|
|
|
الصحة النفسية في مواجهة الكوارث ::
الكاتب: د.داليا مؤمن
نشرت على الموقع بتاريخ: 12/01/2005
مقدمة:
نحن في العالم العربي لا نهتم اهتماما كبيرا بالرعاية النفسية للناس، ولا بالوسائل
المطلوبة لاحتواء تأثير الكروب والصدمات عليهم رغم أهمية هذا الموضوع، وسوف أتناول
هنا ثلاث محاور الأول يتعلق بمعنى كل من الصحة النفسية التي هي هدف موقعنا ومعنى
الكوارث، والثاني بالوقع النفسي للكارثة أما المحور الثالث فيتعلق بطرق التدخل
النفسي،
ولن أتعرض للآثار النفسية للكوارث باعتبار أننا عالجنا بعضها في مقالات
سابقة مثل:
اضطراب
ما بعد الصدمة
استمرار
الإحساس بالفجيعة أو الخسارة
|
|
أولا:
ماذا نعني بكل من الصحة النفسية والكارثة؟
1-
تعريف الصحة النفسية:
تعني الخلوَّ من الانحرافات السلوكية والأمراض والاضطرابات النفسية الواضحة، والرضا
عن النفس والثقة بها وحسن التفاعل مع المجتمع من خلال الشعور بالانتماء والالتزام
الأخلاقي والتحرر من الميول العدوانية، مما يؤدي إلى إقامة علاقات اجتماعية سليمة.
2-
تعريف الكارثة:
من وجهة نظر الإنسان العادي:
حالة تصيبه أو تصيب ذويه بصورة مفاجئة، ويشعر بأنها تشكل خطورة على حياته أو
حياتهم، وتجعله في أشد الحاجة إلى المساعدة الخارجية.
من وجهة نظر العاملين في مجال الطوارئ:
حالة تؤدي إلى الاستنفارِ السريع للطاقة الكامنة والمدربة لديهم، للقيام بما سبق أن
دربوا عليه من وسائل لتقديم المساعدة الطبية اللازمة لإنقاذ حياة المصابين.
3- أنواع الكوارث:
هناك كوارث فردية وأخرى جماعية، وما يعنينا هنا هو الكوارث الجماعية وتعرف طبقاً
للبعد الاجتماعي والنفسي بأنها:
حدث سلبي مفاجئ يجلب عدم الرضا، ويؤدي إلى كثير من الضحايا، وقد يفوق إمكانيات
الإنقاذ حين يدمر وظائف المجتمع من إنتاج وتوزيع الطاقة والمياه والغذاء، ويؤثر على
دورة الأشخاص والبضائع، كما يؤثر على الأمن والنظام، ويعوق القدرة على إيواء
الضحايا. ويمكن اعتبار كل ضحية وشاهد ومسعف جريحاً في كبريائه الشخصي وكبريائه
الجماعي.
ثانياً: الوقع النفسي للكوارث
يتعرض كل من الضحايا والشهود والمنقذين والإداريين للوقع النفسي لأي كارثة ويتمثل
في الآتي:
أ-الوقع النفسي الفوري
يستمر (من10 دقائق إلى ساعة)
*
رد الفعل الطبيعي للكوارث:
يشعر الفرد بالذعر والإحساس بالتهديد مع الإحساس
بالقلق والتوتر وعدم الأمان والانتباه المركز والإعداد للحركة، وتحدث تغيرات
فسيولوجية من سرعة النبض إلى الغثيان والقيء واضطرابات الجهاز الهضمي...
*رد الفعل المدمر:
حالة من الكف (عدم القدرة على الحركة، الغباء، الانهيار
الوجداني) أو حالة من الهياج (هياج نفسي وعضلي ولفظي)، وقد نجد هلع (هروب غير منظم
–عنف وعدوان على الآخرين، هروب في الاتجاه الخاطئ نحو الخطر)، كذلك السلوك التلقائي
بالتقليد الأعمى وفقدان
الذاكرة الانتقائي.
*رد فعل مرضي:
مخاوف مرضية، هستيريا، قلق زائد، هوس، فصام، اكتئاب، هذآت حادة،
تشوش.
