الابنة السائلة؛شكرا على اهتمامك بالمشاركة إضافة إلى أوراق ملف "العائدين من الخليج " والحقيقة أن صفحتنا هذه تحاول أن تقوم ببدايات لدور التنبيه إلى ملفات وقضايا اجتماعية ونفسية جديرة بالدراسة لأنها هامة ومؤثرة، وغالبا لا يدرسها أحد من المختصين بالتعامل مع مثل هذه الأمور، وشعارنا دائما وهدفنا المستمر هو تشجيع المبادرات بأن يعود الناس إلى مسئوليتهم في إدارة شئون حياتهم ومناقشة قضاياهم والاهتمام بشئونهم بدلا من انتظار الجهات المسئولة، أو مناشدة الأطراف التي من المفترض أن تكون الفاعلة، وهدفنا هذا هو منهاج كامل ندعو إليه ونتبناه وبذلك تتجاوز صفحتنا ثنائية الدردشة والتنفيس إلى محاولة الفهم والتفهيم والحوار الدائم لتحريك العقول والجهود نحو الفعل الاجتماعي النشيط باتجاه التغيير الثقافي والاجتماعي والفكري لأن الناس هم أصحاب المصلحة الحقيقية، والضرورة الملحة لتغيير ما ينبغي تغييره.تأملت في قصتك وسألت نفسي كم من فتاة لم ترزقها الأقدار الرحيمة بظروف مثل ظروفك، وصديقات مثل صديقاتك المتشابهات معك في الظروف والخلفية لتصلن جميعا إلى شاطئ إنهاء الدراسة بسلام؟!!! وأين ذهبت الفتيات اللاتي لم يجدن هذه الفرصة، ولا ذلك الدعم؟!! وأين وصلت الفتيات اللاتي بدلا من ذلك أقمن مع الأهل أو وقعن في شباك بنات أو أبناء الحرام؟! ثم توقفت أمام قرار ارتداء الحجاب في مسار فتاة عربية عادية ربما لم تمارس من الحرية –بحكم الظروف– سوى أن (تترك شعرها للهواء يتخلله مندفعا من نافذة المترو)!!!، فخطر لي أن مساحة جسد الفتاة المحدود ربما تكون هي المساحة الوحيدة التي تمارس فيها حريتها، وربما لهذا السبب فإن اتخاذ قرار الحجاب من عدمه يكتسب ثقلا كبيرا، ويظل محور نقاش دائم مع الأخريات، ربما لأن أغلب الفتيات يرضخن في غير هذا القرار للظروف وللآباء والكبار والتقاليد....الخ، بينما تبقى هذه المساحة نسبيا، وأقول نسبيا مفتوحة لممارسة حق الحرية بالتصرف في جسدها ليس إلا!!!! وأمام الفتاة العربية معارك ينبغي أن نخوضها معها –وليس بالنيابة عنها- لتحصل على حريتها الشخصية التي منحها لها الشرع وحرمناها نحن منها باسم التقاليد، ومشاعر الخوف عليها، وطقوس الحماية الزائدة لها.ثم أمامها معارك أخرى لتمارس حريتها العامة فتكون إنسانا كاملا وفاعلا ومشاركا في الحياة الاجتماعية والسياسية بحسب الظروف والأحوال الخاصة بحياتها وأسرتها ومراحل عمرها ومطالب كل مرحلة، وبغير ذلك سنظل نجر قدما مشلولة أو شبه عاجزة أو كأن لدينا رئة مصابة بالعطب أو نصف دماغ مصاب بالسكتة، وهنيئا لنا ضياع النساء بين المحافظة المتشنجة والتمكين الزائف!!!ولا ينفصل هذا وذاك عن مسألة اختيار شريك الحياة فطالما المناخ السائد يسعد بتدليل الشباب فيظلون تافهين، وبحبس أنفاس الفتاة أو الاكتفاء بستر جسدها فتظل هي الأخرى مجرد أطلال إنسان فما هي قيمة ارتباط خواء بخواء؟!!!إذا كان الطالب الجامعي عندنا ممنوعا من ممارسة السياسة -تقريبا- وغير مدعو للمساهمة في نهضة بلاده أو حتى مناقشة قضاياها لأن أحدا لم يدعه، ولأن أحدا لا يناقش هذه القضايا غير "المسئولين" و"المختصين" ولا يبقى للشباب غير الكلام عن السيارات والرحلات والمطاعم، فماذا تناقش الفتيات يا آنستي؟!!هل يناقشن مستقبل هويتنا في ظل العولمة؟! أم يناقشن أثر البطالة في ارتفاع سن الزواج لدى الأجيال الشابة؟!!!جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأله عن الساعة "يوم القيامة"، فبادره الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام متسائلا: ماذا أعددت لها؟! وأنت والسيدة والدتك مثل كل فتاة وكل أم مشغولات بشريك الحياة والارتباط وإقامة أسرة وفتح بيت، فماذا أعددتن لهذا؟! هل كانت لدى والدتك الفرصة لتدربك كيف تسعدين زوجا وتتفاهمين معه؟! أو كيف تراعين طفلا وتربينه؟! هل تلقيت هذا التدريب والتكوين في أي مكان ومن أي مصدر؟!! الفتيات ينتظرن الارتباط فما هي إمكانيات وتكويناتهن الشخصية والمهارية لذلك؟!راجعي ملفات التعاسة الزوجية سبب الجهل العاطفي، وجهل الوالدية عندنا. هل تراني أقصدك أنت تحديدا؟!!هل تراني أتهم والدتك التي لا أعرفها؟!!! بالطبع تعرفين الإجابة، وهي أنني أشكرك على مساهمتك الرائعة التي فتحت المزيد من النقاش حول أوجاعنا ونواحي القصور لدينا، ولأننا نؤمن أن هذا النقاش المفتوح والمفتقد بطول عالمنا العربي وعرضه هو خطوة البداية على طريق العلاج، وتبقى الملفات كلها مفتوحة في انتظار المزيد من المشاركات والوعي والحركة.