|
|
|
الصراع والأعراض - الكوابيس والرهابات ::
الكاتب: أ.د عبد الرحمن إبراهيم
نشرت على الموقع بتاريخ: 11/09/2008
السنوات الوسطى من الطفولة: الصراع والأعراض - الكوابيس والرهابات
المرحلة الأوديبية عند الصبية
"يا دكتور.. ابني رائع ولكن حين موعد نومه يبدأ بالشتائم والسلوك العنادي وحتى يمكن أن يضربني، لا أدري لماذا يخاف ويختلف سلوكه قبيل النوم.". إذا عدنا إلى ارتكاسات الأطفال المتوقعة خلال المرحلة الأوديبية من الحياة سنلاحظ أنه من الطبيعي أن يظهر لدى الأطفال أعراضاً معينة خلال هذه الفترة، فمثلاً: كثير من اضطرابات النوم حيث يجد الأطفال صعوبة في الذهاب للنوم وعندما ينامون يستيقظون بكوابيس مزعجة. لماذا يخاف الأطفال من الذهاب إلى النوم؟ يخافون لأن فرانكشتين مختبئ في الخزانة أو لأن دراكولا سيأتي عبر النافذة. إن هذه المخاوف تبدو للراشدين وهمية ولكنها متوقعة تماماً خلال هذا العمر وذلك بسبب حالة الأنا غير الناضجة.
إن هذه المرحلة هي التي يطور فيها الطفل رهابات عابرة Transient Phobias لذلك فهم يخافون الكلاب، الأرانب، النمور أو الوحوش... الخ. إن هذه المخاوف شائعة تزول بذاتها خلال بضع سنوات.
والآن لنعد إلى الصبي الصغير الذي يعيش علاقة متناقضة مع أبيه فهو يتمنى أن يذهب والده أو حتى يموت ولكنه يخاف أيضاً من أن والده يعرف ما يفكر به ابنه، وبنفس الوقت يحب أباه ويستمتع معه ويتمنى أن يصبح مثله. إن ذلك مأزق مريع بالنسبة للصبي، كيف يستطيع الطفل أن يستمر ولديه مثل هذه المشاعر القوية المتناقضة؟ إن إحدى الطرق التي يستطيع بها الأطفال في هذا العمر أن يعالجوا هذه المشاعر هي تشكيل الرهاب ذلك الخوف ذو القيمة التكيفية Adaptive Value بالنسبة لهم، فهم يأخذون ذلك الصراع الذي يعانون منه من خلال علاقتهم مع أهاليهم ليسقطوه على موضوع خارجي وهكذا يتخلصون من ذلك التناقض (الحب والخوف من نفس الشخص)، وهكذا فإن الطفل يظهر فجأة خوفاً من أن كلباً سيعضه بالرغم مع أنّه لم يسبق له أن تعرض لتجربة سيئة مع الكلاب، أو أنّه يصبح غير قادر على الذهاب للنوم لأن النمر أو الدب سوف يأتي لغرفته ولا جدوى من تأكيدك له بأنه لا يوجد أي نمر أو دب في الجوارن وهكذا فإن الخوف قد انتقل من الأب إلى موضوع يمكن تجنبه بسهولة أكبر.
إن الطفل الذي لديه رغبات عدوانية نحو والده ويخاف لأن الأب سينتقم من ابنه بسبب تلك الرغبات عندها سينتقل كل هذا الصراع للغوريلا مثلاً، فالطفل لا يحتمل أن يعيش بنفس المنزل مع إنسان يخاف منه ومن الأسهل عليه أن يتجنب حديقة الحيوانات على سبيل المثال من أن يتجنب أباه. وهكذا يعالج صراعه بتشكيل أعراضاً معينة. إن هذه الأعراض عند معظم الأطفال ستزول مع الوقت، حيث تختفي عند نضج الطفل وعندما يصبح مرتاحاً مع مشاعره الخاصة، ولكن هذه المخاوف تستمر عند بعض الناس على مدى الحياة ولكنها لا تؤثر بشكل جدّي على فعالية هؤلاء الناس، فكثير من الرهابات يمكن أن تتواجد دون أن يكون هناك تأثير على التكيف، فإذا ما كان لدى الرجل أو المرأة خوف من الارتفاعات فلا يؤثر ذلك على حياتهم أبداً حيث يمكن أن يتجنبوا السكن في الطوابق العليا من الأبنية الطابقية وتجنب الطائرات وقيادة السيارة في الجبال... الخ، عندها تكون فعالياتهم ناجحة تماماً.
عندما تستمر بعض هذه المخاوف حتى سن الرشد، عندها تتشكل سمات الشخصية تفقد اتصالها مع الصراعات التي ولدت تلك المخاوف وهذا ما يؤدي إلى بناء شخصية رهابية أو متحاشية Phobic Or Avoidant Personality تلك الشخصية المقيدة بمخاوف غير واقعية على مدى الحياة والتي تلجأ إلى التحاشي كطريقة للتعامل مع هذه المخاوف.
