الكاتب: د. أحمد عبد الله نشرت على الموقع بتاريخ: 11/05/2006
أتخيله يخرج من بين الناس مفاجئا لي في الصالة الكبرى بمحطة مصر، قائلا: أنت رايح الزقازيق النهارده؟! مش معقول.. وائل.. إيه اللي جابك هنا؟! يرد: عندي شغل في إسكندرية وراجع في نفس اليوم. طيب.. موعد قطارك للإسكندرية إمتى؟! لسه فاضل حوالي نصف ساعة، طيب.. جميل.. فرصة نتكلم شوية، من زمان لم نتقابل، ولم نتكلم، معقول ده يا وائل؟! وبسرعة تكلمنا في موضوع واثنين وثلاثة، واتفقنا كالعادة نكتب مقالات مشتركة، ونتقابل بشكل أكثر انتظاما، تلك الاتفاقات التي لا تتوقف، ولا يتحقق منها شيء!!
"وائل خليل" ابن الناس، عنده عربية كويسة، وساكن في بيت كويس، في منطقة راقية، وابنه"الوحيد" أحمد في أحسن مدارس، ومراته جدعه، وبتشتغل شغلانه كويسة، لكن"وائل خليل" مصاب بمرض عضال يكاد يؤدي بحياته، مريض بحب مصر، يحب العدل، ويحب الناس الغلابة تعيش في ظروف أفضل!! ليه يا وائل بابني؟! سؤال ممكن يسأله له أي واحد في الشارع أو في أي مجلس؟! أو يسأله السؤال الذي قيل أن"عبد الناصر" سأله لصديق له عندما زاروا أحد الإصلاحيين الحالمين بالثورة قبل وقوع 23 يوليو، قال عبد الناصر على زميله، بعد أن رأى شقة الرجل ومستوى معيشته وأحواله وحياته، ......قال لزميله هامسا: وده عاوز ثورة ليه ده؟!
عاوز ثورة ليه يا وائل؟! عاوز اشتراكية ليه يا أبو أحمد؟! ما أنت عايش كويس، وكفاية تدفع حاجة لله من زكاة مالك، وتدعو للفقراء ولفلسطين، وتقاطع المنتجات الدانمركية، التي لا أظن أنك تستخدمها أصلا!!
يفاجئني "وائل" كل شوية بجديد، ويشعرني بقرب ودفءِ صداقة هي في ظاهرها بين من يرى نفسه اشتراكيا، ومن يرى نفسه إسلاميا، فإذا بهذه التقسيمات لا تدل على شيء هام، وإذا الذي بيننا متجاوز لمجرد حوار بين رجلين من نفس الجيل!!
عندما اعتقلت مباحث أمن الدولة مجموعة من الشباب الاشتراكيين كتبت بيانا أستنكر فيه هذا، وجمعت عليه بعض التوقيعات وأعتقد على ما أذكر أنه أعجب وائل جدا، ونشره في حينه على أوسع نطاق..
وأعتقد أن تواصلية وائل تتجاوز مجرد الشعار أو التكتيك السياسي إلى قدرته ومرونته الإنسانية والشخصية، ولكن- وربما من يحب يعرف- كم كان صعبا على نفسي أن أكتب شيئا أو أصدر بيانا عندما اعتقلوا"وائل" نفسه!!
ولماذا اتصلت بزوجته مرة واحدة فقط لأسألها عنه، ولماذا سيكون صعبا أن أحضر غدا، عرضه على النيابة في مصر الجديدة!! لا أجد تفسيرا لهذا يا"وائل" ربما لا أتخيلك وفي يديك الأغلال، ربما أخاف أن أراك حبيسا، وأنت الحر، وما زلت رغم الحبس!!
ربما لأن السجن هو المكان الطبيعي لشاب حر في أمة مستعبدة كما قال الراحل "أحمد حسين" لكنني أغالب فضولي فعلا، أريد أن أعرف كيف تقضي وقتك؟! كيف تفكر فينا؟! كيف تفكر في" أحمد"و في "لمياء"؟! كيف تفكر في الناس الذين خرجت واعتصمت واعتقلت من أجل أن يكون لنا ولك ولهم كرامة وقضاء مستقل يكفل حياة أكثر عدلا!!
إزبك يا "وائل"، إزاي صحتك ونفسيتك؟! قرأت عن الأساليب المنحطة، والسفالات الصغيرة التي لا تصدر إلا عن صغار أنفسهم وتصرفاتهم، عرفت كيف فضوا اعتصامك، وكيف مزقوا علم مصر، مزقهم الله إن لم يتوبوا ويعتذروا عن هذه الدنايا والحقارات!! الشارع لنا يا وائل، رغم أنك في السجن، مصر كلها لنا، وهم كلهم حالة طارئة، نعم... هم... طوارئ... ، عابرون في كلام وزمان عابر سيرحل مثل الكابوس، مثل الليل الأسود الحالك،سيرحلون بأحذيتهم الثقيلة، ونفوسهم الذليلة، وعقولهم الرذيلة، سيرحلون إلى خارج مصر، أو إلى مزبلة التاريخ، وستبقى أنت يا وسام الشرف، وتاج الفخر، وعنوان الفروسية، والجولة.
يا قديسا في محراب مصر، أنت في قلبي أعز، اليوم أراك أوضح، وأسمع صوتك أعلى، وأحبك أكثر، أنت حاضرا جدا رغم ما يظهر من غياب، وربما لا أحتاج إلى رؤيتك وجها لوجه لأنني أراك, وأرى فجرا يوشك أن يطلع،"يومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله" لا يخيرك يا وائل متى تخرج، وأدعو الله لك بالثبات، ويغور السجن ولو في جنينه، ويغوروا كلهم عما قريب، قادر يا كريم.
بحبك يا وائل يا خليل، وتخرج بالسلامة كما أنت حرا متألقا، لتعود إلى بيتك، تستريح شوية ثم تنزل تاني للشارع في المظاهرة التالية، لأن: الشارع لنا.
المواد والآراء المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
Copyright @2010 Maganin.com, Established by: Prof.Dr. Wa-il Abou Hendy - , Powered by
GoOnWeb.Com