|
|
|
إلى بثينة كامل .. من وحي سطورك ::
الكاتب: صفية الجفري
نشرت على الموقع بتاريخ: 11/06/2005
عزيزتي بثينة كامل : تزامنت قراءتي لسطورك المعنونة بـ (لقد تحشمت) مع اختتامي للصفحات الأخيرة من كتاب الدكتور سبوك (فن الحياة مع المراهق)، تعريب وتحرير : منير عامر.
وبداية أود أن أشكرك على ما سطرته فقد رافقني يوما كاملا تأملا وتفكرا، وكم أعشقهما غالبا !
وأحب أن أشاركك تأملاتي بما أن سطورك هي التي خلقتها ..وأشارك القارئ الكريم كذلك بما أننا جميعا نكتب لقراء (مجانين) !
وفي كل عصر ينتشر إعلاميا أسلوب للحياة من اختراع المراهقين كنوع من التمرد والرغبة في الاستقلال دون فهم عميق لكيفية تنظيم الحياة في مجتمع ما. مثال ذلك انتشار الخروج عن القيم والتقاليد بين الأجيال التي نشأت بعد الحرب العالمية الثانية، أي هؤلاء الشباب الذين أطلقوا على أنفسهم لقب "الوجوديين" دون دراسة متعمقة للفلسفة الوجودية التي كان من أبرز رجالها الفيلسوف الفرنسي "جان بول سارتر "
هذه الفقرة من كتاب الدكتور سبوك أعادتني إلى أيام مراهقتي .. انتقلت أيامها من اهتمامي الشغوف بالقراءة الأدبية إلى القراءة في الكتيبات وبعض الكتب الدينية .. والسبب مجموعة الرفيقات .. ورافق هذا التحول قرار جديد يشبه قرارك بـ( التحشم) لكنه في حالتي (زاد حبتين)- بما أني أعيش في السعودية- فصرت أرتدي نمطا مختلفا من (الحجاب) .. خمار طويل أسود كالليل، وقفازات سوداء، وجوارب سوداء أيضا ...
كان فهما غير ناضج للدين أفرز هذا النمط من الحجاب لدي –ولا يقتضي كلامي هذا تعميما فليس كل من ارتدت الحجاب بهذه الصورة فهمها للدين غير ناضج - . ووفقا لكلام دكتور سبوك الذي خبرته تجربة ومشاهدة فإن فترة المراهقة بما يصحبها من توجه لإثبات الهوية، فإن هذا التوجه يقترن بتشوشات كثيرة تحول بين المراهق وبين الإدراك العميق والناضج للفلسفة التي يختار اعتناقها، وهنا يأتي دور الأهل والمجتمع في مساعدة المراهق في الاختيار المتبصر ..
في تجربتي كانت الأحادية الفكرية هي السائدة في المجتمع، وهي تعمق التشوش والنزعة الانفصالية في نفس المراهق ..
لكن كان للأسرة دورا فاعلا، حرص والدي على أن يحثني على تنوع قراءاتي الدينية لتشمل مدارس فكرية متعددة، وقد كان ..
فلم ألبث أن عدت لطريقتي السابقة في الحجاب، والتي تتفق مع الطريقة السائدة، ومع النظرة الجديدة الهادئة للدين، التي أكسبت نفسي سكونا كان يتعمق كلما تعمقت قراءاتي الفكرية ثم المتخصصة بعد ذلك ..
الحجاب .. فرض إلهي نص عليه القرآن كما نصت عليه السنة ، واختلفت الاجتهادات البشرية- من أهل الذكر وهم المتخصصون التي أجمعت الأمة على قبولهم - في تحديد شكله وحكمته ..
والاجتهاد الذي كان الأقرب إلى عقلي هو أن الحجاب هو جزء من منظومة متكاملة حدد بها الإسلام طبيعة العلاقة بين الرجل والمرأة في أطرها العامة والخاصة، إذ نظر الإسلام إلى العلاقة بين الجنسين نظرة متوازنة، فلم يجعلها منفلتة بلا ضوابط ترتقي بها عن السقوط في مهاوي الابتذال، كما لم يقيدها تقييدا يعطل التواصل الإنساني الراقي الذي هو الأساس للمجتمع المستقر. ومن ثم كان التواصل الإنساني بين الجنسين له شروطه التي تجعله في إطاره العام مصوغا صياغة تجنبه ما قد يثير التمايز الخَلقي، فألزم الطرفين : ستر أجزاء من الجسد -وهو ما سمي في حق المرأة غالبا بالحجاب، وفي حق الرجل بستر العورة-، وغض البصر، والالتزام في أطر من التواصل البعيد عن التبذل، وفي حدود الحاجة، التي تتسع وتضيق وفقا لشكل العلاقة، وطبيعتها، مما يكفل سيرها في نسق يحفظ على المجتمع طهارته، ويهيئ له أسباب التنمية الشاملة.
