الكاتب: د. أحمد عبد الله نشرت على الموقع بتاريخ: 19/08/2006
وقف إطلاق النار الساري منذ يومين لا يعني شيئا البتة غير أن الاشتباك والقصف الذي كان دائرا لمدة شهر قد توقف حتى إشعار آخر، وقرأت في عدة أماكن أنها قد تكون مجرد هدنة، وأنها ليست نهاية الحرب، واللبنانيون مشغولون الآن بتعمير ما أنهدم، ودفن من استشهد تحت أنقاض القصف، وعودة النازحين، وتعويض المضارين، والسجال القديم- الجديد حول وضع حزب الله وسلاحه ووضع الدولة اللبنانية غير الموجودة فعلا إلا في كتابات ورءوس البعض!!
وبالتوازي مع هذا أتوقع أن هناك مناقشات تدور بين الناس بمختلف مشاربهم وخلفياتهم حول ما جرى، وما يجري، ليعيش الكل حال من الفيض والتدفق أعرفها وعايشتها على هامش أحداث كثيرة كبرى عاصرتها من قبل.
ما يشغلني هذه المرة، وربما أيضا شغلني في مرات سابقة، هو كيف تتحول هذه اللحظات النادرة من ومضات إلى بدايات مسارات؟! ربما هذا هو السبب الرئيسي للقلق والأرق وعدم الارتياح الذي مازلت أشعر بثقله رغم أن المشهد يتضمن نقاطا كثيرة تدعو للتفاؤل والسعادة!!
نومي ما يزال متقطعا، أنفاسي كأنها منزوعة من بين أضلاعي مطبقة على قلبي، وعلى الرئتين.. نعم... قلبي مقبوض "كما يقول المصريون" أعرف، نعم.. ربما جزء من المشكلة أنني أعرف.. طبيعة التحديات، ومدى قبح الأطراف التي تواجه ما أعتقد أنه الحق والعدل والصواب والشرف!!
المؤلم أكثر أنني أعرف جدا أن الواقفين في صف هذا الحق والصواب... إلخ... بضاعتهم حماسة عريضة، ومشاعر صادقة، وحناجر قوية، وأحاسيس جياشة متدفقة، ونوايا طيبة، مع وعي متواضع، وقدرات بسيطة، أقصد متواضعة غالباََ!!
يبدو أن هذه الخبرة شائعة في أفراد جيلي لأن ما مر علينا من أحداث علمنا هذا الدرس مرة تلو المرة، ولذلك فإن الإعجاب بنموذج "حزب الله" يتجاوز عند هؤلاء الأفراد مجرد الحب القلبي، والسعادة الشعورية إلى محاولة تحليل "وصفة النجاح"، وكأنهم يتساءلون مع غلاف"الشراع" اللبنانية غداة انسحاب القوات الإسرائيلية من"لبنان" قبل سنوات حين صدر الغلاف حاملا السؤال: أما زال النصر ممكنا؟!
إذن أشعر أن الوعي المتواضع، والكفاءات المتآكلة، واعتياد الفرقة، والعمل بنظام الفوران الذي يعقبه انقطاع، وغياب شبكات وبرامج وخطط الفعل المنتظم المستمر على المستويات المختلفة، وأشياء أخرى كلنا نراها ونعرفها، كل هذه تبدو عقبات تحول دون أن تتحول انتصاراتنا-حين تحصل- من ومضة إلى حالة وتعديل مسار.
الدنيا كلها تلعب في لبنان، وتمارس السياسة والبزنس، وتستثمر في هذا البلد الصغير المتميز، إلا أصحاب المصلحة الحقيقيين، كل الذين اجتمعوا لنصرة لبنان في شدته، وجمعوا التبرعات، وصلوا وابتهلوا، وفرحوا للنصر كما حزنوا مع كل قنبلة سقطت عليه.
هؤلاء من لبنان،وهو منهم، ولا أدري كيف أقول لهم ألا ينسحبوا؟! كيف أقول لهم أن يظلوا حول لبنان لأنه يحتاجهم ويحتاجونه ونحتاجه جميعا كما قلت من قبل؟! كيف أقول لهم ولغيرهم أن مستقبل"حزب الله" نشترك نحن الناس بنصيب كبير في تحديده، وأن رأيا عاما عربيا واسعا يمكن أن يحسم أشياء كثيرة فيما يتعلق بما يسمونه الشرق الأوسط الجديد!! الشرق الأوسط الجديد ليس سوى "ما نريد"!!
كيف أحكي وأشرح أن اللحظة الراهنة هي فرصتنا الذهبية التي لا تتكرر كثيرا لنبدأ أشياء جديدة؟! كيف نصغي ونتأمل ونتعلم ونتحرك؟! كيف ندرك اتجاه الريح التي هبت وتهب فننشر الأشرعة يضربها الهواء فتندفع السفينة في الاتجاه الذي نريد!!
كيف يمكن أن أصف ما أراه من أن تلك الحرب هي معركة للإنسانية كلها بين الظلم والعدل، بين الشر والخير، بين الدناءة والشرف، بين أسوأ ما في الواقع، وأجمل ما فيه، بين فهم معين للإسلام وللسياسة وللعالم، وفهم آخر مختلف، يرى الدين بشكل مختلف، ويتحرك بقائمة أولويات مختلفة، وإدراك مختلف للعالم والأشياء!!
لا هي معركة شيعة فحسب، ولا معركة حزب الله، ولا"لبنان" وحده، ولم تكن شأنا داخليا، وينبغي أن نتوقف عن وصف أوضاع وتوازنات وقضايا ونقاشات لبنان على أنها شئون داخلية!! هي لحظة أخشى وأقلق أن الجموع فيها ستنفض بشعور زهور الانتصار، بينما المطلوب بشدة أن نزحف إلى لبنان نحتضنه، ولا نتركه ثانية لقمة سائغة للسماسرة من كل لون ونوع!!
لقد أنجز"حزب الله" وعده بالصمود والنصر، ولكن تكلفة الحرب الكبيرة هي فاتورة ينبغي أن نتشرف جميعا بالمساهمة في دفعها. "حي على البناء" إذن... بناء الجهاد، وجهاد البناء، بناء يبدأ من لبنان، من حيث انتصر الجهاد، ولا ينتهي إلا بتحرير فلسطين، أو لا ينتهي إلى يوم الدين كيف أشرح كل هذا؟! وهل سيفهمني أحد؟!
المواد والآراء المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
Copyright @2010 Maganin.com, Established by: Prof.Dr. Wa-il Abou Hendy - , Powered by
GoOnWeb.Com
