حكايات بنت الفرات لغة الجيل الجديد ::
الكاتب: بنت الفرات
نشرت على الموقع بتاريخ: 29/05/2005
" والله لو أن الأمر بيدي لاغتلت كل الشعراء .. أنا مالي ومال حبيبته اللي تركته ؟, أقعد أنا أقرأ النكد ده ليه ؟ يا أخي , إذا كانت شمس حياتك تغرب فأنا شمس حياتي لسّة في أولها !! "
" قصيدة كاملة يصف فيها الشاعر الخمر , شوف لو فضلت من الآن لحد بعد أسبوع توصفلي مذاق هذه الخمر مش حعرفه لأني عمري ما دقتها .. فليه كثرة الكلام ؟ بكلمتين مختصرتين قل لي : ممممممم , والله الخمر لذيذة , ابقوا دوقوها , وخلاص خلصنا " هذا جزء من حوار دار بيني وبين ابنة أختي التي تستعد للدخول في امتحان الثانوية العامة , المسكينة " اتعقّدت " من مادة اللغة العربية !!
" والله الشعراء دول ناس فاضيين مفيش وراهم حاجة جادّة يعملوها , بس شوفي الصحابة , كانوا ناس بيشتغلوا وبيتحركوا بنوا أمّة وحضارة , مش قاعدين جنب زوجاتهم بيقولوا شعر " فقلت لها : سأفجعك الآن بفكرتك عن الصحابة , نصهم كانوا شعراء !! فحملقت بي بدهشة , وكأنها تقول لنفسها : حتى الصحابة كانوا يتعاطون هذه التفاهات !! لأ ده كثير .. حاولت عبثاً أن أفهمها أن الشعر هو الثقافة والفن التي تترجم المجتمع , ولكنني كما لو كنت في وادي ورهام – اسمها - في واد آخر ..
" لأ وإيه , نقعد ساعتين واحنا بندرس الكلمات ومعاني الكلمات والتراكيب , يا أخي خلاص بقا قول اللي انت عاوزة بكلمتين وخلصنا , وبعدين لازم نحفظها كلمة كلمة , ويا ويلنا لو اتلخبطنا بحرف , تقوليش قرآن ؟؟ "
" والله أنا اللي أفهمه إنهم يطلعولي إعلان , أو يا ستي فيديو كليب , يقولوا فيه اللي عاوزين يقولوه وخلاص .. ليه كثر الكلام اللي ممنوش فايدة ده " وهنا أدركت لماذا لم تفهمني ابنة أختي , لأن أدوات العصر الذي خلقت لتعيش فيه مختلفة تماما عن أدوات العصر الذي عشت أنا فيه .. صحيح أنني لست قادمة من الزمن السحيق الغابر , ولكن هذه النقلة الكبيرة في السنوات العشر الأخيرة خلقت هذه الهوّة بيني وبين ابنة أختي ..
ثم أنهت المحور الأدبي الأول " الاستعمار والتجزئة " لتدخل في المحور الثاني وهو عن "الفلسطينيين " وإذا بها تقول : ندرس محور كامل بقصائده ومواضيعه , أقعد فيه ساعات عشان أعرف إيه اللي بيحصل للفلسطينين , ما أنا بشوفهم على " الجزيرة " وخلاص .. مش كفاية كدة ؟؟ " تذكرت بعد هذه المحاورة القصيرة القول المأثور : لا تقسروا أولادكم على أخلاقكم فإنهم خُلقوا لزمان غير زمانكم ..
فعلا .. لقد خُلقوا لزمان آخر بوسائل تخاطب أخرى .. ولكننا نصر على اتهام هذا الجيل بأنه جيل " والعياذ بالله " جيل مفتح , وقادر , إحنا مكنّاش كدة .." هذه هي النظرة السائدة بين أوساط المربين تجاه الجيل الناشئ سواء كان هؤلاء المربون من فئة المدرسين أو الوالدين , ووالله لا أجد في هذه الاتهامات للجيل الجديد إلا تغطية على قصور الجيل القديم في قدرته على التعامل والتفاهم معه .. فيلقون باللوم على أن الجيل تغير ولم يعد كالسابق !! طبيعي أنه سيتغير ولن يكون كالسابق , يجب أن يتغير ليستطيع العيش في الزمن الذي هو الآخر تغيّر .. مع أننا لو تقرّبنا إلى الجيل الجديد وخاطبناه باللغة التي يفهمها لتغيرت الأمور 180 درجة ..
