يوميات رحاب: الصبر .. الجميل ::

الكاتب: د.رحاب سيد عبد الله
نشرت على الموقع بتاريخ: 21/02/2005

كنت في إحدى الجلسات العامة.. وتعرفت عليا إحداهن.. وتجاذبنا أطراف الحديث من شرقه لغربه.. ثم قالت: سأحكي لك قصتي.. عرضا لواقع.. وتأكيدا لمعنى.. وتحدثا بنعمة.. قلت: تفضلي..

تقدم لخطبتي معيد في الجامعة وأنا في سنة الامتياز وكان سيسافر بعثة أمريكا.. وفجأة لما هممنا بكتب الكتاب قال لي أنه يريد أن أستبدل الخمار بإيشارب صغير أو بونيه!! وذلك لتمام المظهر في الخارج!! فرفضت بشدة ثم قال بعد مداولات معي ومع أبي.. إذن أنت ما تنفعينيش!!.. قلت له: فعلا.. ومضى لحال سبيله

قدم ثاني وثالث وعقد قراني على هذا الثالث.. ولكن وقبل البناء حدث مالا يمكن أن أحتمله منه تجاهي وتجاه والدي.. فطلقت.. وبذا تعدت سني عمري الثلاثين.. فقلت ليس عندي استعداد لخوض تجارب أخرى.. كفاية

ولكن وتحت إلحاح الوالدين كنت أقابل من يتقدمون لي.. وتنعقد الخطبة ونستمر لفترة ثم تفسخ.. استمريت كذلك لحد ما وصلت عدد الخطبات التسعة.. منهم طبعا مرة عقد قران ووصل سني ال33 عام.. حينها قررت أن أعيش حياتي لوالدي المريضين ولدراساتي العليا.. وعنفتني أمي بشدة على هذا القرار الذي أصبح منفذا.. فلم أعد أقبل بمقابلات ولا غيره.. وكان بناء إحدى صديقاتي فذهبت وقابلت هناك صديقة لي قديمة.. تعانقنا وتحادثنا وسألت كل منا عن الأخرى وما فعلت بها السنون.. ثم أعدت أدراجي لمنزلي..

وفي مساء اليوم التالي اتصلت صديقتي هاتفيا وقالت لي أن هناك شخص يريد الزواج وقد رشحتني له.. قلت لها: يا بنتي خلاص أنا عجزت 33 سنة شعري شاب ولا أمل في الإنجاب.. وأكيد أن من يقبل بهذا السن هو الآخر كبير ويزهد الذرية.. قالت: ستأثمين يا فلانة لو لم تأخذي بالأسباب.. لماذا تحددين نعم الله عليك وتضيقي على نفسك وتظني بالله الظنون؟؟ وتقدري عطاياه بما تظنين بكونه أكيد؟؟ سأعطيه هاتفكم وسيتفق مع والدك للمجيء إن شاء الله.. وافقت على مضض..

ثم .. كنت في محل عملي.. وجاءت زميلة وقالت لي: هناك زميل لنا يبحث عن عروس وقد رشحت له أكثر من واحدة وأنت منهن.. فما رأيك لو جاءك هنا ليراك؟؟.. قلت: مرة واحدة كده.. اثنين مرة واحدة؟؟ سبحان الله..
وفعلا.. جاء زميلي وكنت لا أعرفه من قبل وألقى عليا نظرة عن بعد.. ثم مضى.. واتصل الآخر بأبي رحمه الله وحدد معه موعدا للقاء.. وأتى منزلنا.. وكنت أساعد والدتي بالجلوس على كرسيها  المتحرك استعدادا للذهاب للصالون لملاقاة العريس.. ففتحت أمي الباب.. وإذا بالعريس هو زميلي في العمل!!

ارتبك بعض الشيء وقص لنا أنه كان مترددا في اختيار العروس وكان قد شاهد وقابل العديدات ولكن بعد هذا الترتيب الرباني الذي حصل فهو على يقين بأنه نتاج الاستخارة.. فاستقر علي.. لا أخفيك يا أختي.. فقد انجذب قلبي له بمجرد النظر.. وارتاحت له نفسي..

أتعرفي كم عمره ساعتها؟؟ 34 أكبر مني بعام واحد.. والدته حتة سكرة.. وتزوجنا بفضل من الله.. ولم أكمل الشهر حتى حملت أحشائي وليدي الذي شرفنا وملأ علينا حياتنا.. وبدأ يكبر حتى بلغ السنتين.. توفي خلالهما والدي رحمه الله وزاد مرض والدتي فأتيت بها لمنزلنا لنعتني بها ونلبي طلباتها..

