رسائل من الجنة ...(3) ::
الكاتب: ليلى العربية
نشرت على الموقع بتاريخ: 15/05/2004
السلام عليكم يا أهل الدنيا ..
ها قد عدت إليكم من جديد لأقول لكم كلاما كثيرا فجّرته في نفسي أحداث الأسبوعين الماضيين..
قد تتساءلون: أية أحداث بالضبط؟
فالعالم من حولنا يموج بالأهوال..
سأحدثكم اليوم وبالتحديد عن موضوع الصور التي بُثت على قنواتكم التلفزيونية وهي تُظهر المعاملة "الإنسانية" جدا للأسرى العراقيين..!
أذهلتكم مفاجأة هذا الواقع الأليم, أليس كذلك؟؟
أما أنا فلم أتفاجأ, لأنه قد مر علي مثل هذا الواقع في سجون بلدي المغتصب: فلسطين..
لن أتحدث اليوم عن ظاهرة إساءة معاملة الأسرى..
هؤلاء الأسرى الذين حين كانوا على عهد الدولة الإسلامية القوية, كانوا يتحولون إلى دين الأقوياء "المسلمين" لشدة ما يرون من رحمة وعدل وأخلاق سامية يعجز عنها البشر في زماننا..
بل سأحدثكم اليوم حديثا آخر.. حديثا أكثر أسىً من حديث الأسرى وتعذيب الأسرى..
أنتم تألمتم كثيرا لصورة هؤلاء العراقيين الذين لا حول لهم ولا قوة أمام الجنود الأمريكان, وهم يقفون "عرايا".. وهم يقفون في أوضاع شائنة "أخلاقيا".. أليس كذلك؟؟
مهلا.. دعونا ننظر إلى الأمر بعمق أكبر وبشمولية أوسع.. فكروا معي:
ما المؤلم في هذا الوضع: أهو العري بحد ذاته, وهذه الأوضاع الشائنة بحد ذاتها؟؟ أم الإجبار عليها؟؟
لن أجيب أنا عن هذا السؤال المحرج حقا...
بل سأترك الجواب للسان حالنا فهو الأقدر على مثل هذا الجواب: بل الإجبار عليها, لأن العري بحد ذاته, والأوضاع الشائنة بحد ذاتها ليس بمشينة, فلو أنها مشينة لما رضينا لبناتنا أن يسرن في الشوارع عرايا إلا مما لا يكاد يستر بل يفضح ولا يستر, ولا رضينا لبناتنا أن يظهرن على شاشة التلفاز عرايا وفي وضعيات تشبه إلى حد كبير صور هؤلاء الأسرى العراقيين..
بل لقد سُعدنا بهذا "التطور" الذي أصاب بناتنا وشبابنا بدليل أننا نصفق طويلا لما نراه في التلفاز, بل و نستمتع كثيرا .. والأنكى من هذا أننا نسميه "فنا"..
هذه هي الحقيقة.. وإنكارها لا يجدي.. فلنكن شجعان ولنواجه أنفسنا بالحقيقة ولو لمرة واحدة في حياتنا: ليس في صور الأسرى ما يشيننا إلا الإجبار على هذا العري وعلى هذه الوضعيات, لأننا أصلا نفعل ذلك باختيارنا وعلى الملأ..
لا أظن أن الأمريكان أخطؤوا حين فعلوا ذلك بنا, لأننا أصلا رضينا ذلك لأنفسنا!!
أخبروني بالله عليكم: إذا قرر أحد ما أن يقتات على القاذورات –أعزكم الله- ثم جاء آخرون ليقدموا إليه هذه القاذورات, فمن المُلام؟؟
أنترك ذلك الشخص "الحر في اختياره" لنلقي باللوم على من سانده ودعم اختياره؟؟
هذا ليس إلا هروبا وتنصلا من المسؤولية!!
مشكلتنا يا أعزائي ليست مع الأمريكان الذين أذلّونا..
مشكلتنا مع أنفسنا لأننا رضينا هذا الذلّ أصلا لأنفسنا.. بل لقد احتفينا به.. وصفقنا طويلاً له..
إذا فالعدل يقول هنا: أننا وقبل أن ندين الأمريكان, يجب أن ندين أنفسنا..
يجب أن نقف مع أنفسنا وقفة جادة, لنجد جوابا لهذا السؤال: ما المخزي في صور الأسرى العراقيين:
العري, أم الإجبار على العري؟؟ الأوضاع الشائنة, والإذلال, أم الإجبار عليها؟؟
و بعد أن نحدد الجواب, والذي أرجو أن يلهمكم الله الشجاعة الكافية لتحديده, عندها نقرر من الذي يستحق العقاب..
