إغلاق
 

Bookmark and Share

ردا على المغالطات يقول العراقي الشريد ::

الكاتب: أحمد الكناني
نشرت على الموقع بتاريخ: 17/04/2005



في فلسفة المقاومة و ردا على السيد وجدي مردان
إن من مصائب العراقيين -بهذه الأيام- هو ظهور شريحة اجتماعية بين العرب والأعاجم حتى, ممن يعتقدون أن لهم الحق بأن يقرروا عن أهل العراق ما يجب فعله, أو أنهم يقلدونهم درجات الشرف والكرامة, أو يلقنونهم دروس الوطنية.
الواقع أنني, ولأسباب نفسيّة أعتبرها بالحضيض, لم أشأ أن أطّلعَ على مقالة السيّد "وجدي أنور مردان", التي يبتدئها بطريقة عربية~شرق أوسطية شديدة الاستعراض, بما تحويه من شتائم وافتراضات لا نفهم أنّا أتت أو كيف أثبتت؟

بداية, وكما ذكرت لكم عن مأساة العراقي باغتصاب صوته عربيا, يبرز لنا السيّد وجدي أنور مردان, باسم لا أعتقد أنه يمت للعراق بصلة, فالأول يعود لمصر أو السودان, والثالث (اللقب) يعود للأردن أو فلسطين أو دول المغرب العربي حتى! أما أن يصرّ الكاتب العزيز على كونه عراقيا, فهو ما نرفضه بشدة وبسخرية وتهكم كذلك. لا يخفى, لقد أمست ظاهرة "التعرقن" واضحة بأغلب الأقلام, فالبعض يريد أن تسلّط عليه الأضواء, والثاني يعتقد أن من حقه أن يتكلم باسم شعب قاد العالم والأمة الإسلامية لثمانية قرون.

أعتقد, وبصدق, أن ما يميّز الإنسان العراقي فكريا يتجاوز الطابع البلاغي المميز لمتأثر بالأدب البابلي القديم- بل يتعداه لتلك النبرة المميزة بالكلمات, المرتشفة من عالم كامل من الطبيعة والمزاج الرافديّ الخاص, ولذا فإن أية تزوير يكون بسيطا باكتشافه.

ولكن, ما أهمية هذه الأطروحة بمقالي هذا؟ وأي عنصرية أريدها بحديثي كما قد يتوارد لرؤوس البعض فيكم؟ حسنا, نعم, الأهمية تقتضي أن هناك ظاهرة صارت واضحة بين الأخوة العرب, وهي تقمصهم لأدوار أبناء الرافدين وبناته, بدعوى قومية مثلا (علما أن القومية العربية مزدراة بالعراق بسبب جرائم حزب البعث) أو بدعاوى أصولية دينية, وتتجاوز هذه التدخلات مستوى النقد والكتابة الإنسانية - ككتابة أدباء أوروبا عن مجازر شعوب أخرى مثلا - وأنما وصلت لتحديد الشريف والرذيل, الأعلى والأسفل, الوطني والخائن, المقاوم والعميل.

كل ذلك وفق عقلية إسلام~أمويّة تلعب على الحبلين, وتزدري على مزاجها, فالمجرم صدام حسين يتحول لبطل قومي وإسلامي, متناسين إعدامه لمئات الألوف من الشباب المؤمن, قتاله لدول مسلمة, ذبحه للمحجبات, عداءه للدين (إذ منع الأذان لعقدين) وكذلك ديكتاتوريته البشعة التي أعتبرها أقذر جرائمه قاطبة.

لكن, لماذا يلتزم الأغلبية من العرب بهذه المواقف ضد العراق وشعبه؟ ولماذا يقوم بعض المفتيين الدينيين بتخوين وتكفير 10 ملايين مواطن عراقي لأنهن صوتوا لبلدهم, أو بتصدير فتاوى لقتل الشرطة, أو لتصدير فتاوى أخرى للتعامل مع نساء الشيعة كسبايا حرب؟ تخيلوا, هؤلاء لا يعرفون عن الإسلام إلا الجوانب البشعة التي اعتبرها الإسلام نفسه وقتية كالإماء والسبي والقتال.