وهكذا فكلمة الحجاب دلالتها ليست حجب المرأة عن مناحي الحياة بل هو حجب جانب مقدس من خصوصيتها الأنثوية لا يستحق أن يكشف إلا لمن تختاره رفيقا لها في دروب حياتها الخاصة والعامة ضمن عقد الزواج المقدس كقداسة أنوثتها.
وحيث أدركت المسلمة هذا المعنى فلها أن تختار الشكل الملائم لهذا (الحجاب)، الذي يتواءم مع رقي فلسفته، مادام أنها قد أتت بما أمرت به من ستر سائر الجسد سوى الوجه والكفين والقدمين .
لكننا دوما نصطدم بالممارسات المبتسرة للدين، بل والفهم السطحي إذ المراهقة الفكرية لا ترتبط بعمر معين، بل قد تكون سمة لنهج ضيق أفقه، قليلة خبرته بآلام الناس واحتياجاتهم . ومن ثم وصلت إلى النتيجة ذاتها التي سطرتِها في لقد تحشمت: (وأثبتت لي الأيام أن الحكم الأخلاقي علي الآخرين من خلال المظهر أمر عقيم فكثيرا ما يستر البعض الشكل لمداراة سلوكيات منحدرة)
ولذلك تعلمت أن أبحث دوما عن الجوهر، وأن التدين الحق كما أفهمه أدناه حفظ لحق النفس في الحرية بما تقتضيه من مسؤوليات أخلاقية تجاه النفس- ومن ذلك أداء الفروض الواجبة شكلا ومضمونا- وتجاه الآخرين، ويتفاوت الناس في الترقي في كمالات التحقق بحريتهم !
ومع ذلك لا أتوقع من الآخرين كمالا، إذ كيف أطالبهم بما أعجز عنه؟ وحيث وجد التقصير عند الآخرين لا سيما أصحاب الدين المبهرج نمطا وشكلا أذكّر نفسي أن الممارسات الخاطئة للإسلام ليست هي الإسلام، كما أن ناقل الكفر ليس بكافر !
فكيف أتنازل عن قناعاتي بدين يحترم الإنسان: عقلا وروحا، ويحتضن آماله وآلامه، ويرتقي به فوق اعتبارات الجنس أو العرق أو حتى الدين مقابل أفكار وممارسات وتحزبات تنتحله زورا أو جهلا ؟
هل الصواب أن ألغي النهج الأكمل لعقل الإنسان وروحه لأن من فقهوه لم يقوموا به تجاه من جهله وجعله صورة شائهة؟ أليس في ذلك إجحاف بمقتضى مسؤوليتي تجاه نفسي ومجتمعي بل والإنسانية جمعاء؟ وهل يرفع التمييز بين البشر إقصاء الرموز الدينية عن حياتهم؟ أم إقصاء المفاهيم الخربة، وتنوير العقول المظلمة، وإصلاح القلوب المريضة؟
وهل يرفع التمييز قانونٌ يُفرض أم خلقٌ يتأصل في النفوس، وقيمٌ تتجذر فيها، ثم ألا يكون هذا القانون هو وجه آخر من وجوه التمييز، كبحا لحق المرء في التعبير عن معتقده، بل ألا يكون سببا لمرض اجتماعي خفي، يستتر به تمييز أشد خطرا، وأعظم نكاية ؟
أسئلة أثارتها سطورِك أيضا؟ أترك إجابتها فضاء مفتوحا لعقولنا جميعا عقلي، وعقلك، وعقل قراء (مجانين)، لعلها تجد جوابا ما ... للتواصل : safi_maganin@hotmail.com
حكايات صفية: عقولهم ترللي .. إعترافاتي الشخصية:عندما تحشمت
الكاتب: صفية الجفري
نشرت على الموقع بتاريخ: 11/06/2005
|
|
|
|
|
|
المواد والآراء المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
Copyright @2010 Maganin.com, Established by: Prof.Dr. Wa-il Abou Hendy - , Powered by
GoOnWeb.Com
|
حقوق الطبع محفوظة لموقع مجانين.كوم ©
|
|