الكاتب: د. أحمد عبد الله نشرت على الموقع بتاريخ: 09/11/2006
حب بناتي وولدي،ولي مع كل واحد قصة وقصص،وابنتي الوسطى لطيفة جدا،وتحب أن تكون أنيقة في ملبسها وذوقها،وكم تناقشنا في اختيار وسيلة المواصلات مثلا،فأنا أحب استخدام المترو غالبا بينما هي متعودة علي ركوب سيارة الأسرة،أو سيارة أجرة عند الطوارئ.
وركبنا المترو معا ذات مرة وكان مزدحما،وهي ما تزال قصيرة وصغيرة فتضايقت من رائحة عرق الناس، وأمسكت بأنفها تسده متضررة ومتأففة، ولما نزلت قالت مغتاظة:"رائحة الشعب دي أنا لا أحبها"، ووصلنا إلى موائمة أصبحت تركب هي بموجبها عربة السيدات،ونتقابل عند النزول في محطة الوصول.
وأتأمل متحيرا بين رغبتي في تعويد الأولاد على المرونة والتكيف مع كافة الظروف من ناحية، وإعفاءهم من إزعاج الموصلات وزحامها،ورائحة الشعب!! إذا كان هذا هو موقفها من ركوب المترو فماذا عن ركوب الميكروباص؟!
وأمس طالت محادثتي مع صحفية تكتب موضوعا عن ثقافة الميكروباص،ولفت نظري ما قاله مدير مرور القاهرة من أن شبكة الميكروباص لا بديل لها حاليا في القاهرة، وأنا كنت أود أن أكتب عنها بوصفها الشبكة الذكية، فهي مثال هام وجيد على إمكانية النجاح مع القليل من الضبط والتنظيم.
وللميكروباص ثقافة سماع خاصة،وذوق أغلبية السائقين يجعل لهم نجوما في الغناء،وحتى الشرائط الدينية لها نجومها في الميكروباص!! والمشكلة حاليا أن هناك تداخلا وخلطا شديدا بين الشعبوية والعشوائية!!
أرى أن هناك نزعة للعشوائية تتنامى في غياب منظومة الدولة عن التعليم والتوجيه بأنواعه وأجهزته، وعن ضبط حركة المجتمع أو المساهمة في هذا بتطبيق القانون!! التعليم الرسمي متآكل، والإعلام الرسمي عشوائي وتسطيحي ومنافق، والقانون غائب كمفهوم وكممارسة، وحركة الناس تتخبط وهي لا تجد ما يسعفها غير الميكروباص كمواصلات وثقافة!!
محاولات المجتمع المدني ما تزال محدودة ومتواضعة وملونة بخلفيات القائمين عليها، وأكثر وفاءا لأيدلوجياتهم مهما كانت!! اندلعت أحداث مؤسفة في منطقة وسط البلد خلال أيام عيد الأضحى تحرشت فيها جموع من العشوائيين الهمج بفتيات تصادف مرورهن في المنطقة بوقت مسائي مبكر!! الشارع هو المكان الذي يتقابل فيه الناس... الشعب كما تسميه أبنتي، وفي الشارع نسبة كبيرا جدا من هؤلاء"العشوائيين"، إنه التآكل والفقر والعلم والذوق، وأحيانا الجوع والحقد على من يملكون في مقابل من لا يجدون غير الحرمان!!
إنها ثقافة وجدت جمهورها المنشود،وأصبحت هي الغالبية في الشارع،أصبح الشارع لهم!! اندهشت من دهشة المندهشين الذين استغربوا عدم تدخل الأمن في أحداث وسط البلد!!
رأيت هذا بديهيا ألا يتدخلوا فهذا ليس شأنهم طبقا لأولوياتهم في حماية السلطة والبطش بمعارضيها،ومن ناحية أخرى فإن عبء ضبط حركة الشارع يحتاج إلى كم أكبر، وكثافة أعلى، وانتشار وخبرة، وكل هذا لا يجد عند الفرد البوليسي العادي، وللأمن المركزي وظائف أخرى!!
أرى أن ما حصل في العيد نذير وعلامة، وأرى أنه يمكن أن نشهد "ثورة رعاع" لا "ثورة جياع" رغم أن علاقة وثيقة يمكن أن تكون بينهما في مواجهة هذا تبدو العصابات المتسلطة على الأمور جاهزة عند حصول ذلك بالهروب إلى خارج البلاد، وكل شيء معد لهذا، بينما يبقى الناس يضربون أخماسا في أسداس وسط مناخ من الفوضى والتخريب والقتل!!
الوضع مهيأ لهذا المشهد بكل تفاصيله، والشعب غارق في ثقافة وأفكار وحوارات وتحليلات الميكروباص!! كلمته في العيد مهنئا، وقلت له: كيف ترى الأحوال؟!
قال صديقي رئيس التحرير: "إنهم مغرقون"، وبدأ يتلو آيات قصة نوح عليه السلام هنا وهناك!! صديقي يرى الطوفان قادما، وأنا أرى الفوضى وثورة الرعاع، وأرجو أن تخيب توقعاتنا!!
كنت أستعد لمغادرة المنزل متوهجا إلى العيادة عندما نادتني ابنتي الوسطى، وسألتني فجأة وببراءة: بابا... هو أنت غاوي شعب؟! وكانت تشير إلى عدم اكتراثي بانتظار تاكسي كان على وشك الوصول لاستخدامهم، ويمكن أن يوصلني بعد ذلك!! 30/10/2006 للتواصل: maganin@maganin.com
المواد والآراء المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
Copyright @2010 Maganin.com, Established by: Prof.Dr. Wa-il Abou Hendy - , Powered by
GoOnWeb.Com