إغلاق
 

Bookmark and Share

 نظرية الكذبة الكبرى والدعاية السوداء ::

الكاتب: ا.د. محمد اسحق الريفي
نشرت على الموقع بتاريخ: 03/09/2005

عمل إدارة بوش –منذ أن بدأت حملتها– على بث معلومات مضللة في وسائل الإعلام الكبرى الأمريكية والغربية وفبركة القصص الكاذبة وتكرارها باستمرار، حتى يصدق جزء كبير من قصار النظر هذه القصص المفبركة ويؤمنون بأنها صحيحة، بل ويدافعون عنها حتى بعد أن يتبين لهم أنها محض أكاذيب.

وأمر رامسفيلد في عام 2002م بفتح قسم جديد في البنتاغون باسم "مكتب التأثير الاستراتيجي" وذلك لنشر الدعاية والقصص والمعلومات الكاذبة في وسائل الإعلام العالمية كجزء من الحرب على الإرهاب، وقد تم إغلاق هذا المكتب فيما بعد بسبب الجدل داخل البنتاغون حول قانونية هذا المكتب، إلا أن برامجه مازالت تعمل بفعالية.

وتدرك الولايات المتحدة أن هناك حربا أهم بكثير من الحرب العسكرية التي تدك المدن والقرى وتقتل الناس، وهي "حرب الكلمات" المصممة للاستحواذ على عقول الناس والتأثير على مواقفهم وسلوكهم، وخلق استجابات مؤيدة لسياسة الولايات المتحدة الأمريكية. وتستخدم إدارة بوش نفس "نظرية الكذبة الكبرى" أو “Great lie theory” التي استخدمها هتلر ولكن بأسلوب بريطاني، ويُستخدم مصطلح الدعاية السوداءBlack propaganda” للتعبير عن اعتماد الكذب استراتيجية لتضليل الرأي العام، ويتم ذلك بمساعدة الشركات الإعلامية الكبرى التي لها مصالح حيوية في احتلال العراق.

وحيث أن احتلال العراق قام على مجموعة أكاذيب، تعمل الولايات المتحدة والغرب –من خلال أجهزة التضليل الرسمية– على تبرير الاحتلال وجعله شرعيا وخلق أكاذيب جديدة لتبرير استمراره، ومن أهم هذه الأكاذيب هو إدعاء حكومة الجعفري بأن استمرار وجود القوات الأمريكية والبريطانية يعمل على حماية العراق من الإرهابيين والمقاتلين الأجانب، وأن استمرار الاحتلال يعمل على الاستقرار ومنع اندلاع حرب أهلية.

وهذا الإدعاء هو عكس حقيقة ما يجري على الأرض العراقية تماما، فالحكومة العراقية تتكون من أناس غير مقبولين لدى الشعب العراقي، فهم جاءوا على ظهور الدبابات الأمريكية وهم الذين مهدوا لاحتلال العراق، وإدارة بوش تسمح للمليشيات الموالية لها (فيلق بدر الذي دربته إيران، البشمرقة الكردية، ميليشيات علاوي، ميليشيات المجلس الأعلى للثورة الإسلامية التابع للجعفري، ميليشيات أحمد الشلبي) بحمل السلاح وممارسة القتل والإرهاب ضد الشعب العراقي، وهذا من شأنه أن يؤدي إلى اندلاع حرب أهلية، في الوقت الذي تستمر فيه القوات الأمريكية في بناء القواعد العسكرية وإنشاء سفارة لها تضم أكثر من ألفي موظف وبتكلفة تزيد عن 500 مليون دولار.

وتتضافر مقاومة ما يسمى بالإرهاب مع الدعاية السوداء لتحقيق الأهداف الأمريكية، فالدعاية السوداء تبث المعلومات الخاطئة إلى محطات الأخبار الغربية والأمريكية، ليصبح التحذير من الإرهاب حقيقيا، والهدف هو جعل الشعب الأمريكي يتصور بأن مجموعات الإرهاب هي عدو للولايات المتحدة، وأيضا جعل صورة رموز هذه المجموعات ماثلة وحاضرة في أذهان ووجدان الأمريكيين باستمرار.

