حكايات بنت الفرات: مدارس ماريا ::
الكاتب: بنت الفرات
نشرت على الموقع بتاريخ: 29/01/2005
قريباً .. مدارس"ماريا" في كل أنحاء العالم.
لا قدّر الله.. أسأل الله أن يجيرنا من هذه الفتنة, وأن يقدّرنا على التصدي لها ودفنها قبل أن تولد.. آمين.. نحن يا أعزائي بحاجة إلى دعاء مكثّف جدا في الأيام القادمة, وذلك لسببين: أن لا تكون ولاية بوش الجديدة مليئة بالأشلاء ومفعمة برائحة الدم كولايته السابقة, وأن لا تتحقق الجملة التي عنونت بها مشاركتي هذه: قريباً.. مدارس ماريا في كل أنحاء العالم. هل تريدون أن تعرفوا ما هي مدارس"ماريا"؟ عليكم إذاً أن تشاهدوا فيديو كليب" تكدب علي" فهو عبارة عن كليب تعريفي بهذه المدارس التي يروجون لنشرها قريباً وفي كل أنحاء العالم.. ولكنني لا أدعوكم أبداً إلى مشاهدته, لأنه مثير جدا, مثير لأمرين: الغرائز والشهوات الجنسية لمن استغنوا عن عقولهم ووأدوا قيمهم, والحنق والغيظ لمن لا تزال فيهم بقية من عقل وقليل من قيم.. قد تقولون:"الغرائز والشهوات... دي عرفناها.. الحنق والغيظ.. ليه بقا؟ ده إحنا اتعوّدنا على هذا النوع من فن القرن الحادي والعشرين.. خلاص بقا.. معادش ييجي منه.. نحرق دمّنا عشان إيه"!!
"لأ بقا", دمكم سيفور كالبركان لأن الكليب دنّس قيمة العلم وقيمة محرابه المتمثل في المدرسة, وحوّل الفصل الدراسي إلى إحدى غرف بيوت الدعارة.. نعم, هذه هي الرسالة التي وصلتني حين انتهى هذا الكليب.. هل أقول: ليتني لم أشاهده؟ أم هل أحمد الله على أنني شاهدته, فأدركت حجم خطر ما يُبث لأطفالنا وشبابنا..؟؟ بل هي الثانية. البعد عن هذه البؤر جيد, وذلك حتى لا تجرّنا إليها فنتسّخ بأوحالها– والحمد لله أنني كنت هكذا دائما-, ولكن الغفلة عنها أمر مريع أنها ستجرّ إليها من نحب ونحن عنهم غافلون!! – وللأسف هذا ما وقعت فيه فعلا ً – لا تشاهدوا الكليب, سأحكي لكم أنا فكرته, ماريا طالبة في مدرسة تحب أستاذها, والفصل الدراسي مختلط, ولكنه ليس كفصول المدارس العادية– فأنا أدرّس في مدرسة مختلطة, ولكنها والله مثال الأدب والحشمة, ربما لأنها في الريف, ليتنا جميعا نعود إلى طهر ونقاء الريف, ماذا حصّلنا من مسيرتنا نحو التقدم؟ العلم؟؟ لا فما زلنا متخلفين جدا, لم نلحق بالمتقدمين إلا فيما هم متخلفين فيه: قلة الأدب والانحلال.. الريف بنقائه على الرغم من تخلفه, أفضل من المدينة بتلوثها على الرغم من تقدمها الذي يطلق عليه تجاوزاً كلمة" تقدم" - بل هو كما لو كان فصلا ليس في مدرسة بل في.. فهمكم كفاية... ما يعطي هذه الفكرة هو نوعية الملابس التي ترتديها الفتيات, القمصان مفتوحة الصدر حتى الخصر, والتنانير القصيييييييرة .. نعود إلى فكرة الكليب, أحبت أستاذها, ولكن يبدو أن كل محاولاتها في إغوائة باللمس والتقبيل والتكشّف و"حشو الصدر" باءت بالفشل, بل كل محاولاتها في إثارة غيرته أيضا من زملائها الشباب في الفصل – الذين كانت تتظاهر أمامه بأن بينها وبينهم علاقة وذلك من خلال حركاتها ولمساتها – باءت هي الأخرى بالفشل, فقد خانها وأحب زميلته المدرّسة المحتشمة قليلا, فهي ترتدي "الجوب القصير" ولكنه فوق الركبة بقليل, وليس مثل جوب ماريا تحت ال .. بميليمتر فقط .. !!
كيف انتقمت منه؟ بأن تسببت في طرده من المدرسة حين اقتربت منه جدا وهو لا يزال واقفا أمام السبورة بعد انتهاء الحصة الدراسية وأخذت" تتمايع" عليه وتقف منه موقفا فاضحا, وفي هذه الأثناء دخلت ناظرة المدرسة– بعد أن استدعتها زميلة التلميذة الولهانة باتفاق بينهما – لترى المدرّس وهو يفعل ما يفعل, وحماية للقيم والشرف أخذت المديرة تضرب الأستاذ بخيزرانتها وهي تطرده من الفصل .. هذه الناظرة التي كانت تبدو قبل مشهدين أو ثلاثة من ضمن المعجبات بهذا المدرّس الشاب.. حيث كانت تقترب منه لتتلذذ بشم رائحته... !! هذه هي فكرة الكليب, وهذا ما يُنتظر أن تنشره مدارس ماريا قريبا في جميع أنحاء العالم.