ب-الوقع النفسي العاجل:
(تستمر لفترة تتراوح بين ساعة وعدة ساعات)، وما يحدث فيها إما استمرار الوقع النفسي
الطبيعي أو حدوث الوقع النفسي بعد تأخره من 15 دقيقة إلى 6 ساعات، والأخير يشمل وقع
انفعالي (دموع- قلق-غضب)، وعضلي(رعشة –هياج عضلي)، وعصبي (سرعة النبض- قيء). وقد
نلاحظ حالة مرح مرضية أو بداية اضطراب ما بعد الصدمة.
ومن المعروف أن الأشخاص في هذه المرحلة يتسمون بسمات مختلفة: كإطاعة الأوامر
–المساعدة – القيادة- الرغبة في الهرب –الشعور بالكارثة.
جـ-الوقع النفسي المتأخر (من أيام إلى شهور أو سنوات)
يكون لدى الناس رغبة في الحياة أو بدء واستمرارية زملة أعراض ما بعد الصدمة
Posttraumatic Stress Disorder ، أو قلق
عام Generalized Anxiety–مخاوف –هستيريا- عدوان
Aggression–محاولات انتحار Suicidal
Attempts.
ثالثاً:
طرق التدخل النفسي:
لما كانت المستشفيات هي المكان الرئيسي الذي يجب أن يتعامل مع الكارثة، فيجب على
المستشفيات وضع الخطط اللازمة للتعامل مع الكارثة والتدريب عليها بدقة وبطريقة
منظمة. ومن ذلك تصنيف المصابين حيث يقوم المسعفين بوضع بطاقات من ثلاث ألوان (الكود
الثلاثي) تعبر عن حالة المريض وأولوية التعامل معه:
اللون الأحمر: حالة تعاني من إصابات تؤدي إلى الوفاة.
اللون الأصفر: حالة تعاني من إصابات تهدد الحياة وتحتاج إلى الملاحظة الجيدة أو
التدخل.
اللون الأخضر: الحالات المستقرة والإصابة لا تهدد الحياة.
من يتعامل مع المصابين داخل المستشفيات؟
فرق طبية متعددة ومنها فريق التعامل النفسي ويشمل الأطباء النفسيين والأخصائيين
النفسيين والممرضات النفسيات، وهذا الفريق يتعامل مع مصابي اللون الأصفر والأخضر
وقد يتعامل مع أفرد لا يعانون من إصابات بدنية على الإطلاق بل إصابات نفسية فقط.
ومن المهم ألا ننسى أن نهتم بالمنقذين وفرق الطوارئ.
مجالات التعامل يجب التعامل الطبي والنفسي مع الكارثة طبقاً للمنطقة وما حولها،
وطبقا للمرحلة.
أولاً: بالنسبة للتعامل طبقا للمنطقة:
منطقة وقع الكارثة، ثم منطقة الدمار الكامل، ثم منطقة محيطة بالموقع، وأخيراً
المنطقة الخارجية.
ثانيا:
طبقا للمرحلة:
في المرحلة الأولى من حدوث الكارثة هناك ضغوط نفسية شديدة ونحتاج من العاملين إلى
تركيز شديد عند فرز المصابين وتحمل غضبهم وعدوانهم. أما في المرحلة الثانية فيكون
لدى الناس رغبة في إطاعة الأوامر وتقديم المساعدة للغير....، أما ما
بعد الكارثة
فيتطلب الأمر تقديم العلاج النفسي لمن أصيبوا بالاضطرابات النفسية.