وتدعي الصحافة الأمريكية والغربية أن الولايات المتحدة تعمل على بناء الديمقراطية ومقاومة الإرهاب الذي يهدد الأمن القومي الأمريكي والسلام العالمي، وهي تقوم بتشويه حقيقة ما يحدث في العراق خصوصا لتضليل الغربيين وخاصة الأمريكيين بهدف تقليل فعالية المعارضة الأمريكية للإدارة الأمريكية التي أنفقت مئات المليارات وأزهقت أرواح الآلاف من الأمريكيين نتيجة احتلالها للعراق.

فالإعلام الغربي يعمل بخفة على صرف أنظار الأمريكيين عن الجرائم التي يقوم بها الجيش الأمريكي والمليشيات الشيعية الموالية له ضد الشعب العراقي وأئمته وعلمائه وأساتذة جامعاته، وضد نظام التعليم في العراق الذي دمره الاحتلال، وكذلك ضد المرأة العراقية التي تم إهانتها بالتفتيش والاعتقال والتعذيب والتعرض للاغتصاب من قبل الجيش الأمريكي.

وتسعى الإدارة الأمريكية من وراء استخدامها للدعاية السوداء إلى تحقيق مجموعة من الأهداف داخل وخارج الولايات المتحدة الأمريكية، فهي تستخدم القصص المفبركة لتوجيه الرأي العام الأمريكي بما يحقق أهداف المحافظين الجدد. ومن الوسائل المستخدمة في ذلك إنتاج وتوزيع الأشرطة الصوتية والمرئية لقادة القاعدة على وسائل الإعلام لنشرها في اللحظة التي تريدها إدارة بوش، وبالطبع فإن متخصصين يقومون بتحديد مادة الرسائل المتضمنة في هذه الأشرطة.

فعرض شريط لبن لادن في فترة الانتخابات أدى إلى ترجيح كفة بوش في الانتخابات الرئاسية، وإصدار تحذيرات أمنية من هجوم محتمل للقاعدة على منشآت حيوية أمريكية، يقنع الشعب الأمريكي بمزيد من الإنفاق على مقاومة الإرهاب في مقابل تقليص الإنفاق الحكومي والضمان الاجتماعي.

ولا شك أن هناك جدل كبير حول حقيقة الأشرطة المرئية والمسموعة لكل من أسامة بن لادن وأبو مصعب الزرقاوي، بل إن العديد من المفكرين المتابعين لهذه القضية يعتقدون أن بن لادن قتل في عام 2002م وأن الزرقاوي لا وجود له، وكل الأشرطة التي نسبت إليهما بعد ذلك هي من صنع الخيال والتكنولوجيا الأمريكية.

وعلى مستوى العالم العربي تستخدم الإدارة الأمريكية الدعاية السوداء لإخافة الأنظمة من انتشار القاعدة التي تسعى إلى الإطاحة بهم، ولإيجاد مبررات لتهديد سوريا وإيران من خلال ربطها بأنشطة القاعدة، فتارة يشيع رامسفيلد أن الزرقاوي عقد اجتماعا في سوريا قبيل موجة التفجيرات التي أودت بحياة مئات المدنيين قبل وأثناء فترة الانتخابات، ويشيع تارة أخرى بأن الزرقاوي يعالج في إيران بعد إصابته، وبهذا يعمل رامسفيلد على خلق صورة أسطورية للزرقاوي تجعل من المستحيل أمرا ممكنا، فالزرقاوي يقاوم في العراق، ويعقد اجتماعاته في سوريا، ويذهب للعلاج في إيران.

ثم تشيع رويتر أن الزرقاوي بعث رسالة صوتية إلى بن لادن ليطمئنه على صحته بعد إصابته، وكأنه لا توجد قنوات أخرى للاتصال بين زعماء القاعدة إلا عن طريق التسجيل الصوتي لرسائل تقع في يد مراسلي رويتر أو بعض القنوات الفضائية العربية، وكذلك الحال بالنسبة لمواقع الإنترنت المزعومة للقاعدة والتي تتضارب أخبارها بشكل يستحيل معه التصديق بأنها منسوبة إلى أي جهة غير المخابرات الأمريكية.

