|
|
|
ماذا للشرق الأوسط؟ لا شيء... فقط..الموت ::
الكاتب: د. أحمد عبدالله
نشرت على الموقع بتاريخ: 06/06/2004
مانشيت يحتل أكثر من ثلث مساحة الصفحة الأولى لجريدة رياضية تصدر بالقاهرة، ويقول بالأحرف الكبيرة:- "موت الكرة المصرية"، ذكرني بأن الكلمة الأكثر تكررا في حياتنا اليومية هي الموت!!!
مشهد الموت الحالي
ربما لن يجد القتلى في العراق مكانا يدفنون فيه إذا استمرت المواجهات بين الاحتلال والمقاومة على نفس المنوال، وإذا ظلت آلة الحرب والدعاية الأمريكية مجنونة بالانتقام من مَن كانوا سبب الازدراء وانكسار الهيبة الذي لحق بها هناك، وبخاصة إذا مرت جرائمها البشعة دون محاسبة في الداخل أو الخارج.
مجرد العيش أو الاحتفال بزواج أحد أفراد الأسرة صار هدفا للقصف، ولا تختلف الصورة كثيرا في فلسطين حيث يُحكم الإسرائيليون الخناق حول الفلسطينيين، وفي مقابل كل طلقة رصاص تطلقها المقاومة تنطلق طائرات الأباتشي والمدافع الثقيلة، وجرافات هدم البيوت لتبني مستقبل سلام إسرائيل على أكوام من جماجم وعظام الأطفال والنساء والرجال، وعلى أكوام من أشلائهم، وركام أنقاض بيوتهم، ومن رصيد القتل اليومي الذي أصبح يستنكره حتى الضمير العالمي الكسول تقليديا.
وأيضا تمر هذه المآسي والفظائع المستمرة دون أمل في محاسبة هؤلاء، فما يسمى بمعسكر وقوى السلام في إسرائيل تبدو تائهة تحاول جمع صفوفها وتجديد أطروحتها، والناس في فلسطين تجد نفسها مدفوعة بالإذلال اليومي، والانتهاك والسحق إلى محاولة النيل من العدو والانتقام للكرامة بأي ثمن، والميليشيات الفلسطينية قد تنفجر في أية لحظة بردود أفعال على قتل أهم قياداتها مؤخرا، فيبقى الفلسطينيون وسط خيارات بائسة: إما الموت "بالاستشهاد"، أو الموت والقتل بالقصف الإسرائيلي أو انتظار الموت بأية طريقة أخرى!!!
وتتحول المنطقة كلها إلى حقل كبير للقتل وإراقة الدماء، وما يسمى بالمجتمع الدولي، والرأي العام العالمي رسميا وشعبيا، يبدو أن أضعف من وقف هذا المسلسل الكابوسي الذي ينشر رائحة الموت في المنطقة كلها، وتتكفل القنوات الفضائية، والشبكة العنكبوتية الإليكترونية بنقل وتعميم الصور والمعلومات عن أعداد الضحايا، ومشاهد القتل والخراب، وسواءً كانت الصور المتداولة هي صور نعوش الجنود الأمريكيين المحتلين للعراق، أو صور فظائع التعذيب والقتل في السجون هناك، أو صور الدمار أو الإذلال، والانتهاكات الإسرائيلية، أو صور التفجير في دمشق أو الرياض أو مدريد أو غير ذلك فإن الموت يبدو القاسم المشترك، والبطل الرئيسي، وربما الوحيد.
ولأن الجثث تتشابه، والصور تتداخل، والتفاصيل تغيب، تبقى الحالة نفسها تتكرس عبر المزيد من القتل والقتلى، والهدم والقصف والتدمير، وعبر المزيد من الصور بالتالي!!!
خرافة الأمل
ولأن الموت هو سيد الموقف فإن الأحاديث عن آمال الإصلاح أصبحت تتوارى، يوما بعد يوم حتى وصلنا إلى ذروة العبثية، فيما أقرته القمة العربية الأخيرة من أن السلام مع إسرائيل هو شرط الإصلاح الداخلي للمجتمعات العربية، والمعني ببساطة مذهلة ومؤلمة أن على كل شعوب المنطقة أن تجلس لتتابع مشاهد مهرجانات الدم المسفوح والتقتيل الجماعي، وهدم المنازل حتى تتوقف من تلقاء نفسها –ربما– أو بضغط أمريكي أو أوروبي– لا أدري من أين سيأتي ولماذا؟! - وبهذا الوهم وحده يمكن أن يكون هناك أمل في الإصلاح!!!
المعني بشكل أبسط وأكثر إيلاما أن أنظمتنا المتسلطة ستظل فوق رقابنا تسرقنا وتقمعنا، وتنتهك حرياتنا، وتساوم علينا، وكأننا رهائن (!!) لحين يتحقق السلام، ومَن ثم الإصلاح، وفقا لهذه الصيغة المدهشة!!!