تعود أسباب المشكلة المُباشرة عند الموطن العربي لأسباب بعيدة, ذات تأثير خارجي وداخلي على حدٍ سواء. ويمكننا أن نعتبر انتصار الثورة الإسلاميّة الإيرانية بعام 1979, هي أول شرارة لهذي المُشكلة, ذلك أن الثورة الإسلاميّة الإيرانيّة أتت بحيثيات ثقافيّة جديدة, يمكن لها أن تغيّر وتخلخل المفاهيم السياسية بالمنطقة والعالم حتى على مدى بعيد. هي شيء أشبه بالثورة الفرنسيّة الكُبرى, التي أتت لا لكي توقع بعرش الملك الضعيف لويس السادس عشر, ولا لكي تنشر الخُبز بين الفرنسيين, وإنما أتت لإرساء مفاهيم جديدة وإلغاء عدة مقومات حضارية أولها الدين والثقافة الفاتيكانيّة. وعلى قدم المساواة, أتت الثورة الإيرانية بأفكار خطيرة على كثير من الأطراف, مفادها نشر نوع من الثورية الإسلاميّة التي تدعو كل بلد بالمنطقة لإقامة نظام إسلامي يرضي الأغلبيّة المسلمة فيه. والواقع فإن أفكاراً كهذي قد جوبهت بثلاثة أنواع من الرفض:

الرفض الاستعماري:
الذي تمثّل بالدول الإمبريالية التقليدية, إضافة للولايات المتحدة التي رأت بقيام إيران الإسلامية نقطة انعطاف خطيرة بالمنطقة, ذلك أنها تلقي بشبح وحدة إسلامية مستقبليّة, أو- بأقلّ التقديرات سوءً- أنها تشجع لتبني ثقافة إسلاميّة بدلاً من تبني ثقافة أوربيّة بحتة. وبلى, إن الولايات المُتحدة قد دعمت بعض التيارات الإسلاميّة بعقدي الخمسينات والستينات من القرن المنصرم, بغية ضرب جموح التيار القومي العربي, إلا أن الواقع لم يكن مبشرا بالخير, ذلك أن التيارات المدعومة لم تكن سوى تيارات متطرفة أفادت -ومازالت- الخطط الاستعمارية عبر عقود مديدة. وهكذا, تحت الخوف الغربي من الأفكار الثورية, قامت بتحريض الجار الأضعف (العراق) وتقويته على الجمهورية الجديدة, والتي أدى هذا التحريض لاندلاع حرب اتخذت واجهة قومية عربيّة, لكنها كانت بالصميم لضرب التوسع الثوري لإيران المسلمة, التي أقامت صرحها على أنقاض إيران الشاه التي كانت أول دولة مسلمة تعترف بإسرائيل.

الرفض القومي العربي:
تحت تأثير كامل للدعاية البعثية القوميّة, وقع التيار القومي بعملية نصرة شعوبية بشعة للعراق الصدّامي ضد حربه على إيران, وذلك تحت ذرائع قومية شعوبية, كانت من جرائها خلق نوع من العنصرية العرقية لدى الإنسان العربي, إضافة لنوع من المباهاة المفرغة, التي سرعان ما تُصاب بانتكاسة صاعقة من خيبة أمل مريرة بعد التقدم بالعمر, ونسيان أكاذيب المدارس وكتبها المنافقة.

الرفض الطائفي العربي:
وهو الرفض الأهم, والأكثر تأثيرا والأسوأ نتائجا. ذلك أن الاستعمار قد دفع ببعض حلفائه السابقين من التيارات الإسلاميّة المتشددة- كالتيار السلفي- لحمل هجمة شعواء على المسلمين الإيرانيين, مستغلين لإرث طائفي بغيض للمنطقة, مع التعاطف الشعبي لحرب دولة عربية مع دولة غير عربية. وكان التأثير الديني فظيعا, إذ انتشرت الأفكار الأصولية السلفية المتشددة على نحو كارثي, مُباركة من قبل الإدارة الأمريكيّة ومدفوعة من أموال النفط العربي. وكانت لهذه الحملات تأثيرات كبيرة على العقلية المسلمة بكره الآخر أيا كان, خصوصا عندما يكون شيعيا, إذ أنه "أسوء من اليهودي والنصراني" كما يردد السلفيون, ويتمادى آخرون فيؤلفون قصصا عن نكاح الشيعة لأخواتهم أو حملهم لذيول يخبئونها.... نعم.. يا لبؤس عقول البدو إن فكرّت.

