الاستمناء بسم الله الرحمن الرحيم أولا أريد أن أشكركم على هذا الموقع الرائع ومن ثم أعرض مشكلتي التالية: يا سيدي أنا في العشرين من العمر وأعاني منذ لا يقل عن سبع سنوات من الإدمان على الاستمناء وأنا أقول إدمان لأنني حاولت كثيرا تركه ولكن دون جدوى ولقد سمعت وقرأت الكثير عن الاستمناء ولقد كانت الدراسات مقسومة إلى أن الاستمناء مضر بالصحة ضررا بالغا وبعض الدراسات تشير إلى انه غير مضر وأنا ضائع بين عدم قدرتي على تركه وبين قناعتي أنه مضر ولا أخفى عليكم أني في الفترة الأخيرة أصبحت أشعر بوخز في صدري وبنبضات قلبي بعد الممارسة مباشرة حتى أني اعتقدت أني سأموت بسكتة قلبية والسؤال هل الاستمناء مضر جدا وكيف التخلص منه وشكرا ،25/08/2003
الأخ السائل العزيز أهلا بك وشكرًا على إطرائك للصفحة، لقد أشرت في إفادتك إلى أنك سمعت وقرأت العديد أو الكثير من الدراسات المتعلقة بمشكلتك لكنك لم تستطع التوصل إلى حل لمشكلتك، ومن الواضح أن كثيرًا من المفاهيم تحتاج منك إلى إعادة النظر، وأنا أرجو منك بدايةً أن تعلم أن الغرض من حديثي إنما هو بيان ما هو خافٍ عليك كما ظهرَ في إفادتك فهناك عدةُ مفاهيم خاطئة ظهرت في ثنايا إفادتك أشعرتني بأنك رغم ما تقول أنك قرأته عن الموضوع لم تستطع تغيير تلك المفاهيم، ولابد من البداية أن أذكرَ لك الحديث المشهور للرسول عليه الصلاة والسلام: فقد ثبت في الصحيحين قوله-عليه الصلاة والسلام-:(( يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم)) صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأقول لك أن الخيارات المتاحة أمام الشاب الذي يعاني من لهيب غريزته الجنسية في مثل عمرك الآن هيَ أولاً أن يتزوج وثانيا إن لم يستطع فعليه بالصوم. وأما ما بعد ذلك إن لم ينقذه الصوم فإن الاستعفاف واجبٌ على كل مسلمٍ ومسلمةٍ كما جاء في سورة النور: قال تعالى" وليستعففْ الذين لا يجدون نكاحًا حنى يغنيهم الله من فضله" صدق الله العظيم الآية 33 سورة النور، فكيف يكونُ الاستعفاف؟ أو ما هو السبيل إلى الاستعفاف؟ لقد دأب المستشارون والمسئولون عن التربية بقول مجموعة من الأساليب للشاب الذي يسأل مثل هذا السؤال مثل: عليه أن يحاول شغل نفسه، عليه أن يحاول الانخراط في رياضةٍ ما أو هوايةٍ ما أو أن يتسامى، وما إلى ذلك من ردود مشهورة أنا أعرف أنك تعرفها كلها. وها أنت تقول لي أنك قرأت ردود المستشارين من قبل فلم تجد فيها ما يعينك، وأنا أقول لك بدايةً أن السبب في مشكلتك أصلاً ليست هيَ العادة السرية في حد ذاتها لماذا؟ لأن ما نعرفه طبيا من الناحية الفيزيولوجية هو أن العادة السرية (الاستمناء أو الاسترجاز) ليس لها أضرارٌ صحية، اللهم إلا في الحالات التي يسرف فيها الفاعل إسرافًا شديدًا، وليس ما ذكرته بمثل هذا الحد الذي نستطيع وصفه بالإسراف الشديد، ولجرأتنا في ذلك سببٌ هو أنك تصفه بالإدمان، ونحن نستشف من ذلك أنك كنت طوال السنوات السبع تلك تقاومه فتنجحُ أحيانًا وتفشل أحيانا ، وهو ما يعني أنك لم تكن مسرفًا بحالٍ من الأحوال. وأما من الناحية الطبية النفسية فإن العادة السرية أيضًا لا تضرُّ إلا في حالتين الأولى أن تؤدي إلى شعورٍ شديدٍ بالذنب ، وسببه ليست هيَ في ذاتها بقدر ما هو فكرة الفاعل عنها وعن حكمها في دينه، وأما الحالة الثانية فهيَ ما نسميه بالاستمناء أو الاسترجاز القهري Compulsive Masturbation ،وفيه يجد الفاعل نفسه مضطرًا لممارسة العادة السرية بصورةٍ قهريةٍ مبالغٍ فيها،وما أقدمه لك الآن قد يكونُ غريبًا على القارئ العربي الذي تعود آراءً أقل جرأة مع أنني سأستندُ أصلاً إلى التراث الموثوق وحسبي الله هو العالم بنيتي من ذلك، السؤال هو أنه مما تقدم شرعًا وطبا حديثًا ليست العادة السرية ما لم تنطبق عليها الشروط التي ذكرناها لك مضرةً من الناحية الجسدية ولا النفسية! فما معنى ذلك؟ ما معنى أن تكونَ العادة السرية غير ضارةٍ لا طبيا ولا نفسيا (إلا بشروط)، ثم تكونُ محرمةً كما هو الرأي الغالب بين الفقهاء؟ حقيقة الأمر يا بني كما اهتديت في بحثي، هو أن التحريم لم يأت من نصٍّ صريحٍ لا في الكتاب ولا في السنة ، فمن كتاب الله فسر بعضهم قوله تعالى في سورة المؤمنون:{ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ @ إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ @ فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ} صدق الله العظيم بأن من طلب شهوته وكان طلبه خارجاً عما أحل الله من الزوجة والسرّية فإنه يعتبر معتدياً لحدود الله، وهذا القول قال به أئمة السلف، وفسروا به الآية، وقالوا: إنها تدل على تحريم الاستمناء، لكن هناك بالطبع من فسروا الآيات بأنها تدل على تحريم الزنا وليس غير الزنا. والعادةُ السرية ليست اختراعًا جديدًا على البشر لم يكن موجودًا أيام الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام لكي يقول لي قائل أنها لو كانت موجودةً أو مشتهرةً أيام الرسول عليه الصلاة والسلام لحرمها، فهذه العادة معروفةٌ منذ تحسس الإنسان جسده وأعضاءه، أي منذ خلق الله البشر، وكان من شعراء الجاهلية من قال:إِذَا حَلَلْتَ بِوَادٍ لا أَنِيسَ بِهِ فَاجْلِدْ عُمَيْرَةَ لا عَيْبٌ ولا حَرَجُ وجلدُ عميرةَ هو الاسم العربي القديم للاستمناء، أي أنها كانت معروفةً أيام النبي عليه أفضل الصلاة والسلام ولم يثبت أنه حرمها، بل إن كل الأحاديث التي يتناقلها الناس وبعض المربين والشيوخ لكي يجلدوا بها ذوات الشباب المعذب هيَ إما أحاديثُ ضعيفة واهية السند وإما منكرةٌ جدا، ثم إن الحنابلة أجازوا الاستمناء عند الضرورة، والحنابلة كما هو معروف هم أشد المذاهب تمسكًا بالنصوص. بل إنني فوجئت أثناء بحثي في هذه النقطة بالتحديد أن ابن القيم رحمة الله عليه بعد أن أشار إلى حكم الاستمناء ورأي العلماء فيه نقل عن ابن عقيل أنّ أحمد بن حنبل نص على أنه يجوز ذلك عند الضرورة، وهذا لا خلاف فيه بين العلماء، لأنه قد اتفق العقلاء من أهل الكفر، فضلاً عن العلماء من أهل الإسلام أنّ الضرورات تبيح المحظورات، ولا حظ هنا أن الوحيد الذي يستطيع تقييم مدى قدرته على التحمل والصبر هو الشخص نفسه، وهو بالطبع مسئول أمام الله الذي هو أعلم منا بنفوسنا وما فيها بل إن ابن القيم رحمه الله نقل عن ابن عقيل رحمه الله تعالى كلام بعض العلماء في جواز استعمال الإكرنبج (وهو ما يقابل الـ Dildo) وغيره للمرأة عند الاضطرار، وأردفه بترجيح الحرمة لكون ذلك لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ، بل الثابت في السنة الصوم. فقال ابن القيم في كتابه بدائع الفوائد 4/905 (وإن كانت امرأة لا زوج لها واشتدت غلمتها فقال بعض أصحابنا يجوز لها اتخاذ الاكرنبج وهو شيء يعمل من جلود على صورة الذكر فتستدخله المرأة أو ما