وكأنها تقول لنا –نحن المواطنين– أنه ليس بأيدينا، ولا بأيديكم أنتم –طبعا– لا سلام ولا إصلاح، ويبقى الوضع على ما هو عليه حتى تتحرك أمريكا أو أوروبا أو المجتمع الدولي أو الأمم المتحدة أو غيرها لحل المشكلات العالقة في المنطقة، وحتى يحدث هذا، لو حدث جدلا، ستظل الخطوات المسرحية للوهم القائل بالإصلاح مجرد ديكور فارغ من أي مضمون حقيقي، لتظهر ضمن المشهد العبثي ولتضيف موت الأمل والمستقبل إلى مشاهد وأنواع الموت الأخرى الموجودة على أرضنا بالفعل.
قوى الإصلاح
هذا المشهد يبدو الأمثل لعمل الذين يرون أن الحل هو بإراقة المزيد من الدماء، ومنطق هؤلاء هو أن الدم والقتل هي اللغة التي يفهمها الطرف الآخر، وهو الحل حتى تنكسر إرادة العدو، أو ينفذ صبره، وتبقى الأطراف التي تتحدث بالتالي عن الإصلاح محصورة بالأنظمة المتسلطة، والتيارات السياسية والدينية، ومشاريع أوربية وأمريكية تريد مجتمعات عربية أقل تطرفا، أو أقل إزعاجا ومقاومة، وأكثر تسامحا مع الاحتلال الإسرائيلي، وبالتالي أكثر استخداما لمفردات السلام ولو كان وهماً بفعل الممارسات الإسرائيلية اليومية والمستمرة، وخططها المستقبلية الواضحة، وإجراءاتها الدائرة على الأرض.
ولا أحد تقريبا يتحدث عن إصلاح هذه الجهات الثلاث نفسها!!!
مثلا لا أحد يتحدث عن إصلاح النخب العربية المتسلطة على الحكم، والتي وصلت إلى درجة من الفساد والجمود والاحتكار للسلطة لا يمكن أن ينصلح تلقائيا، ولا يسمح بإصلاح حقيقي من خارجه طالما تصادم مع مصالحه بل مع وجوده واستمراره، والحالة هكذا فإن المجتمع العربي سيظل مبقيا على قرار الانكفاء على ذاته، والابتعاد عن الاشتباك المباشر مع السلطة طلبا لديمقراطية حقيقية تتضمن المحاسبة والشفافية، وأي تداول حقيقي للثروة والسلطة.
وطالما بقيت أشكال الدعم الخارجي الغربي لنخب التسلط، وطالما بقيت نفس التحالفات وصفقات المصالح التي لا يبدو الغربيون مستعدين لمراجعتها أو مراجعة وإصلاح مواقفهم فيها، أو التهاون بشأنها.
وبالتالي سيتكرس -متصاعدا- الشعور المكتوم بالعداوة والاغتراب بين النخب وبين الشعوب في المنطقة العربية، وسيزداد الخوف والانكفاء على الماضي، وعلى المحلي، وعلى كل محاولات البحث عن دفءٍ مفقودٍ أو ملاذٍ آمنٍ وهو ما تغازله به التيارات الدينية بما كسبت في تنافسها مع بقية التيارات السياسية الأخرى بسبب ضعف خطاباتها أو جمود أُطروحاتها، أو لأنها بدت أحيانا متغربة أو مستوردة مثل التيارات اليسارية والليبرالية.
ولكن الإصلاح طبقا لمدونة – "أجندة" التيارات الدينية يخلط بين المطالب الديمقراطية التقليدية، وبين طموحات غامضة –تبدو مسرفة غالبا– لمحاولة ضبط المسلك الفردي وفقا لمعايير التدين، وفضائل الأخلاق، وتضخيم وزن الشكليات والطقوس على حساب بنود أخرى.
الانسداد
وصل الصدام بين التيارات الدينية والنخب المتسلطة إلى نقطة تحتاج إلى معالجة سريعة، فالتيارات الدينية أيضا تستثني نفسها من المحاسبة، والنقد الذاتي المعلن، وبالتالي من الإصلاح الداخلي بوصفها تحمل هي مرجعيته، وهي الحارس الأمين على الأخلاق الحميدة، وهي صاحبة الغلبة الانتخابية المتوقعة،-بالحق أو بالمبالغات– في حالة حصول تصويت نظيف، أو منافسة حقيقية مفتوحة.
والنخب الحاكمة المتسلطة بانتهاك الحريات، والممارسة المنتظمة للقمع اليومي، والفساد وبسحق كل بادرة أمل تدفع الناس دفعا ليلوذوا بالخلاص الروحي والفردي على الطريقة الدينية، فكأن السلطات تحقن المجتمع بمبررات ودوافع مستمرة للارتماء في أحضان التيارات الدينية التي تستثمر الإحباط ومصادرة المستقبل، وتلعب على عواطف الناس وانحيازاتها الروحية وآلامها النفسية، وشعورها الضاغط بالعجز، وانعدام الجدوى والمعنى.
