إغلاق
 

Bookmark and Share

حالة إعجاب بالإعلام العربي ::

الكاتب: أحمد العربي
نشرت على الموقع بتاريخ: 08/03/2007

العَرب أمَة لا تعرف أن تتحد، واليهود شرذمة صُنع منهم أمّة وهميّة. هذه حقيقة إحدى المغالطات السياسية والاجتماعية التي نحياها، حيث تمثّل سمة من سمات الصدوع الحضاريّة التي اتّسعت بجدران حضارتنا في القرون الخمس الأخيرة.

لقد استطاع الصهاينة أن يكسبوا تأييد الشعوب الغربيّة لقضيتهم، مستعينين بالطاقات العلمية والفكرية والاقتصاديّة فيهم ولا عجب، فهم قد أفرزوا ذواتهم من عمق المجتمعات الأوربيّة، التي كانت تتفجّر غرورا بقدراتها الصناعية والعلميّة. لذا، لم يجد الصهاينة كبير مشقّة بكسب أولى جولاتهم ضد العرب، الذين لم يكونوا يومها سوى جموع ذات ثقافة قرويّة وأميّة بحال وئام مع التخلّف الذي زرعه العثماني المفتتن بأوروبا (وقد ورثنا عنه اللافتتان بها) ولاهثا خلف بريقها. لذا كان الصهاينة شرسين مع العرب، ذلك لأنهم قد فهموا بأن هذه الأميّة والجهل الثقافي لن يستمرا إلى الأبد، وأن عليهم أن يشنّوا حربا جديدة تناسب المرحلة التي ستأتي، ولذا كان ضروريا أن يستفاد أعلى درجات الاستفادة من مرحلة العنف الشامل، حتى يمكن جني ثمارها بالمرحلة التالية من الحرب.

وتعاقبت الأيام على الأمة العربيّة، وصارت الأحداث السياسية العنيفة تتراكم باليوميات العربيّة لهذا الشعب، حتى أواخر صيف 1978 حيث بدأت مرحلة جديدة بالتعامل الصهيوني مع العرب، وكانت "كامب ديفيد" نقطة الانطلاق. بدأ الصهاينة معركة أشرس بفرض الواقع العربي على العرب أنفسهم، ودفعهم لفكرة قبول الوجود الأشكنازي والسفرديمي والفلاشي وغيره على أرض فلسطين، وبدأت مرحلة غسيل العقل العرب وكان هدف كامب ديفيد البعيد هو تنسيق الأرضية والأرصفة المناسبة، لتحط عليها الأفكار الصهيونية بسلاسة وسلام في موانئ العقول العربيّة.

كان على الصهاينة أن يسيطروا على الإعلام العربي بشكل جزئي تصاعدي، وأن يحيطوا بالمعلومات كي تصل كما يريدونها للعقل العربي، وتجنيد أكبر كتّاب عرب وتفعيل الفكر الليبرالي ومفاهيم العولمة التي تنتهي بالمواطن العربي لتقبل فكرة التسامح مع لصوص الأرض والتأريخ. وما حصل أن العرب لم يكسبوا أي جولة إعلامية أو ثقافية ضد الصهاينة، إذ بقوا تحت رحمة ضمائر قليلة لكتاب يؤمنون بمظلوميتهم، وأغلب هذه الضمائر القليلة تنطوي بزوايا الصمت مخافة النقد لها. صار العرب يتناقلون رأيا لجارسيّا ماركيز مثلا حينما يناصرهم، لكنهم يسهون أن ماركيز نفسه قد حضر عشرات المؤتمرات التي تندد بالمحرقة وتشيد بالحق اليهودي بأن يكون لهم دولة في فلسطين. لم يكذب الرجل، بل أفصح بأنه تلقى طلبات من سفارات ومثقفين يهود لحضور هذه المؤتمرات، وأنه قد تلقى مبالغا أيضا بعض الأحيان، أو عروضا سخيّة بالدعاية لكتبه. ونحن نتحدث عن "ماركيز" المتزوج من مرسيدس باشا المسيحية المصرية الأصل، وليس عن كتّاب ذوي توجه صهيوني.

وبالمقابل، نجد أن العرب عاجزين عن فعل الكثير إعلاميا، ومن النادر أن يصل فيلم "عربي" للسينما الغربية بشكل واسع، اللهم عدى أفلام مصطفى العقّاد، الذي قتله إرهابيو القاعدة كشكر على جهوده. ولكن عليّ أن أعترف، بأن الإعجاب يملؤني تجاه الإعلام العربي مؤخرا، لأنه أستطاع أن ينجز إنجازا فخما وضخما، الأمر الذي يعني أنه "قادر" على إنجازات كهذه، ولكنه لا يرغب بأن ينجزها ضد الصهاينة وإنما في وجهات مختلفة.

ليس من السهل ترسيخ فكرة معينة في 300 مليون عقل عربي بسهولة، ولكن قنوات كالجزيرة والعربية وغيرهن قد استطعن فعل هذا، وهو أمر يستحق كل إعجاب. يستحق الإعجاب، لأن العقل العربي معروف برغبته بالتمسك بما يراه صحيحا، وغالبا ما يكون هذا الرأي بعيدا عن ما هو منطقي أو موضوعي، لا بل إن المنطق والموضوعية بحد ذاتهما ليسا بالأهمية أو المعرفة الكافية في الوجدان العربي الجمعي، ولذا فبث فكرة واحدة تقنع الكل، لهو إنجاز فريد.