ومن هذه الأسباب الثلاثة, كانت العقليّة العربية, ومازالت, تحمل كرها صارخا لكل ما للشيعة من صلة, إضافة لحمل الذات العربية نزعة من الثورية المتطرفة الغير واقعية, والتي ترفض العيش بعالم الوقائع المفهومة, بل تتمسك بشعارات من الصمود الغريب, الذي لا نعرف ما أسبابه ومسوغاته في الواقع. و يمكن أن نلاحظ الأثر الطائفي بنص السيّد وجدي مردان بذكره لشخصية "ابن العلقي", تلك الشخصية التي يزعم مؤرخو بعض الكتب أنها من ساعدت التتار على دخول بغداد. وهكذا, فالشيعي يمتاز بالخسة التأريخية, ولا عجب بعدها أن يتفرق المسلمون وفق هذه العقليات المأساوية.

وإثر هذي العقلية, نجد أن المواطن العربي يخوّن الإنسان العراقي الذي تعامل مع مصيبة احتلال بلده بعقلانية, ذلك أن الجيوش المحتلة تفوق الشعب قوة وسلاحا, وأن التفجيرات العشوائية التي تدعى مقاومة, قد نالت من أكثر من 100 ألف عراقي بين قتيل وجريح, بينما قضت على 1463 جنديا أمريكيا حسب إحصائيات الأمم المتحدة, ناهيكم عن التشويه العظيم للإسلام وإدخال الإسلام الظلامي التكفيري لبلد حضاري وشامخ كالعراق. وهكذا, فإن العقلية العربية تعتبر قطع الرؤوس وتفجير المدارس والأبرياء وتصفية الحسابات الطائفية مقاومة, ما دامت تطول أناس مختلفين طائفيا, وتعتبر أن هُناك (لا بل تتخيل) مناطق للسُنة حقا وأخرى للشيعة, وهذا يدل على جهل مرير بالواقع العراقي الذي يتكون من تمازج عظيم بين سنته وشيعته, حتى أن كاتب السطور عينها من أصول خليطة ذات منابع سُنية وشيعية. أن التفرقة الطائفية أتت مع الاحتلال, ومع القنوات العربية العميلة للمحتل الغاشم. ذاك المحتل الذي قرر العراقي أن يمنعه من فرصة التحكم به أبد الدهر, أو تسليط عميل آخر عليه, فخرج للانتخابات بكل صلابة ليعطي الحكم لمن يراه شريفا, ولكي يستلم سلطاته ومؤسساته الوطنية, بدلا من تحكم الاحتلال الأمريكي بهذا.

مؤسف حقا أن لا تفلح العقلية العربية بعد بفهم الواقع بعيدا عن التطيرات الطائفية, أو عن الانجرار العاطفي للجرائم الأمريكية التي نرفضها, ذلك أن جرائم صدام تفوق كل ما جرى بالعراق, وكاتب هذه السطور له اثنان من الأعمام قد دفنهم القائد المظفّر (صدام حسين) أحياءً بمقابر أبو غريب الجماعيّة. ومؤسف حقا أن تعتبر العقلية العربية المواطن العراقي المنهك متخاذلا, وتعتبر الإرهابي القاتل الشرير- الذي يقتل بالعراقيين ويحطم لحظات بنائهم- مجاهدا. معذورون هم, فهم يذهبون للجامعات ويأكلون ما طاب لهم, وليسوا محرومين من الماء النقي أو التعليم كالمواطن العراقي بزمن القائد الملهم. وهم يتمتعون بدردشات من كل الأنواع على الشبكة العنكبوتية, دون أن يعلموا أن هناك أطفالا عراقيين يدردشون مع قبور أمهاتهم.

حقيقة, هُناك كثير من البشر لا يعرفون المأساة إلا بعد تذوقها, والمشكلة أننا لا نتمنى أن يذوق أي شعب ما ذاقه شعبنا. يكفي أن الرجال بالعراق هم 40% من مجمل الشعب, بينما تكوّن النساء 60% منه! نعم, فصدام قد أودع الشباب طي التُراب, ورمل العذراوات وأقام بكل بيت من بيوتنا نائحة. صدام- هذا الدهّاق الزنيم- الذي كان ينتف لحى المتدينين ويسحلهم بالشوارع, صار نبيا صالحا عند العرب, لا لشيء إلا لأنه من عائلة توافق مزاجيتهم الطائفية مصحوبة بنظرة طوباوية للأمور. والعرب الأعزاء يهللون لوحشية قطع الرؤوس وقتل المخالف وتفجير الجوامع وقتل البشر, فهذه هي المقاومة, وهذه هي الثورة. ولا شك أن من يرفضها يكون- وفق العقلية العربية الرائعة- عميلا خائنا نذلا مرتشيا ساقطا متأمركا, وهلمّ جراً من هذه الخُزعبلات التي أصبحت مرفوضة ومثيرة للغثيان, والتي لا تختلف عن عقلية بوش القائلة من ليس معنا فهو ضدنا. وجلّت حكمة الله التي ولّت بوشا على من يحملون ذات تفكيره, فكما نكون يولى علينا.