الحقيقة أن هذا الكليب أثار في نفسي الحنق والغيظ الشديدين, واستفزتني كثيرا العبارة الأخيرة التي خُتمت بها الأغنية كلها.. فقد أخذت أتخيل محراب العلم وقد تدنّس بهذه القذارة, وأخذت أتخيل كيف وإلى أين ستصل طموحات أولادنا الدراسية, هل سيتحوّل الاهتمام من العلم والتأثير التربوي للمعلّم إلى التأثير"الجنسي" للمعلّم؟ وهل سيتحوّل الإبداع من ابتكار الطرق الجديدة في التعلم والاستظهار إلى ابتكار طرق جديدة في الإثارة والإغواء؟
وهل سيتحول التنافس بين الطلبة من التنافس على الفوز بالدرجات النهائية إلى التنافس على الفوز بجسد هذا وجسد تلك ..؟؟ لا أستطيع أن أقول الفوز بقلب هذا وقلب تلك لان ما شاهدته في هذا الكليب لا يمكن أن يرقى إلى مستوى الحب, بل إنه لا يبارح قاع شهوات الجسد, والجسد فقط.. وماذا بعد؟ كل ما أريده من هذه المشاركة أن" أفضفض" لكم يا أعزائي عن همّي الكبير الذي يكاد يقتلني هذه الأيام, لقد حاولت أن" أفضفض" لأختي فما ازددت إلا همّاً, فقد كانت رؤيتها معوّجة لهذا الكليب, فهو في رأيها لا ينشر الفساد, بل يرصد الواقع الفاسد الذي نعيشه, ربما هي لم تشاهد هذا الكليب ولهذا قالت ما قالت, ولكنني شاهدت الكليب, وأعلم أن الأمور في واقع مدارسنا لم تصل إلى هذه الدرجة من السوء.. صحيح أن هناك محاولات للإغواء من كل جنس للجنس الآخر, ولكن هذه المحاولات لا تزال طليقة في الشوارع, لم تنتقل بعد إلى المدرسة, وليست بهذه الوقاحة وهذه الدناءة.. وليست بهذا الإزراء بالقيم..
**الفن حين يرصد الواقع السيء لابد أن يقدّم حلا له, وبهذا يعطينا قيمة ايجابية بدلا من القيمة السلبية التي يرصدها, ولكن أن يبرز لنا هذه القيم السلبية على أنها الوضع الافتراضي والعادي, فهذا لم يعد فنا, بل أصبح شيئا آخر لم نجد بعد تسمية مناسبة له! اعذروني إن كنت قد خرجت عن حدود الأدب وأنا أصف كليب مدارسنا المقبلة.. فقد حاولت أن أتحشّم في وصفي قدر استطاعتي, ولكنها مقدرتي الضعيفة.. منذ بضعة أعوام كانت ابنة أختي ذات الأربعة عشر عاما مغرمة بمشاهدة كليبات برتني سبيرز, كانت تحبها أكثر مما تحب أمها, وكانت تحاول تقليدها في أسلوب وحركات رقصها, وعندما شاهدت أنا إحدى كليبات برتني أدركت أن هذه الحركات وهذه الأغاني ما هي إلا دعوة صريحة للجنس, أخبرت ابنة أختي بذلك, ولكنها أبت أن تصدقني, فقد كانت تعتقد أن هذه هي طريقة رقص الأمريكان المتحضرين, لم تكن ابنة أختي تعرف بعد لعبة" أن أقصر طريق للشهرة: طريق الغريزة وطريق الجنس" .. ولكنها وبعد أن كبرت قليلاً وبعد أن بدأت تفهم الحياة و تفهم معاني كلمات أغانيها بدأت تقتنع بكلامي.. في تلك الأيام – منذ 4 أو 5 سنوات فقط – حمدت الله تعالى أنه ليس في أغانينا العربية مثل هذا النوع من الإثارة الجنسية, ولكن ما هي إلا سنتين أو ثلاثة حتى ظهرت منافسات برتني العربيات.. الحقيقة أنني وقتها لم أتخيل أن نصل إلى ما وصلنا إليه اليوم, فقد كنت أستبعد ذلك تماما, فأين القيم وأين الأخلاق.. لا لا .. مستحيل أن يكون لدينا من هي مثل برتني.. مستحيل أن يرضى الناس بهذا.. ولكنني كنت واهمة..
والآن.. هل أنا أيضاً واهمة في أنه ليس من الممكن أن تنتشر مدارس ماريا في جميع أنحاء العالم؟؟ أرجوكم, طمئنوني على مستقبل المدرسة, طمئنوني ولو بكلمة على مستقبل كعبة العلم.. هل ستتدنس قدسيتها؟ هل ستنتهك حرمتها؟؟ أم هل سنستطيع الحفاظ على شرفها؟ أنتظر كلماتكم لتطفئ لهيب فؤادي..
الكاتب: بنت الفرات
نشرت على الموقع بتاريخ: 29/01/2005
|
|