أما أنا, فإنني أرى الحقيقة ناصعة مبهرة, أراها بكل جلاء ووضوح:
ليس الأمريكان هم الذين أهانونا, لقد أهنّا أنفسنا وبملء إرادتنا وحريتنا قبل أن يأتوا هم ل "يبولوا علينا" فهذا هو محلنا الجديد من الإعراب الذي اتخذناه "وبملء إرادتنا وحريتنا": "مبولة لأقوياء هذا الزمان"..
أعلم أن كلامي قاس جدا عليكم.. ولكنها الحقيقة يا إخوتي..
وإذا حجبت الحقيقة عنكم فأنا لا أستحق أخوّتكم, فالأخ ناصح أمين لأخيه, لا أستطيع أن أسير وراء رغبتي في الرفق بكم, لأن الرفق في هذه الحالة يعني حجب الحقيقة, وحجب الحقيقة هو: خيانة للأمة.. ولن أكون أنا تلك الخائنة أبدا..
إن من لا يعبد الله على طريقة محمد صلى الله عليه وسلم, فلا يُستغرب منه أي تصرف.. ولا أي موقف.. بل إن تصرفهم هذا يفصح تمام الإفصاح عن رأيهم فينا!! وعن مكانتنا عندهم..
فنحن –برأيهم- لا نستحق إلا أن نوضع في أسفل وأخس مكانة.. وأنا أوافقهم الرأي..
قفوا مكانهم ثم التفتوا وانظروا إلينا.. ماذا ترون؟؟
جهل, فقر, عداء, أنانية, لا أخلاق, سكوت عن الظلم: ظلم الشعوب فضلا عن ظلم الأفراد, بل وفي بعض الحالات إعانة على هذا الظلم, عمالة, مخدرات.. تخلف في كل شيء.. لا يروننا إلا كائنات طفيلية تعيش على جهد غيرها وعرقه, وهذا الغير يقدم لها الآن جهده وثمار أعماله لأنه يأخذ منها بالمقابل ما لا يد لها فيه: ثرواتها, وحين تفنى هذه الثروات, لن يكون لهذه الكائنات الطفيلية مكان في الحياة.. بل سيكون مصيرها أحد أمرين: إما الإفناء والإبادة, كما تُباد الحشرات الضارة, أو تسخيرها لتنفيذ المتع الخسيسة..
وأظنكم فهمتم ما أقصد!!
آسفة مرة ثانية لأنني أتكلم بهذه الصراحة الجارحة.. ولكن.. لقد ادلهمّ الخطب حتى لم يترك لي مجالاً لتذويق كلماتي!!
أتمنى من كل قلبي يا إخوتي الأعزاء أن تنظروا إلى حال جيلنا الناشئ, وكيف أصبح ما يرونه في التلفاز من أشكال وحركات هو الطبيعي في حياتهم, جيلنا الفتيّ يُدمّر أخلاقيا.. يُطبّع بثقافة العري والإباحية.. ونحن لا زلنا نتعامى عن هذا الواقع بل ونضع اللوم على غيرنا..
كل ما يجري يجري الآن ونحن لاهون.. لا يهمنا إلا أن نصفق لهذه, ونستمتع بـــــــــــــــــــتلك.. يبدو أننا تعلمنا ذوقا فنيا جديدا لفن جديد مبتكر اسمه: الفنجنسي!!
هذا الفن الجديد, يتم تذوقه خارج السجون وبين شرائح كبيرة من شبابنا وبناتنا, وداخل السجون يطبق هذا الفن بطريقة أخرى.. لا فرق.. المهم في النهاية أن هذا الفن موجود في كل مكان: سواء شئنا أم أبينا..
أثارت هذه الصور الاشمئزاز والقرف عالميا وعربيا, لماذا؟
لأن فيها تعديا على حرية الإنسان وحقه في الاختيار, ولو أنه اختار هذه الممارسات بملء إرادته لما كان هناك من مشكلة أبدا.. أليس هذا هو المفهوم السائد لدى "الخجلين من تصرفات جنودهم"؟؟ ألم أقل لكم أن القضية هي قضية جوهرية جدا: ليست المشكلة في العري بحد ذاته, وإنما في اختياره أو الإجبار عليه..
هذا هو مفهوم الغرب.. أما نحن.. أبناء أمة محمد وأبناء هذا الدين فلدينا مفهوم آخر اختاره لنا الله تعالى.. هم يقدسون حرية الإنسان, أما نحن فنقدس تعاليم ربنا حتى ولو رأينا فيها تعارضا مع حريتنا المزعومة.. ولكن هيهات أن تكون تعاليم ربنا معارضة لحريتنا.. حريتنا الحقيقية..
