الأخ العزيز........ عمار، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛ من خلال تاريخك الدراسي ومن بين ثنايا رسالتك يتضح أنك تتمتع بقدرات جيدة تسمح لك بالتفوق الدراسي والحياتي, ولكن هناك شيئا ما يعوق استفادتك من قدراتك، فالإنسان لا ينجح بذكائه فقط مهما كان مرتفعا, وإنما يحتاج أن يكون لديه دافع قوي يدفعه نحو هدف واضح يسعى إليه, ويحتاج أن تكون لديه مشاعر إيجابية نحو نفسه ونحو من حوله ونحو النجاح ونحو الحياة, ويحتاج للمثابرة حتى يتغلب على المصاعب التي تواجهه وهو في طريقه نحو النجاح, ويحتاج لبيئة مدعمة ومساندة.
أي أن النجاح هنا متعدد العوامل (قدرات عقلية كافية, هدف واضح, دافع قوي, مشاعر إيجابية, مثابرة, دعم أسري), والإحساس بالنجاح يدفع لمزيد من النجاح من خلال ما يسمى بالتعزيز الإيجابي.
والفشل أيضا متعدد العوامل (قدرات عقلية ضعيفة أو هدف ضعيف غير واضح أو دافع ضعيف أو مشاعر سلبية أو عدم مثابرة أو غياب الدعم والمساندة), والإحساس بالفشل يستدعي مزيدا من الفشل خاصة إذا اعتقد الشخص أنه مكتوب عليه الفشل نظرا لتكرار تجارب الفشل في حياته.
ويبدو أن هناك خللا لديك في وضوح الهدف (ربما يؤكده انتقالك من طب إلى صيدلة ولم تذكر سببا واضحا لذلك), أو خللا في الدافع أو ضعفا في المثابرة (ربما يشير إليها هروبك من الطب عند أول صعوبة تواجهك), ولديك مشاعر متناقضة عن نفسك فأنت تحلم بأن تكون شخصية عظيمة (من رافعي القرن الواحد والعشرين) ومع هذا ليست لديك الثقة الكافية لتحقيق ذلك على الرغم من امتلاكك للعديد من المواهب, بل إنك تميل إلى الاعتقاد بأنك ورثت (أو سترث) مرض الشيزوفرينيا عن أبيك, وأخشى أن يكون ذلك الاعتقاد تبريرا مريحا لك في توقفك عن النجاح والنمو, خاصة أن الأمراض النفسية أيضا متعددة العوامل والجزء الوراثي فيها ليس حتميا لإحداث المرض وإنما يحتاج لعوامل أخرى مساندة له كي يحدث المرض, بل أحيانا نجد في عائلات الفصاميين علماء ومبدعين وأحيانا عباقرة.
وما تعانيه باختصار هو أزمة نمو مظاهرها: عدم قدرتك على الإنجاز الدراسي وتوقفك عن الإنجاز في أي مجال آخر (رغم أنك تمتلك قدرات إبداعية متعددة كما ذكرت), وهذه الأزمة أحيانا تكون مدفوعة بعوامل داخلية (على سبيل المثال: عدم الاقتناع بالهدف, أو الخوف من النضج, أو الخوف من النجاح, أو الخوف من المسئولية, أو الرغبة في تدمير الذات عقابا لها على ذنب حقيقي أو متخيل)، أو بعوامل خارجية (مثل العناد مع الأسرة, أو محاولة عقابهم عن طريق الفشل, أو حرمانهم من نجاح ابنهم نظرا لأنهم لا يستحقون ذلك في نظره, أو إعلان التمرد والعدوان السلبي على الأسرة والمجتمع....الخ). ولم يتضح من رسالتك شيء عن الحالة العائلية أو الظروف النفسية والتي يمكن أن تكون كامنة (دون أن تدري بها) خلف هذا التوقف الدراسي والحياتي.
ونظرا لتكرار الفشل (الذي لم تتعود عليه) فقد أصابتك حالة من الاكتئاب أثرت أكثر وأكثر على وظائفك النفسية بحيث جعلتك أكثر عجزا عن مواصلة الطريق. ولا يبدو من خلال رسالتك أعراض واضحة لمرض الشيزوفرينيا (الفصام) الذي تخشاه, ويؤكد هذا أن الأستاذ الدكتور الفاضل الذي زرته قد وصف لك مضادات للاكتئاب وليس مضادات الذهان خوفا من الفصام.
ما زلت تحتاج لمواصلة علاج الاكتئاب الذي وصف لك كما أنك تحتاج للعلاج النفسي لمزيد من الاستبصار بأزمة النمو التي تمر بها ومعرفة أسبابها وكيفية اجتيازها, وقبل ذلك تتأكد من أن وجودك في كلية الصيدلة مبني على اختيارك وقناعتك بجدوى هذا النوع من الدراسة.
وأود أن أطمئنك أن كثيرين ممن مروا بهذه الأزمة وتجاوزوها بنجاح حققوا إنجازات عظيمة في حياتهم, وأنا أعتقد أنك قادر –بعون الله– على ذلك, حيث إنك متعلق بأسماء عدد من العظماء وتحلم أن تحقق شيئا مثلهم. |