لم تكن الفكرة موجهة ضد سرقة البيوت الفلسطينية، ولا ضد نسب البطالة والأميّة والعنوسة بالعالم العربي، أو ضد الجهل الثقافي المرعب والمخزي الذي يمر به العرب. كانت الفكرة التي تغيرت هي العراق وما الذي حلّ به إنجاز عظيم، أن تتحول طائفة بحد ذاتها لشماعة الفشل العربي الحضاري والتأريخي.

مدهش أن تتمكن الفضائيات العربية بدهس الحقائق، وأن تعتبر أن "الشيعة" هم المسؤولين عن سقوط بغداد بأيدي المغول. وأن نفس هذه الطائفة هي المسؤولة عن سقوط العراق بيد الجيش الأمريكي والبريطاني، وأنها هي الطائفة التي تقتل وتذبح وتسلب. مدهش أن تقنع الفضائيات العربية العرب بأن الشيعة ليسوا عربا، بأن الشيعة يزنون بأخواتهم سرا، بأنهم كفرة ومحرفين للقرآن ومضللين وعملاء للفرس ولكل أمّة سوى العرب.

عجيب حقا أن يقبل العقل العربي بأن يوافق على أن تنجمع كل هذه الاتهامات الشيطانية بطائفة واحدة، ولكن المنطقية والموضوعية والإنصاف ليست من ما يهم العقل العربي على أيّة حال. يهمه أن يُخدع بأن يكون لصا وقرويا كصدام حسين رئيسا "شرعيا" للعراق، رغم أن المنطقية والموضوعية تدينان هذا، فصدام اعتلى الحكم بشكل ديكتاتوري لا يحمل أدنى شرعية. ومذهل أن يقام العزاء على إعدام صدام، وأن يشكل يوم الإعدام فرقا ما في حياة الوجدان العربي النائم، مع غض النظر عن المصائب المدوية التي حدثت بزمن صدام. مدهش أن يهزم "علي الكيار" آرنولد بطولة كما الأجسام بعام 1968، وينتهي آرنولد رئيسا لكاليفورنيا، والكيار سائقا للتاكسي ومصاب بالقلب. ومع هذا، استطاع الإعلام العربي أن يحوّل صدام لشهيد الأمّة العربية.

كان صدام قد أعدم 300 ألف إنسان بشهر أبريل في عام 1992، ولم يحرك الإعلام العربي ساكنا، ولكن اليوم صارت القيامة تقوم عندما يقتل زرقاويا أو بعثيا أو لقيطا من لقطاء القاعدة والإرهاب الطائفي المنظّم. الحقيقة، أن غسل العقول وتخدير الوجدان والضمير إنما هو إنجاز عظيم، وإنجاز هائل أن يتحول 70% من عرب العراق لمجوس وتابعين لإيران، وأن يتحول هذا الشعب لمهد للأمريكي، في حين أن قناة السويس والخليج العربي ما فتأت تستقبل الأمريكيين قواتا ومثقفين. الخيانة حكر على العراقي، لكنها "انفتاح وتعقل" عندما تطال الإنسان الخليجي، الذي لا يريد أن ينزل عن ظهر البعير ليومنا هذا، بل مصر على أن يركب العرب الجمال مثله. أي أن يحولهم من البيعة المدنيّة لثقافة القبيلة والبداوة، وهي -وفق الترتيب التأريخي- أقل قدرا من مرحلة الزراعة التي تسبق المدنيّة.

وعجيب أن يفقد إنسان عراقي عروبته بعد "لجولة" في إيران، بينما لا يفقدها الإرهابي السعودي الذي قد ارتحل لأفغانستان لقتل الأبرياء وبث الإسلام البدوي بأفغانستان، علما أن طريق فلسطين لا يضيّع دابة، وعلما أن "الإيراني" و"الأفغاني" هما أعجميان على حدٍ سواء، اللهم إلا إذا كانت هناك اعتبارات ثانية للتخوين تتعلق بطائفة كلا من هذان الأعجميان. عجيب وعجيب، والتناقضات كثيرة، إلا أن إعجابي يزداد، فقد كنت أحسب أن العرب بُله أغبياء بعالم الإعلام، ولكن الحقيقة أنهم ليسوا كذلك. فكونهم لا يؤثرون كثيرا بنصرة العرب بفلسطين، لا يعني بأنهم عاجزين عن إدخال الطائفية لكل بيت، محملة بكميات كبيرة من ثقافة الابتذال والإباحة في الوقت عينه. لذا، أنا أعيش حالة إعجاب شديد، فنحن العرب قادرين على شيء بعد أية حال، وإن كان هذا الشيء هو العمالة والإعلام الهادف لهدم ما تبقى لنا من إرث تأريخنا.

ويبقى العقل العربي، الإنسان العربي، الكيان العربي، الضمير العربي، المضارع العربي، يبقى حالة جامدة من كيان أسفنجي هش يتقبل أي رشح فكري أو درَن، وأعتقد بأن رحلة دفعه للكتاب والتحليل المنطقي هي رحلة بطولية، تستحق إعجابا أشد.

إلى الجحيم..
يا أيام.. يا ليالِ.. يا أحلام
فعدا قذارة مشابهة

واقرأ أيضاً:
ردا على المغالطات يقول العراقي الشريد
أمة الفن والبطولة بين الذات والتبعية
العِراق بين تصفية الحسابات...وصمت القبور مشاركة
لمحات عراقيّة (1)



الكاتب: أحمد العربي
نشرت على الموقع بتاريخ: 08/03/2007