الواقع نحن لا نحتاج توجيهات من شعوب متطرفة دينيا, مازلت تعاني من مشاكل اجتماعية بدائية وتفكر- تفكر فقط- بإعطاء هوية شخصية للمرأة, أو بشعوب ذوات نظريات دينيّة لا تعرف بالقرآن الكريم سوى الجزء القائل (....وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ...) (البقرة: أو الآية 191، النساء: من الآية91). شعبنا سيقود أموره, وسيكتب دستوره, وسنضع الأمريكيين بقواعد محددة خارج المدن, وبعد أن يقوى عودنا سنخرجهم. لن نكون حمقى الآن ونزج بشعبنا بحرب لعينة لا أمل منها, ولن نتبرّك بلحى شيوخ الظلام ولا بوقاحة شبان أوباش قتلة أتوا للقضاء على البقية الباقية من شعبنا العريق.

نحن لسنا مستعدين لأن نضع الشعب كله بمواجهة حمقاء مع دبابات وطائرات وقنابل يورانيوم منضّب, ولسنا أصلا بالتوافق لكي نعتقد أننا لن نقتتل أهليا أو أننا لن نقتتل طائفيا (وشكرا لدول الجوار والاحتلال وللفكر السلفي) بعد تحريرنا الأسطوري للمحتل. إن من يظن أن العراق استقلَّ عن الإنجليز بثورة فهو مخطئ وأحمق أيضا, ذلك أن ثورة 1920, كانت بابا لتولي حكومة مؤقتة تحت الحماية البريطانية, لكنها حكومة قويت مع الزمن حتى طردت الإنجليزي رسميا بعام 1958 دون إسالة دم عراقي واحد مع الإنجليز.

بكل بساطة, فقد الإنجليز عونهم الوحيد (الملك) ووجدوا أنفسهم غرباء ببلد لا يسيطرون به على شيء, سوى على ملك قد قُتل وانتهى أمره. نعم, هذا هو الصواب, وليس بتلك المراهقة الفكرية البائسة, التي ترمز لحاجة ماسة لتثقيف المواطن العربي بثقافة جديدة لا علاقة لها بالتأمرك ولا التطرف الديني أو القومي حتى! اليوم بدأت مفاهيم حديثة للدولة- بل هي حديثة التبني لا حديثة التأسيس- أولها حقوق المواطنة وفق العقلية المشتركة, وليس على أسس عرقية أو قومية أو دينية أو طائفية.

نحن نحتاج ثقافة حقيقة, غير ثقافة الدم والقتل والعنف البائس. الجهاد أكبر من إلقاء الذات للتهلكة, وهو أعمق كذلك من حمل السلاح والركض بالشوارع وقطع رؤوس مواطنين هدفهم نشر الحماية في بلدهم. الجهاد كلمة تنضوي تحتها كل الثورات الفكرية والإصلاحية والفلسفية والاقتصادية حتى! أنها تثقيف الذات (جهاد النفس) قبل أي شيء وأنه ليؤسفني أن أنقل للقراء من أننا شعوب بربرية عامة, ومشاكلنا خير دليل, إضافة لواقعنا السياسي. لكن هذا لا يعني قطعا أن دول الغرب بأفضل حالا, المفارقة الوحيدة أن لهم بربرية تختلف عنا لا أكثر.

يغضب السيّد وجدي أنور مردان على شعارات قرأها, دون أن يفهم أن هؤلاء "العرب" قد اغتصبوا نساء و قطعوا رؤوسا وأرسوا احتلالا, وأنهم ناصروا جلادا وتعاملوا مع الشعب بطائفية بشعة. نعم, أؤكد للسيد العزيز أن كراهية أي مواطن عربي بلغت ذروتها, وهذه نتيجة متوقعة جرّاء ما فعلته أيادي "المجاهدين" وجرّاء ما نقرأ على الإنترنت من صلائف الأفكار والتجاهل المتعمد لألمنا. يكفي أن فضائيات العرب تعتبر القتيل الفلسطيني "شهيدا" أما العراقي فقتيل ومجرّد قتيل. ثم يأتي السيّد مردان ليعيب على مواطنين عراقيين بؤساء سوء لغتهم العربية - وهي من المضحكات المبكيات واقعا- ولكنه ينسى أن المغوار صدام حسين قد أوصل الشعب لدرك صار معه التعلّم الابتدائي شبه محال.

