كابوس الجنس في ربع قرنأستسمحكم في التعقيب على موضوع "الرغبة الطبيعية وعقدة الجنس!" فأنا أرى أخي في الله الدكتور أحمد عبد الله وقد كأنه تعب من الحديث من موضوع الاستمناء؛ هيهات هيهات فحتى لو مرت عشرين سنة فسوف تتلقى أسئلة من هذا النوع؛ فقد قرأت أغلب الأجوبة التي عرضت في الموقع وهي إما أن تحاول إعطاء بعض النصائح لشغل النفس عن التفكير في الجنس وإما أن تعاتب بطريقة أو أخرى الذين يقومون بهذا العمل أو تلقي اللوم على المجتمع. لكن وبرأيي هناك شيء مهم يتم إغفاله أو تجاهله؛يقول مثل مغربي "اسأل المجرب لا تسأل الطبيب" أي اسأل الذي مر بالتجربة ولا تسأل الطبيب، وأنا هنا أتكلم من خلال تجربة شخصية؛ إن أكبر ما يؤرق أصحاب هذا النوع من المشاكل هي عقدة الذنب والتي تتولد في رأيي عن شيئين إما عن اعتقاد حرمة هذا العمل، وهذا لمن لا زالت مرجعيته إسلامية، وإما عن اعتقاد الشخص أنه غير قادر على الارتباط مع شريك من الجنس الآخر.المهم أن أهم شيء يجب في البداية قوله لصاحب المشكلة (وأعتقد جازما أنه ما يريد سماعه قبل أي شيء آخر) هو أنه ضحية مجتمع وأنه ليس مذنبا إلى تلك الدرجة التي يتصورها؛ فعلى افتراض أن هذا العمل حرام فإن المسألة تبقى بين الفرد وربه وملازمة الاستغفار والتوبة كل مرة، وسائل بأيدينا والحمد لله فإن رحمته أوسع بكثير من بعض العلماء الذين يقطعون الأمل ويصورون أن من يفعل هذه الأفعال من الدونية ومن الإثم بمكان لدرجة أنني (حسب ما أفهمه) أرى أنه أعظم إثما من الحاكم الذي يوالي الكفار؛ فخطابهم على هؤلاء أحن بكثير؛ أما إذا افترضنا أن الاستمناء جائز؛ فالمشكلة ستكون عندما يتم الإفراط في استعمالها وهذا كالإفراط في الطعام، يعد إسرافا وهو بالتأكيد منهي عنه ويجب اتخاذ طرق لإعادة الأمور لنصابها من شغل النفس والخ.إن حل عقدة الذنب أو على الأقل تهوينها هي المفتاح الرئيسي قبل بدء أي برنامج عملي، ولهذا أؤكد على ضرورة إعطائه المكانة الخاصة به قبل إسداء النصائح العملية. إن عقدة الذنب لا تقتصر على فشل أي برنامج عملي للتغيير ولكن على العكس تجعل الشخص يزداد انغماسا في أفعاله. من جهة أخرى أود أن أطرح سؤالا واحدا أود من خلاله جوابا واقعيا، كيف يتعامل الشاب من سن البلوغ (أربعة عشر) إلى سن الزواج (سن الخامسة والثلاثين أو الأربعين) أي طيلة ما يقرب خمسة وعشرين سنة(ربع قرن) مع رغبته الجنسية مع العلم أن هذا الشاب يعيش في مجتمع فيه من المؤثرات الجنسية سواء في الشارع والعمل والإعلام ما لا يوصف؟؟ وفقكم الله إلى كل خير وعافاكم الله مما ابتلى به غيركم. 11/06/2004
لم أتعب تماما بعد يا أخي الكريم... بفضل من تشجيعكم المستمر، وبفضل الله وحده من قبل ومن بعد، وأعرف أن ما يترسخ ثقافة شائعة وذهنية سائدة في أمتنا لن نزيحه نحن في سنة أو سنوات بل يحتاج إلى جهد أوسع من مجرد جهدنا، ووقت أطول من مجرد أعمارنا والله يفتح بين الحق وبين قومنا، وهو خير الفاتحين، وشكرا على مشاركتك الهامة. نعم.... يا أخي نحن بصدد عقدة بل عدة عقد، وكابوس بل علل مستفحلة في مساحة الجنس وتعاملنا معه كما في مساحات السياسة وشئون الدنيا والدين جميعها "تقريبا"!!!وفي الجنس ننافق ونكذب، ولعلك تشاهد قريبا على قناة راديو وتليفزيون العرب art حلقة من برنامج "البيوت أسرار" اشتركت أنا فيها مع آخرين، وناقشنا موضوع الزواج العرفي وكانت الأغلبية الساحقة من الحاضرين تنتقد، وتدافع عن الطريق الرسمي للزواج، لأنه أحفظ للحقوق، وأقرب لهدي الشرع...الخ، ثم بعد الحلقة عرفت أن بعض الحاضرين قد تواصلوا وتواصلن بحثا عن إقامة علاقات شرعية بالزواج العرفي –الذي كانوا يلعنونه منذ قليل– أو حتى علاقات غير شرعية، وليس عندي مشكلة من أن يفعل كل إنسان ما يحلو له، ويتحمل مسئوليته فالحلال بين والحرام بين، ولكن مشكلتي في الكذب والنفاق وأقنعة الازدواجية، وهذا ما يتعبني حقا، ويبدد طاقات أمتنا في اللف والدوران بدلا من الاعتراف بالحقائق ومواجهتها!!!