضيع أهم، فهو أدرى بشئون تحريره كما يقولون في بلدنا "أم الأعمى أدرى برقاد الأعمى"، وأتذكر شعرا قديما لي، وأغير كلمة واحدة فيه ليناسب المقام هي "عاجبهم"، بدلا من "عاجبنى"
المواد والآراء المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
Copyright @2010 Maganin.com, Established by: Prof.Dr. Wa-il Abou Hendy - , Powered by
GoOnWeb.Com