أ- التدخل النفسي الفوري(Immediate
psychological care)
- ليس من المنطقي أن ننتظر من الضحايا أن يأتوا إلينا
- من الضروري أن نذهب إلى الضحايا ونتحدث معهم
- نقوم بفرز الإصابات النفسية
- يمكن ملاحظة عدة تصرفات تشير أن الشخص في حاجة إلى تدخل نفسي: عدم راحة وهياج
وكلام غير مترابط، أو هلع وهروب صعب التحكم فيه، وفي بعض الأحيان الجري مباشرة نحو
مصدر الخطر، أو جمود حركي وكف و تشوش وجداني
- يجب إجلاء الحالات الشديدة إلى المستشفيات
- إعطاء كل حالة بطاقة معلومات عن الأعراض الخاصة بالتوتر النفسي وأماكن الاستشارة
- متابعة الضحايا داخل المستشفى
- متابعة الضحايا بعد الخروج من المستشفى
*
وجدنا الطريقة التي تهدئ الناس وتجعلهم يشعرون بالأمان من خلال المبادئ الست:
1-اجعل الخبرة الأولى شخصية أي خاصة بالشخص نفسه:
• من الضروري –من الناحية الإنسانية- أن تقدم نفسك لهم وتشرح لهم سبب وجودك هنا
• من الضروري أن تسأل الضحايا عن أسمائهم
2-
طمئن الضحية واجعله يشعر بالأمان
• بعض الضحايا يشعر باليأس ويبحث عن الاطمئنان
• للصدمة تأثير مدمر حيث تخلق شرخاً في البناء النفسي، وعلى الأخصائي النفسي أن
يساعد الضحية على احتواء الألم النفسي في المرة الأولى ويعبر عنه في المرة الثانية
3-
اشملهم بالعناية الكاملة
• يحتاج الضحية إلى الدفء والشراب والأكل ومن المهم توفير الحاجات الأساسية له
• المساندة عن قرب تساعد الضحايا الذين واجهوا الموت أو الأذى النفسي والبدني: ومن
المهم توفير الدعم النفسي لهم
• من المهم توفير حاجاتهم الاجتماعية، فقد يطلب أحدهم الاتصال بشخص آخر
• اهتم بالحاجات المعرفية (العقلية)
• اشرح لهم ما حدث بالفعل وما يحدث الآن
4-اهتم بهم
وأبعدهم عن مصدر الخطر
• الضحايا في حالة صدمة وعلينا أن نبعدهم عن كل مناخ عدواني
• من المهم أن نحميهم من
إزعاج الصحافة والشرطة
• في بعض الأحيان من المفيد
إبعاد الضحية عن أسرته حتى تتم الإسعافات الأولية
5-المناقشة الجماعية
• دع الضحايا يتحدثون معا إذا شعرت أن ذلك مناسباً
- إذا كانوا أسرة فإن التدخل قصير المدى يجب أن يركز على القدرة على التكيف
والتأقلم
- الأفراد الناجون قد يخلقون شعورا بالانتماء للمجتمع الإنساني
• المناقشة الجماعية تسهل التعامل مع الآلام الناتجة من الصراع حول الوجود
الإنساني، وإلا فقد يستحيل العودة إلى الحياة الطبيعية
• المناقشة الجماعية تقلل الصراع داخل المجموعة وتقلل العنف المحتمل
6- دعمهم نفسياً
• عليك أن تلاحظ الأعراض والتصرفات المختلفة
• قد يشير بعضها إلى اضطراب ما بعد الصدمة
أو غيره من الاضطرابات
• إذا أمكن فعلينا أن نحدد المنحى العلاجي الضروري، فنجد أن الخوف والهلع
والإحساس
بالذنب كلها تعبر عن وجود صدمة نفسية
ب-
العناية النفسية العاجلة(Post-immediate
psychological care)
لمن تقدم هذه الخدمة؟
للضحايا –والمنقذين والمتخصصين.