وفي هذه الفجوة بين الحقائق والخطاب المعلن يضيع الشباب وهو يستمع إلى وعاظ كذبة يخوفونه ويرعبونه بالآية والحديث الشريف ويبالغون في التشديد والتحريم على غير حقيقة الأحكام الفقهية أو الأوضاع الواقعية، وهم يقدمون هذا وذاك بوصفه حكم الله ورسوله، والله ورسوله أبرياء من أغلب هذا الكلام المكذوب الصادر عمن يلوون ألسنتهم بالكلام لنحسبه فقها، وهو ليس سوى محض كذب وافتراء على الله وعلى الدين.وكم ناشدت وأناشدكم جميعا أن تردوا علينا، وأن تنتقدوا ما ترونه نقدا بغية تطوير ما نطرحه ليكون أنفع للناس، وأقرب للدين والواقع والحياة، وكم أرجو أن يكون هذا النقد في ضوء خبرات حياتكم الواقعية فنسمع من يقل لنا كلامكم هنا غير عملي أو ينطوي على مبالغة زائدة أو خطأ شرعي أو مثالية تتوهم أنها عملية واقعية... وهكذا وهذا المستوى من المتابعات والمشاركات هو الأرقى والأهم في تطوير خبرتنا معكم، وفي تطوير رسالتنا،
وعملنا المشترك نحن وأنتم، حتى نكون جميعا شركاء في النجاح، وأصدقك القول أن هذا النوع من النقد والردود ما زال الأضعف، وما زلنا نستقبل إما مديحا نشكر أصحابه عليه، ونرجو أن نكون جديرين به، وإما نقدا عاما يستنكر أو ينكر علينا محض الخوض في موضوعات بعينها، وكلاهما لا يفيدنا ولا يفيدكم بشيء، ولعلك تقرأ قريبا على إسلام أون لاين إجابة بعنوان أخونا والنساء والجنس...طيب.. أعود لرسالتك طبعا لدينا مشكلة جنسية مركبة كما ترى ونرى، بل ويرى حتى الأعمى فهي محسوسة الآن أكثر من ذي قبل، والمجتمع يدفن رأسه في الرمال كما تعود، وكما تدرب في مواجهة مشاكله، وهو ينتظر الفرج وانصلاح الأحوال بصلاح القابضين على الأمر، أو بمعجزة من السماء، أو غير ذلك من الحلول السحرية!!!والرغبة أو الغريزة الجنسية مثل بقية الغرائز تثور بالكبت، وتشتعل بالإثارة، وشبابنا ما بين كبت وإثارة، وهو لا يجد زواجا بسبب الظروف العامة –في أغلب الأحيان– ولكنه أيضا لا يستثمر طاقته في أي أنشطة أخرى، وغريزة الجنس مثل بقية الغرائز– تثور أكثر، وتتمدد أكثر عندما تنفرد بالتأثير والطلب على حساب بقية مطالب الجسد والروح والعقل والنفس، والنتيجة فتنة أكبر، وشهوات تضغط في فراغ من شأن الدنيا، وفراغ من فهم الدين الصحيح، وفي هذا المناخ تنشأ عقدة الذنب المضاعفة من ممارسة العادة السرية، وسط هذه البيئة الخاوية من أي نشاط غير التفكير في الجنس مع الحرمان منه في نفس الوقت، وكنت أرجو معك أن يكون التخفيف من الشعور بالذنب هو الحل، أو مجرد الإشارة إلى عدم الإسراف في ممارسة العادة كافيا لإرواء ظمأ المتعطش لحل فيخرج من الحلقة المفرغة التي يدور فيها،
وليت مجرد تعليق المشكلة برقبة المجتمع يكفي في تخفيف شعور الشاب الفرد أو الفتاة بالذنب، ولكن الأمر يبدو أوسع وأعمق، ورغم هذا حاولنا وما زلنا نحاول في هذه النقاط التي تطرحها، بل أرشدنا إلى آفاق ونقاط يعتبرها البعض تحررا زائدا أو ترخصا وتحللا، ولكننا نمضي وسنمضي بإذن الله غير عابئين بمستنقعات الكذب باسم الدين أو باسم غيره، "لأن الصدق منجاة" كما في الحديث، والمؤمن لا يكذب أبدا، ونحن نحب أن نكون من المؤمنين.باختصار لا يمكن أن نعتبر العادة السرية حلا للمشكلة الجنسية، ولكنه سبيل يلجأ إليه المضطر غالبا بوصفه أهون الأضرار أو المحرمات أو المكروهات، والحاجة تقدر بقدرها وكل أدرى بحاجته، وبهذا سيقابل الله، ولا نجلد أحدا، ولا نريد أن ننضم إلى طابور الكذبة والمنافقين وأصحاب الوجوه المتعددة، بل نقول ما نعرف، وأضيف أن وضع الغريزة الجنسية في حجمها وموضعها وسط بقية الغرائز والأنشطة هو الصواب والاعتدال والصحة النفسية والاجتماعية، وهو ما لا يحدث غالبا، فأصبحنا نعاني من انحرافات عديدة ناشئة عن مظالم متراكمة ومزمنة، ونحن نرفضهما معا: الظلم والانحراف، فهل موقفنا هذا غامض؟!!