وجاء أخي لمنزلنا يأخذ والدتي للمكوث معه وأسرته قليلا.. فقبعت أجهز لها حاجياتها.. ثم... أحسست بانقباض.. إحساس ربما لا أستطيع وصفه.. ثم سمعت زي خبطة؟؟!!.. تبعها صراخ وأصوات تتعالى.. خرجت مهرولة وإذا بنساء الجيران يصعدون إلي حيث أقطن الدور التاسع.. سألتهم وأنا خائفة متوجسة ماذا حدث؟ أين ابني محمد؟ رددن.. أصله وقع وإتعور!! حاجة بسيطة وأخذنني وأجلسنني على كرسي ألتقط أنفاسي المتلاحقة.. ثم دق جرس الهاتف بعد ربع ساعة.. وجاء صوت زوجي قائلا: يا فلانة.. تعالي نحن في استقبال مستشفى كذا.. سألته.. محمد عامل إيه؟؟ كويس جدا ولله الحمد.. تعالي بس علشان تشوفيه..

قلت.. الحمد لله صوت زوجي طمأنني.. سأذهب.. نزلت وأخذت تاكسي ودخلت غرفة الاستقبال.. أتاني الزوج والأخ وقالوا لي.. يا فلانة.. لو سمحتي اثبتي بالله.. فلله ما أعطى وله ما أخذ وكل شيء عنده بقدر.. انفرطت عيناي بالدموع.. ولم أشعر إلا وكوني أحمله بين أذرعي وأجلس أرضا وأرفع خماري وأرضع طفلي وقد انشق رأسه وخرج دماغه.. وضعت حلمتي في فمه.. وأخذت أهذي وأقول.. اشرب يا حبيبي.. أكيد أنت جعان.. لم يستطع الطبيب تحمل المشهد وخرج ونادى زوجي وأخي ليأخذوني..

جاءني زوجي وقال لي ملقنا : قولي يا فلانة.. إنا لله وإنا إ ليه راجعون.. اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها.. ورددت الكلمات.. وكانت آخر كلمات أقولها.. حيث جلست 3 أشهر لا أستطيع الحديث ولا الصراخ ولا تتوقف مقلتي عن البكاء الصامت..
حاول الكثيرون إخراجي من هذه الأزمة بطرق عديدة.. لم أكن قانتة ولا غاضبة ولا جازعة.. ولكنه الفراق.. وإحساسي بالذنب تجاه ابني.. فقد غفلت عنه الأمر الذي جعله يخرج من الشقة ويسقط من الدور التاسع.. ولكني كنت أساعد والدتي في تحضير أغراضها..

المهم .. فوجئت بنقاط من الدم في ملابسي الداخلية.. فأسرعت للطبيب.. الذي صرخ في وجهي.. يا شيخة حرام عليك.. في حامل يبقى ده وزنها؟؟.. مداعبا: أنت عايزاه يأكل أكلك ولا إيه؟؟لم أصدق نفسي.. وكذا زوجي أثابه الله.. وانخرطت باكية.. وخررت لله ساجدة.. حيث قال لي الطبيب أني في شهري الثالث!! بالضبط.. أي وقتما توفى الله ولدي.. كان هذا الآخر في أحشائي..

والآن .. قد أتانا أحمد... وهو شديد الشبه بمحمد رحمه الله.. الذي يأتيني في منامي.. يداعبني ويقول لسة ما بلعتش اللبن يا ماما... كما كان يفعل بي قبل وفاته حين كان يعلق اللقمة في فمه ويغيظني ويقول لي: لسة ما بلعتش اللقمة يا ماما..!! رحمه الله
وشكرا لله على عطاياه.. التي لو أنفق علينا كل وما يريد ويشتهي لما نقص ذلك من ملكه شيء..

اقرأ أيضاً على صفحتنا مدونات مجانين:
يوميات رحاب: ليلة الزفاف
يوميات رحاب: الخوف..وأسئلة تحتاج للإجابة..
يوميات رحاب : النظارة حرام .. !!
يوميات رحاب: القناعة كنز
يوميات رحاب: ذهبت سعاد..
يوميات رحاب: في الفيوم