الأخ والابن والصديق العزيز:ما أصدق كلماتك وأبلغها وأنت تروي لنا عن حبك الأول، وكم كتبت أنا -ولعلك قرأت- عن هذه المشاعر التي لا تتكرر أبداً في حياتنا: مشاعر الحب الأول، وهي هكذا جارفة ومزلزلة وحالمة، ولكن إلى أي مدى هي واقعية أي عملية وقابلة للاستمرار وللبناء عليها؟!!إن الحياة الزوجية لا تستمر أبداً على مجرد دفقات المشاعر وأحلام المستقبل، فما لم يكن لدى كل من الطرفين ما يتحمل به الآخر ويفهمه ويعطيه رغم شحه، وأدوار يلعبها في حياته، وإخلاص له لا يعدو عليه تلون ولا خيانة، ما لم تكن البنية التحتية قوية لتصمد أمام الأعاصير فإن السفينة تجنح وتغرق -ولو بعد حين .وتأمل معي بنفس هادئة: هل هذه الفتاة التي كنت تهيم في حبها وتشتاق هي إلى أنفاسك.. إلخ.. هل هذه الفتاة هي الزوجة الأنسب لشاب غير نمطي بالمرة؟!!أنت تريد أن تظل كما أنت.."حالة خاصة".. فأنت متمسك بالهوية، وبأداء دور نضالي ما في مسيرة بلدك، وأمتك، وترسم لنفسك مستقبلاً يتفق مع طموحاتك، ومواهبك، وتناسبك زوجة تجيد الأمومة والصمود في بيتها لتحافظ عليك وعلى أولادك، وعلى الجبهة الداخلية الخاصة بك-إن صح التعبير.فهل هذه الفتاة الرقيقة حتى الهشاشة، المترفة كعصفور الزينة الذي يهوى حياة القصور، ولو كان مرقده فيها قفص ذهبي لا ينفتح إلا لينتقل منه إلى قفص ذهبي آخر، ولا حياة له إلا أن يزقزق، وينفض ريشه، ويئن لصاحب القفص كي يعالجه إن أصابته أنفلونزا الطيور، وهمومه هي ألوان ريشه الملون كيف تظل مزدهرة؟؟ودرجة حرارة القفص وأين سنقضي الصيف هذا العام؟أي جنون –غير جنون الحب- يمكن أن يعمي عينيك عن حقيقة أن زواجك من هذه الفتاة سيكون كارثة حتمية لكما معاً؟؟!!جميل أن نحتفظ بذكريات جميلة عن مشاعر ومواقف موحية وملهمة، ولكن أن ننزلق فنعتقد أن هذا من الممكن أن يكون منطلقاً لحياة أسرة، واستمرار مشروع، وأداء أدوار كبرى فاسمح لي أن أقول لك أن هذا نوع من خداع البصر والبصيرة.أنا معك في أسباب التناقض، والرفض الظاهري من أمها له ما يبرره بما قلته أنت، وما يمكن أن أضيفه لك سواء تتوقعه أو لا تتوقعه: فالفتاة فعلاً لا تصلح أن تكون شريكة لك في الرحلة التي تخطط أنت لها، سواء كنت تقرر أنت تلعب دوراً في عالم السياسة أو الفلسفة أو غيرهما، فهي بتكوينها تتطلب رعاية خاصة، وتعاملاً لا يناسب ما يرشحك له ماضيك وتفكيرك.ربما أنت أحببت فيها ما تفتقده في عالمك وعالمنا من براءة إلى درجة الحمق، وجمالها الغض، وعينيها إلخ..، ولكن لاحظ معي الفارق حين تخوض هذه الحمقاء -والوصف مشتق من كلماتك عنها- معك غمار الحياة، والجولة الأولى والحاسمة كانت كما رأيت!!دعك من غطرسة الأم التي تحاول حماية نفسها وفشلها الشخصي وستره وراء قناع من الصلابة المدعاة، ودعك من مشكلة العراق والعراقيين، والشيعة والسنة، ودعك من مشاعر الغربة والاغتراب، التي تلقي بظلالها على الأمر برمته، ولا أقول دعك من هذا وذاك لأنه غير هام أبداً. قصدت أن تحاول وضعه جانباً لتتفحص الصورة دون مؤثرات مشوشة على متن القصة الأساسية، وستجد بعقلك الراجح وتفكيرك الثاقب، أن عصافير الزينة لا تعدو كونها كائنات جميلة ورقيقة ولكن للزينة فقط. أما النفع فله طيور أخرى، والزواج نفع قبل أن يكون زينة، وفيه من هذا وذاك طبعاً.هل معنى هذا أن تتزوج ابنة خالك؟ لا أنصحك أن تفعل-على الأقل الآن- فلا تتزوج إلا ممن تعتقد أنها قادرة على إسعادك، والنهوض معك بمسئولية أسرة وأحلام مستقبل ناجح بعون الله، ولن تفعل هي إلا إذا كنت أيضاً الراعي المحب لها.هذه استجابة سريعة لرسالتك، وقد أعود إليها فيما بعد، وخاصة لو أردت أنت تعليقاً على جزئية محددة، والله معنا ومعك.