ووسط هذا وذاك يبدو الناس في المجتمعات العربية مثل الطفل المتشرد الذي يتلقى اللطمات والاتهامات المستمرة من الطرفين، من السلطة وكأنه مسئول عما وصل إليه الحال، بتقصيره أو زيادة نسله أو كسله!!!، ومن التيارات الدينية وكأنه السبب فيما نحن فيه، لما ارتكبه من آثام، وكأنه مثلا حين يهرب من الآلام إلى أشكال من الترفيه شبه الغربي يجلب النحس أو يسبب المزيد من الانهيارات!!!
والمجتمع العربي محاصر وهو يعدو ويعدو طموحا إلى الحصول على ظروف معيشية أفضل من ظروفه القاسية والضاغطة حاليا، محاصر بجحافل العسكر التي ترهبه وتخنق أنفاسه ومحاولاته للتعبير عن سخطه أو التفكير في مستقبله من جهة أخرى محاصر بمشاعر التأثيم المؤلمة والمستمرة لكل محاولة ينساق فيها وراء وعود أو أوهام بالاسترخاء أو التنفيس الوقتي في المسابقات أو الحفلات أو المهرجانات الترويجية أو الترويحية، وهو –أي المجتمع العربي– يلتمس وسط هذا وذاك من يفهم مطالبه ومشاعره، وينقلها متصديا للضغوط، الخارجية المتحالفة مع النخب المتسلطة، وكاشفا لابتزاز التيارات الدينية لعواطفه وانحيازاته الروحية، وآلامه النفسية ومعاناته الاجتماعية.
ماذا وسط الموت ؟!!
إذا كان الجمود موتا، واحتكار مفاتيح المستقبل وإغلاقه موتا، والاستسلام للأغلال التي تصنعها النخب السياسية والدينية موتا، فمن أين يمكن أن يأتي الأمل؟!!
- هل يمكن أن تطور تيارات جديدة أكثر تعبيرا عن الواقع وفرصه؟!!
- هل يمكن أن نشهد مراجعات حقيقية، واتجاهات متنوعة داخل التيارات الدينية "المعتدلة"؟!!!
- هل يمكن أن نرى يسارا جديدا أو ليبرالية جديدة بحق بحيث يتصالحا مع ثقافة الناس واختياراتهم الروحية دون السقوط في تكرار خبرة التيارات الدينية أو مجرد نقدها دون تقديم جديد ممكن إنجازه؟!
- هل يمكن أن تتغير خريطة موازين القوى الخارجية فتتحرك قوى مناهضة العولمة النيوليبرالية، ضد الحرب لتصبح في المتن عبر مواقف رسمية وإجراءات عملية.
- هل يمكن أن نرى يسارا جديدا بحق يتصالح مع ثقافة الناس واختياراتهم الروحية والنفسية دون أن يسقط في فخ التعصب أو الاقتصار على تضخيم الشكليات كما حدث في التيارات الدينية؟!!
- هل يمكن أن تتغير خريطة موازين القوى الخارجية فتتحرك قوى المناهضة للعولمة النيوليبرالية، كما حدث في حالة المقاطعة الدولية لدولة الفصل العنصري، ونظام الأبارتهيد في جنوب إفريقيا حتى سقوطه في منتصف التسعينات؟!!
- هل يمكن تحريك الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط عبر تمريض النخب المتسلطة أو إجبارها على إجراءات ديمقراطية حقيقية ولو متدرجة؟!!
- هل يمكن تحرير بعض الأراضي الفلسطينية من الاحتلال، ووقف الإذلال اليومي للفلسطينيين بما يغريهم باستعادة الأمل بالسلام؟!!
وهل يمكن تشجيع وتنشيط بيئة حوار ومراجعة ونقد ذاتي وتحالفات أمل بين الأجيال الجديدة من التيارات المختلفة؟!!
يبدو أن الأطراف الغربية والأطراف المحلية في منطقة الشرق الأوسط أمامها مراجع عمل كثيرة، فهل يقوم كل طرف بدوره بدلا من إلقاء اللوم على الآخرين أو الاكتفاء بالفرجة على ما يحصل.
هل يمكن أن تخرج الحياة من قلب الموت المحيط بنا كما خرج طائر العنقاء من الرماد، أم أن هذا لا يحدث إلا في الأساطير؟!!!
اقرأ أيضا فلسطين..... الجهاد في متناول الجميع
الكاتب: د. أحمد عبدالله
نشرت على الموقع بتاريخ: 06/06/2004
|
|
|
|
|
|
المواد والآراء المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
Copyright @2010 Maganin.com, Established by: Prof.Dr. Wa-il Abou Hendy - , Powered by
GoOnWeb.Com
|
حقوق الطبع محفوظة لموقع مجانين.كوم ©
|
|