تعمل هذه الدعاية السوداء على تصوير المقاومة العراقية على أنها عمل مجموعة من الإرهابيين المتعصبين المعزولين عن باقي الشعب، وأنهم جاءوا من خارج العراق أو أنهم من بقايا البعثيين، وذلك من أجل إعطاء مبررات لاستمرار الاحتلال الأمريكي للعراق، فشعوب العالم تدعم الحركات الوطنية التي تقاوم الاحتلال، وتشبيه المقاومة على أنها مجموعة من المتعصبين والمقاتلين الأجانب يسيء إلى شرعة مقاومة الشعب العراقي للاحتلال.

وتهتم الإدارة الأمريكية في هذا السياق بأدوات نشر المعلومات المعادية للإدارة الأمريكية، ومن ضمن هذه الاهتمامات دراسة فعالية وتأثير المواقع التابعة للهيئات العربية والإسلامية ودراسة سبل محاربتها، هذا بالإضافة إلى اتخاذ الإدارة الأمريكية والاتحاد الأوروبي قانون معاداة السامية لتكميم أفواه الكتاب والمفكرين والصحفيين الذين كلماتهم هي أشد وقعا على الحملة الأمريكية من أعمال العنف الموجهة ضد المدنيين الغربيين في بلادهم.

وحتى تكون الدعاية السوداء ناجحة وفعالة، لا بد من غياب الصحافة الحرة، ولا بد من إحياء المكارثية وإعادتها بثوب جديد، ولا بد من عمل القوائم السوداء ومصادرة حرية التعبير عن الرأي المناوئ.

فالصحافة الأمريكية الحرة غير موجودة، فقد كشفت صحيفة “Guardian” البريطانية تحت عنوان "الفيلم الذي لم تجرؤ شبكات التلفزيون الأمريكية على عرضه" بتاريخ 12/5/2005 عن المقاومة التي واجهها منتج الفيلم Adam Curtis خلال بحثه عن محطة إعلامية كبرى في الولايات المتحدة لعرض فيلمه الوثائقي بعنوان “The Power of Nightmare” أي "سلطان الخوف" بسبب احتواء الفيلم على مواد تفضح المحافظين الجدد وتبرهن على اختلاقهم الأكاذيب تبعا لـ "نظرية الكذبة الكبرى".

هذا بالإضافة إلى رفض المحطات التلفزيونية الأمريكية عرض الأعمال الفنية والتلفزيونية التي تحتوي على نقد لإدارة بوش، وقد تم فصل العديد من الموظفين الأمريكيين من الشركات التلفزيونية الإعلامية لاتهامهم الصحافة بالكذب واستخدام الدعاية السوداء، وقد تم استخدام العقوبات الاقتصادية ضد أساتذة الجامعات والفنانين من أصل أفريقي لإظهارهم آراء مناوئة لإدارة بوش.

ولقد عادت المكارثية التي بدأها جوزيف مكارث عام 1950م خلال الحرب الباردة عندما كان يحتفظ بورقة تحتوي أسماء عملاء للروس يعملون في وزارة الخارجية الأمريكية آنذاك، وقد دعمت الصحافة الأمريكية المسماة "حرة" نظرية القوائم السوداء “Black lists” التي أتى بها مكارث، والآن تصنف إدارة بوش كل من يخالف سياساتها بأنه ضد الولايات المتحدة “Anti-US” وتضع اسمه على القوائم المكارثية للتضييق عليه اقتصاديا ومخابراتيا.

وفي النهاية، تقوم الولايات المتحدة بقتل الديمقراطية باسم الديمقراطية، فما هو يا ترى نوع هذه الديمقراطية التي تسوِّقها الولايات المتحدة للعالم وتبشر بها؟ ربما تعني ديمقراطية بوش شيئا آخر غير الذي يفهمه العالم، ومن يدري لعل الديمقراطية الأمريكية هي ذاتها دكتاتورية العالم الثالث ولكن بلباس فاضح هذه المرة!

4/6/2005



الكاتب: ا.د. محمد اسحق الريفي
نشرت على الموقع بتاريخ: 03/09/2005