إن أي منطق سوي لا يقر أنه يمكن فتح باب حرية الفرد على مصراعيه, لأنه وحتى تكون هذه الحرية حقيقية لا بد لها من ضوابط.. وإلا تحولت إلى فوضى وظلم وتعدي على حقوق الآخرين وممتلكاتهم.. أرأيتم كيف اختلط كل شيء في حياتنا, حتى المفاهيم ومسميات الأشياء!!
الحرية ..التقدم ..الديمقراطية ..وهلم جرا ..
كلها مفاهيم تحتاج إلى إعادة بناء وتكوين جديدين للعودة بها إلى أصلها الحقيقي الذي خلقه الله عليها حين خلق أرضكم هذه..
مفاهيم جديدة لكلمات قديمة..!! لم يأت لنا الله بهذه المفاهيم, بل استقرت في رؤوسنا حيت بحثنا عنها بعيدا عن منهج الله وهدي محمد.
بهَرَنَا نجاحُ الغربِ وتقدمه, فقررنا أن نتعلم منهم كيف صاغوا هذا النجاح, وبدأنا بتعلم مبادئهم الأساسية في الحياة..
أخذنا نتعلم منهم: الحرية, فتعلمنا الإباحية.
أخذنا نتعلم منهم التقدم, فلم نأت بغير: الاستهلاك والمزيد من الاستهلاك.. وكأننا قوم "مفجوعين" لم نر في حياتنا طعاما ولا شرابا ولا رفاهية..
أخذنا نتعلم منهم الديمقراطية, فتعلمنا الازدواجية وأخذنا نكيل بمكيالين "تماما كما يفعلون"..
أخذنا نتعلم منهم العدالة, فلم نجد إلا: الحق مع الأقوى, والحق مع المصلحة دائما وأبدأ, مبدأ لا يتنازعون عليه فيما بينهم, قد يتنازعون على تحديد الأولويات في المصالح, أما على أن الحق مع المصلحة أينما كانت حتى ولو كانت بامتصاص دماء شعوب بأسرها فهذا أمر أصبح لديهم من البديهيات..
وهنا يأتي دور الدبلوماسية لتقلّب هذا الحق مع المصلحة أينما تقلبت, من مصلحتنا أن لا يقاومنا من نقطع رؤوسهم, إذا فالحق سيصبح أن هذه المقاومة هي: إرهاب.. أليست هذه المقاومة عنفا؟؟ ألا تريق دماء وتروع البشر؟؟ إذا هي إرهاب.. ويجب أن نحارب هذا الإرهاب, لتتحقق مفاهيم العدالة والحرية والديمقراطية في الأرض.. طبعا عدالة وديمقراطية وحرية: "المصلحة"!!
وغيرها الكثير الكثير.. هذا ما تعلمناه من "قيم" الحضارة الغربية, فلا نحن استطعنا أن نتقدم مثلهم, ولا بقينا على ما نحن عليه.. أصبحنا شيئا آخر جديدا لا اسم له إلا: اللا هوية, ولا عنوان له إلا اللامكان.. هذا هو حال غالبيتنا العظمى, إلا من رحم ربي.. فنحن لا نزال حملة كلمة الله الأخيرة لهداية البشرية, ولتجنيبها ويلات المفاهيم الجديدة للحرية والديمقراطية..
ولا يزال هناك الكثير ممن يفهمون الأمور على حقيقتها, ويريدون أن يعيدوا لهذه الأرض أمان العدل, وقوة الحق, ونصاعة الديمقراطية, وألق الحرية..
والجنة هنا ملأى بأولئك الذين فعلوا أقصى ما يستطيعون لينقذوا كلمة الله وليعلوها من جديد.. والدنيا أيضا لا يزال فيها الكثير من أمثالهم..
ويوم القيامة سنقف جميعا بين يدي الله, ليرى الله من منا نصر الدين ومن منا خذل هذا الدين, من منا قدّم ما يستطيع لينقذ الأمة, وليرد الاعتبار للكرامة المهانة, ومن منا أعان على تمريغ رأس هذه الأمة في التراب.. ليرى من منا وقف بجسده وعقله وفكره وماله وقلمه ليدل الناس على طريق الله ويصحح المفاهيم المعوجّة في رؤوسهم عنه, ومن منا وقف بجسده وعقله وفكره وماله وقلمه ليصد عن سبيل الله ويدل الناس على طريق الشيطان.. طريق الرذيلة.. طريق الحرية المقيدة, والديمقراطية الزائفة, والكرامة المهدرة..