إن هذه الرهابات عند الأطفال تزعج الأهل كثيراً وأطباء الأطفال هم الأكثر تعرضاً لاستفسارات الأهل، فكثيراً ما يعرض عليهم طفل يُظهر فجأة خوفاً شديداً ويطالب الأهل أن يعرفوا إذا كان باستطاعتهم أن يقوموا بأي شيء من أجل ذلك، والجواب غالباً لا، إلا في حال تأثرت فعالية الطفل بها عندها يجب أن يبدأ بعلاج الطفل، فمثلاً الطفل الذي يخاف من الكلاب عندها يمكن للأهل أن يشتروا كلباً أو يذهبون مع الطفل إلى الريف أو حديقة الحيوانات حتى يتجاوز ابنهم هذا الخوف. ولكن إذا لم ينتهِ هذا الخوف بل بدأ ينتشر أي إذا بدأ الطفل بتجنب الخروج من المنزل أو عدم الذهاب إلى المدرسة أو إلى منازل إلى أصدقائه لأنه يمكن أن يشاهد كلباً هناك، عندها تتأثر فعاليته الحاضرة وتطوره المستقبلي. فإذا ما حددت حركته وحرية فعاليته عندها يجب أن نفكر بأن نقوم بعمل لنساعد الطفل لكي يفهم ويتجاوز هذا الخوف. ولكن لا يوجد أي داعي للتدخل عند حدوث الرهاب المؤقت والكوابيس المؤقتة لأنها تحدث كنتيجة لمحاولات الطفل أن يعالج صراعاته الأوديبية.
المبادرة ضد الشعور بالذنب سيخلق عند معظم الأطفال بدءاً من هذه الصراعات الحادثة في هذه الفترة من الحياة تغيرات كبيرة. إن أهم تغيّر هو تغيّر الأنا الأعلى Superego والأنا المثالي IdealEgo وهذا يعني أن هناك تحولاً من الصراعات الناشئة من رغبات الطفل المتعارضة مع العالم الخارجي إلى صراعات تدعى بالصراعات النفسية الداخلية Intrapsychic Conflict ، فرغبات الطفل المرفوضة ستعارض من قبل وسيط داخلي (الأنا الأعلى) وأن الشعور بالذنب الناشئ كنتيجة عدم موافقة الأنا الأعلى على تصرف سيجعل منه الحالة الخطيرة الأخيرة. وفي مصطلحات Erikson فإن الطفل سيطور مبادرة الشعور المتفاقم بالذنب بسبب الرغبات والحوافز الداخلية.
ماذا يحدث لهذه الصراعات الطفولية Childhood Conflict؟ إن معظم الناس لا يتذكرون كثيراً عن هذه الفترة من حياتهم وذلك بسبب آلية دفاعية تدعى بالكبت Repression والتي تبقي ذكريات مشاعرنا والتجارب التي صادفتنا في الطفولة المبكرة بعيدة عن الوعي في حالة لا شعورية وسوف نرى آثار تلك التجارب ومشتقاتها على حياة الفرد المستقبلية، فنحن لا نلاحظ تلك التجارب مباشرة إلا عند الأطفال. إن معظم السنوات الخمس أو الست الأولى من الحياة لا نعرف عنها شيئاً إلا نادراً لأنها غير متوفرة كذكريات شعورية.
إن تذكر معظم الناس لطفولتهم يبدأ من مرحلة المدرسة عدا بضع ذكريات قليلة ولهذا فإن ما تحدثت عنه في كل هذا الفصل يبدو غريباً لمعظم الناس حتى يلاحظوا ذلك عند أطفالهم أو عند المرضى الذين يعالجون، كما أن هناك آخرون عرفوا هذه المرحلة لأنهم خضعوا للعلاج أو التحليل النفسي، ونحن نحتاج أن نعرف المحتويات الغريبة الغامضة في عقل الطفل ولا شعوره وذلك إذا ما أردنا أن نفهم نماذج الفعاليات المضطربة والتي نصادفها كأطباء وكذلك أن نعرف أكثر عن الفعاليات الطبيعية Normal Functioning عند الأطفال.
المرجع: كتابي (كيف نفهم الطفل والمراهق) الصادر عن دار شعاع للنشر والعلوم 2007.
المصدر: المجلة الإلكترونية للشبكة العربية للعلوم النفسية
الكاتب: أ.د عبد الرحمن إبراهيم
نشرت على الموقع بتاريخ: 11/09/2008
|
|
|
|
|
|
المواد والآراء المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
Copyright @2010 Maganin.com, Established by: Prof.Dr. Wa-il Abou Hendy - , Powered by
GoOnWeb.Com
|
حقوق الطبع محفوظة لموقع مجانين.كوم ©
|
|