أحزين يا سيدي لأن عراقيو الداخل يكرهون أي شيء عربي؟ وما يحزنك يا ترى؟ فأولا, القومية العربيّة فكر عنصري متخلّف أقتبس من أوروبا بفترة محددة, وبقي بأكاذيب وتطيرات بائسة, وثانيا وحدة أي شعب أكبر من وحدة ثقافة لغوية وعرق واحد أو تأريخ مشترك, وإنما تغوص أكثر لعمق الجوهر الفكري والمصير المشترك, وهنا يحلو لي أن اسأل السيّد مردان عن أي "جوهر فكري" و"مصير مشترك" موجود, وشعوب دولنا العربيّة "غالبا" تكفر العراق لأنهم شيعة (الشيعة 35% من عموم المسلمين بالمناسبة) وترسل -وتبارك- بالقتلة المنحرفين اللذين يدعون المقاومة والدين, وكلاهما براء منه ومن وحشيته.

نحن نقاوم يا سيّدي, ولا نحتاج تدخلات بعض المخربين, فنحن رجال السلاح, وجدّ أبي مدفون بجنين التي حررها الجيش العراقي بعام 1948, وجدي أشترك بحرب 1973, ووالدي قاتل 13 سنة ضد إيران. لسنا "عيالا" لا نحسن حمل السلاح كي يأتي بعض القتلة وتدخلون بشأننا الوطنيّ الخاص. نعم نحن نقاوم, نقاوم ببناء المدارس (التي ينسفها العرب) وببناء أنابيب النفط (التي يدمرها العرب) وبصنع واقع أفضل لكي نفرغ للمحتل.

سيّدي, كفاكم تخيلات وهميّة عن فلاشا تسير وهاغانا تقتل, فكل القتلة من المتطرفين السلفيين, وأغلبهم من البعثيين كذلك. صدام لن يعود, والاحتلال القذر سيخرج من بلدنا منكوسا صاغرا بعار لم يتوقعه. الاحتلال ليس شريفا, ولعله يدعم هؤلاء القتلة حقا ليحقق عدة مكاسب, لكن نصرة العرب للبعث و صدام ليست وليدة اليوم للأسف. نحن نعرف تماما نوايا الاحتلال, ونعرف كره شعوب المنطقة لنا - لأسباب طائفية - ونعرف أيضا أنه لا يربطنا الكثير بها أيضا. عن أي علاقات تتحدث سيّدي؟ كاتب هذه المقالة لم يفز بالمرأة التي أحبها, وهي من الخليج ومن عشيرة قريبة له, والأسباب هي:
-خلاف طائفي.
-عراقيتي.
-لا خليجيتي.

رغم هذا, أنا لستُ سعيدا بالكراهية لكل ما هو عربي بالشارع العراقي, لكنني أعذرهم, فالتفجيرات و جماعات الخطف والقتل والارتهان, كلها مآسي لا تنسى. وما حسبك بذاك السعودي الذي يفجر نفسه بجامع الكوفة فيقتل 190 مصليا لأنهم شيعة؟ وما حسبك بالمجرم الأردني الذي قتل 125 مواطنا بالحلّة, وبعدها تقيم أسرته عرسا له بالأردن؟

لكن لا بأس, وكراهية المسلمين لبعضهم لا تجوز, وسأعمل على أن أسهم بإزالتها, لكن أعمل أنت يا سيدي على أن لا تزيدها بمدحك لما يسمى بالمقاومة, أو تدخلك بشأن العراقيين الداخلي. لا داعي لتقارير النصر والمجد ولا لتقارير تخوين أي إنسان عراقي, فلا أنت ولا أنا يحق له أن يخوّن العراق. ولو كان الذين بالسلطة أو الجيش خونة عندك, فعليك أن ترجع بالذاكرة للراحل جمال عبد الناصر, الذي كان ضابطا بالجيش الملكي المصري, وكلنا يعرف أن الجيش الملكي كان يستمد بقاءه من الاحتلال, ولم يخرج عشرة ملايين مواطن لأن ينتخبه كما هو الحال بالعراق.

plato_75_1@hotmail.com  



الكاتب: أحمد الكناني
نشرت على الموقع بتاريخ: 17/04/2005