أين ومتى؟
- بعد يومين إلى عشرين يوم من حدوث الكارثة
- في مكان آمن وهادئ ومغلق
الأهداف:
- لابد أن تكون تدخلات علاجية بالتعبير عن الخبرة الصدمية
ثلاث أنواع من التدخلات:
1-
المقابلة الشخصية
(The individual interview)
• تمثل علاج نفسي مبكر مبني على مقابلة شخصين معا
• يجب أن ينصت الضحية أولاً حتى إذا أعطي الحدث الصدمي الأولوية
• يهدف المعالج دائماً إلى استخراج ما بداخل الشخص فيما يخص الصدمة
• تعتبر فرصة لاستخراج الصدمات الدفينة والحزن المبكر
2- المناقشة الجماعية:(The
discussion group)
• تجرى للأشخاص الذين واجهوا أحداثا حرجة ويحتاجون للمقابلة للتحدث عن تجاربهم
• للسياح في مكان عام
• لمجوعة من الناجين
• للأطفال في المدارس
أهداف المناقشة الجماعية:
*إن المشاركة في مجموعة تخلق داخل المشاركين شعورا بأنهم ينتمون إلى المجتمع
الإنساني المدمر
* تمثل المجموعة شكلا مناسبا للمناقشة على أساس الترابط الاجتماعي
* تعطي التفاعلات الناتجة عن تجارب المشاركين مصادر وقوة غير متوقعة داخل المجموعة
* مواجهة الاختلافات تيسر التعامل مع بقايا الألم الناتج عن الصراع الإنساني، وبدون
قد يصعب استئناف الحياة العادية
3-
التفريغ النفسي:(The
psychological debriefing)
-يجرى للمتخصصين الذين يعملون معا في جو متشابه بعد حدوث الكارثة مثل:
- المسعفون العائدون من الموقع
- مجموعة أشخاص واجهوا الكارثة
- المتخصصون الذين واجهوا تهديدات أو أخطار حقيقية أثناء عملهم
- المنقذون العائدون من أداء مهامهم
خطوات التفريغ النفسي
• أولاً:
يعبر كل منهم عن الأفكار التي خطرت بباله أثناء الحدث، وهي عملية تنفيس
•
ثانياً: يقوم كل منهم بشرح الأعراض التي مازال يعاني منها: جسدية-
وجدانية-معرفية. ونجد أن بعض المشاركين قد يشعر بالندم أو العار ومن المهم أن
يعبروا عن ذلك، فهي اللحظة التي تساعد كل منهم على أن يتعرف عن من لديه تجربة صدمية.
ويحتاجون نوع آخر من المساعدة
• ثالثاً: يشرح كل منهم كيف يتصور المستقبل وحجم التغير الذي طرأ في حياته
• رابعاً الخلاصة: يقوم عضوان من المجموعة بتلخيص ما فهموه من عملية التفريغ
من الخطوات 1 و2 و3
يعبر كل ضحية عن رؤيته للحاضر والماضي والمستقبل. حيث كثيراً ما
يشعر بعض الناس بالذنب والخجل بعد أن أصبحوا ضحاياً فمثلاً نتحدث عن إحساس أحد
الناجين بالذنب وعن خجل شخص تعرض لسوء المعاملة. إذاً نبدأ من داخل الشخص (شعور
وأفكار) لنصل إلى الخارج (سلوك).
نظرة مستقبلية:
يعتمد نجاح التدخلات النفسية بأنواعها على حسن اختيار الأشخاص والتدريب النفسي
الاجتماعي والقدرة على العمل الجماعي والتنظيم مع الإعلام إضافة إلى التقييم من
خلال أخصائي نفسي محايد. ولقد علمنا أن كلية الطب بجامعة الزقازيق بمصر بصدد إنشاء
درجة علمية لطب الكوارث وأنه تجري حاليا سيناريوهات حقيقية عن دور فرق الإنقاذ في
مواجهة الكوارث، وهو اتجاه محمود نرجو أن يعمم وأن يشمل –فيما يشمل- الاهتمام
بالجانب النفسي.
د.داليا مؤمن
مدرس علم النفس بآداب عين شمس
اقرأ أيضاً على
صفحتنا فلسطين يد بيد
كرب ما بعد
الصدمة PTSD
صدمات
الطفولة
التعامل مع الضغوط التي يعيشها الفلسطينيون
استمرار
الإحساس بالفجيعة أو الخسارة
اضطراب
التأقلم
الكاتب: د.داليا مؤمن
نشرت على الموقع بتاريخ: 12/01/2005
|
|
|
|
|
|
المواد والآراء المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
Copyright @2010 Maganin.com, Established by: Prof.Dr. Wa-il Abou Hendy - , Powered by
GoOnWeb.Com
|
حقوق الطبع محفوظة لموقع مجانين.كوم ©
|
|