وهذا مثال .. الأطفال يعشقون روح التحدي والمنافسة .. والتشجيع والتحفيز .. فلم لا نتعامل معهم بهذه الطريقة ؟ في أحد حصصي المدرسية كنت أشرح للبنات موضوع " الصبر " وكنت أركز على أننا نحتاج للصبر حتى آخر لحظة من عمرنا , لأن الشيطان لا ييأس من جرّنا وراءه إلى جهنم إلا حين تبلغ الروح الحلقوم .. وقبل ذلك يظلّ لديه أمل ويثابر في محاولاته المستميتة لإضلالنا , فمن الذي سينجح : الشيطان أم ابن آدم ؟ أكثرهما صبراً وثباتاً على تحقيق غايته هوالناجح ..
وإذا بإحدى البنات تقول : طيب لماذا الله يفعل ذلك , لماذا ينزل الشيطان إلى الأرض وهو يعلم أنه سيضلنا ؟ لماذا ولماذا ؟؟ وأخذت تسأل أسئلة فيها الكثير من السخط على الله تعالى , هذا السخط النابع من جهلها بالله تعالى , فهي تنطبق عليها الآية الكريمة : " ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدىً ولا كتاب منير " !!
فبينت لها أنالله تعالى بيّن لنا أنه عدونا في كثير من الآيات , ودلّنا على الطريقة التي نتعامل بها معه لننجو من شرّه , يعني ربنا يحبنا ولا يكرهنا .. والله عز وجل نبّهنا على ذلك في آيات كثيرة في القرآن : " إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدواً .. " وغيرها كثير .. الله عز وجل ليس ضدنا بل هو واقف في صفنا , ويريدنا أن نعود للجنة , والدليل على ذلك أنه بيّن لنا طريق الجنة وحذّرنا كثيييييييييراً جدااااا من عدوّنا الحقيقي .. ليس عدوك هو أخوك الذي أساء لك , أو أمك التي صرخت في وجهك , أو صديقتك التي زعجتك ولا الله عز وجل الذي أمرك بأشياء ونهاك عن أشياء .. بل هو الشيطان , هذه المواقف ستحدث بشكل طبيعي بيننا بحكم احتكاكنا ببعض , ولكن الشيطان لنا بالمرصاد ليجعلنا لا نتصرف بشكل سليم فيها , وبالتالي نخسر الآخرة , لأن هدفه الكبير الذي يسعى له هو أن يجعلنا نكفر بالله ..
وإذا بفتاة أخرى تقفز من مكانها وتقول : هل هذا يعني أنه يجوز أن أتخذ الشيطان عدوي وأتحداه في كل شيء من أمور حياتي ؟ فقلت لها : ليس يجوز , بل العلاقة هي كذلك فعلا مع الشيطان .. وانتهت الحصة ..
وفي اليوم التالي جاءتني هذه الفتاة التي قبلت التحدي مع الشيطان لتبشرني بأنها انتصرت عليه البارحة في أول نزال حقيقي بينهما , وأنها حكت لأخويها الأصغر منها عن هذه المعركة , وقبلا هما أيضاً التحدي ونزلا الساحة وانتصرا !! وسألتني : هل كل شيء سيفعله أخويّ الآن سآخذ انا أيضاً ثوابه لأنني أنا التي دللتهم على هذا ؟ - بالتأكيد .. - وأنت أيضا يا آنسة , كل ما سأفعله أنا وإخوتي وكل البنات سيكون في ميزان حسناتك ؟ - نعم ولله الحمد .. - نيّالك .. -يا بختك - .. - أسأل الله يا فضيلة – اسمها – أن يتقبل هذا العمل منا ويجعله خالصاً لوجهه الكريم ..
هذه هي باختصار لغة الجيل الجديد : التحدي , التشجيع .. السرعة في عرض المعلومة بالأساليب العصرية.. وإذا لم نكن على قدر المسؤولية فليس الله تعالى بعاجز أن يذهب بنا ويأتي بقوم آخرين يحبون تحمّل هذه المسؤولية ..
ملاحظة : لا أدري كيف خطرت لي فكرة التحدي مع الشيطان خلال الحصة .. ولكنه الله تعالى الذي يجري على لساني ما تحتاجه بناتي .. فله الحمد , وأسأله العون والسداد دااااااااااااائماً وأبداااااااااااااا ..
لإبداء الرأي والمشاركة :
bentalfurat74@yahoo.com
اقرأ أيضاً على مجانين : حكايات بنت الفرات مشاركة على : بوح الدكتور أحمد .. حكايات بنت الفرات: حفلة بمناسبة يوم اليتيم.. حكايات بنت الفرات: في مدرسة القرية حكايات بنت الفرات: مدارس ماريا حكايات بنت الفرات: وقفة على أطلال بيت جدي حكايات بنت الفرات: جيش التحرير أم جيش التدمير.. حكايات بنت الفرات: مواقف مؤثرة حكايات بنت الفرات: وظائف إنسانية شاغرة حكايات بنت الفرات:قصة زواج من قالت حكايات بنت الفرات: الأخوّة في الزواج الثاني
الكاتب: بنت الفرات
نشرت على الموقع بتاريخ: 29/05/2005
|
|