سنقف جميعا بين يدي الملك الجبار المنتقم, وحينها لن يستطيع المخادعون أن يخدعوا الله بمفاهيمهم المقلوبة, لأنهم هم أنفسهم من سيشهد على أنفسهم بما كانوا يفعلون, وساعتها لن يستطيعوا أن يفبركوا الشهادة بما يوافق أهواءهم, لأنه ستكون هناك..
في ذلك اليوم: الحرية الحقيقية وسيقول كلُ شيء كلَ شيء.. كما هو في الحقيقة والواقع.. وليس كما يحب المرء ويشتهي!!
وماذا بعد؟؟
ماذا بعد كل ما يحدث لكم يا أهل الدنيا؟؟
أما زلتم غافلين عن الحقيقة بعد كل هذه المزلزلات؟
أما زلتم لا تدركون أين أنتم الآن؟ وإلى أين أنتم ماضون؟؟
يؤسفني أن أقول لكم:
طالما أن العري أصبح "طبيعيا" في حياتكم, وطالما أن الفن تحول إلى مساحة للإثارة الدائمة والمتواصلة في حياتكم, وطالما أن المفاهيم الأساسية التي قامت عليها الأرض بقيت مقلوبة ومعوجة..
إذا فلا تنتظروا الفرج والمخرج ما أنتم فيه.. بل انتظروا الأسوأ.. والأسوأ.. ثم الأسوأ..
وطالما أصبح وجود المراقص والملاهي الماجنة "طبيعيا" في بيوتكم, طالما أن راقصات هذه الأغاني هم قدوة شبابنا وبناتنا.. وطالما أن الحياة الغربية بكل ما فيها من انفلات وتحلل هي حلم ومطمح أجيالنا الناشئة.. وطالما أن الهمّ الأكبر في الحياة هو التفاخر بالموبايل والماركات والسيارات بيننا.. إذا فانتظروا الأسوأ.. والأسوأ.. ثم الأسوأ..
حينها لن يقنع منا الأمريكيون "المحررون الجدد" بإجبارنا على هذه الممارسات الشائنة داخل أسوار السجون, وبعيدا عن أعين الرقابة, بل سيحولون ما شاهدتموه من صور داخل سجونهم إلى واقع تعيشونه في بيوتكم وبين ذويكم..
لن يقنعهم منكم إلا أن تصبحوا "عبيدا" لهم بكل معاني العبودية..
قوم "لا يرقبون في مؤمن إلّاً ولا ذمة" ماذا يمكن أن ينتظر منهم هؤلاء "المؤمنون"؟؟
لقد صدق عمر الملهم حين قال: نحن قوم أعزنا الله بالإسلام, ومهما ابتغينا العزة بغيره أذلّنا الله" لله درّك يا بن الخطاب.. لقد نطقت جوهرا, ولكن هل من مدّكر؟؟
أعلم أنني قد آلمتكم كثيرا اليوم.. وأرجو أن يكون هذا الألم هو ما سيرد فاقد الوعي إلى وعيه.. فيبصره بحاضره ومستقبله وما يحاك له على المدى القريب والبعيد..
الحل: حل واحد.. ولا بديل عنه أبدا..
ها قد أمضينا عشرات من السنين ونحن نحاول أن نتمثل تجربة الغرب في نهوضه من كبوته, فهل نهضنا نحن الآن من كبوتنا, أم ازددنا جهلا ومرضا وفقراb
أما آن الأوان لنبحث عن حل آخر؟؟
هيا بنا لنبحث عن حل جديد وفي اتجاه آخر.. ودعونا نبدأ بما استطعنا النجاح فيه منذ عقود مضت..
دعونا نبدأ بالحل الإسلامي, فربما وجدنا ضالتنا فيه..
إذا لم نغير طريقة تفكيرنا وبحثنا 180 درجة, إذا فسنظل نكبو عشرات أخرى من السنين..
من سيحتمل هذا العذاب عشرات أخرى من السنين؟؟
أما من همّة تنقذ هذه الأمة؟؟
أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه,
وكلي أمل أنكم ستجدون الحل الحقيقي سريعا جدا,
فأنتم أذكياء بما فيه الكفاية لتتعلموا من كل الدروس السابقة,
ولتقلبوا كل الفشل الماضي إلى نجاح مبهر ونصر مؤزّر.. بإذن الله
أقرأ أيضا رسائل من الجنة ..(1) / رسائل من الجنة ..(2)
الكاتب: ليلى العربية
نشرت على الموقع بتاريخ: 15/05/2004
|
|