أشبه ذلك من قثاء وقرع صغار والصحيح عندي أنه لا يباح لأنّ النبي إنما أرشد صاحب الشهوة إذا عجز عن الزواج إلى الصوم). ما أرمي إليه من كل هذا الحديث يا أخي هو أن عقول المسلمين لم تكن مقفلةً "بالضبة والمفتاح" مثلما هيَ اليوم، فقل بربك ماذا يفعلُ الشاب اليوم بينما المثيرات تلفه من كل ناحيةٍ وبإلحاح، وبينما الزواج المعترف به اجتماعيا يكاد يكونُ مستحيلاً لمن هو في مقتبل العمر، والزواج العرفي حرام، وزواج المتعة حرام، والعادة السرية حرام؟ فما هو الحلال إذن ؟ إن فقهاءنا في حاجةٍ إلى فتح العقول وتشغيلها من جديد. بعد كل ذلك أريدك أن تنتبه إلى أن الغرض من كلامي ليس هو أن العادة السرية هي الحل، ولكنني فقط أقول لك أن اللجوء إليها عند الضرورة قد أجازه أنبه الفقهاء، وأنت في الأول والآخر مسئولٌ بنفسك عن نفسك أمام الله عز وجل عن تقييمك للضرورة التي تضطرك للجوء إليها، وهذه هيَ عظمة الإسلام. ونصل الآن إلى ما تعتبره أنت مشكلتك الحالية الأكبر وترجعه إلى عدم قدرتك على الاستغناء عن العادة السرية وتقول في إفادتك(ولا أخفى عليكم أني في الفترة الأخيرة أصبحت اشعر بوخز في صدري وبنبضات قلبي بعد الممارسة مباشرة حتى أني اعتقدت أني سأموت بسكتة قلبية والسؤال هل الاستمناء مضر جدا)، وليس هناك في تاريخنا العلمي من قال بذلك اللهم في حالات مرضى القلب الشديدة وعندما يمارسون الجنس دون حساب، المشكلة الحقيقية هنا هيَ اكتئابك والشعور المتضخم بالذنب لديك واللذان أفقداك الثقة بنفسك وقللا من قدرتك الحكم الصحيح على الأمور، وهذا هو ما يستلزم العلاج النفسي، ولكنني أود أن أذكرك بأن الملاذ الأول والأخير يجبُ أن يكونَ هو الله عز وجل، حتى وأنت ذاهبٌ إلى الطبيب النفسي، وأما النقطة الأخيرة التي أود أن تكونَ قد اقتنعت بها فهيَ أنك حملت العادةَ السرية ما لا تحتمل، مثلك في ذلك مثل كثيرين، وواقع الأمر أنه لم يحدث في تاريخ البشرية أن حمل سلوكٌ ما كثيرًا من التبعات والتهم التي هو بريء منها مثلما حملت العادة السرية، فهيَ السلوك البشري الوحيد الذي مورس من جميع الرجال إلا من عصم ربي، ومن نسبةٍ تصل إلى السبعين بالمائة من النساء، ورغم ذلك ظلت العادة السرية حتى منتصف القرن العشرين بمثابة الشماعة التي يعلق عليها الأطباءُ كل ما لا يجدون له من تفسير بما في ذلك الرجل الذي يعتبره كثيرون عالمًا إباحيا وهو سيجموند فرويد، فقد كان يرجع فرويد مرضًا كالوهن العصبي على سبيل المثال لممارسة العادة السرية، وأما رجال الدين المسيحي فكانوا يصبون جام غضبهم عليها لأن الجنس عند أغلبهم دنسٌ ما لم يكن بغرض الإخصاب ومفضيا إلى الحمل، وأما فقهاؤنا فقد كان خوف معظمهم منصبا على إمكانية أن يحجم الشبابُ عن الزواج إذا ما اكتفوا بالعادة السرية، إضافةً إلى ما كانَ شائعًا عن ضررها الطبي، وهو الضرر الذي كان كثيرون يتهمون به حتى الإسراف في الجماع الحلال، خاصةً عند علماء الشيعة، رغم أن كلا من الجماع والاستمناء أو الاسترجاز هيَ عملياتٌ فيزيولوجيةٌ طبيعية إذا توفرت القدرة الجسدية على أدائها في وقت ما، وهكذا حمل الجميع العادة السرية ما لا تحتمل وما هيَ بريئة منه وحدثَ ذلك طوال التاريخ ومازال يحدث، وفي النهاية أتمنى أن أكون قد وفقت في وضعك على أول طريق المصالحة مع نفسك، وأسأل الله لك التوفيق والسداد والزواج المبكر إن شاء الله وتابعنا بأخبارك.