السلام عليكم ورحمة الله وبركاته : دكتور وائل أنا بكرر إعجابي الشديد بحضرتك وبموقع مجانين والعاملين عليهعارفة إن حضرتك مشغول جدا ربنا يوفقك ويمكن ماتكنش في فرصة أنك ترد علي لأن سؤالي مش مشكلة لكن مجرد استفسار وأكيد في مشاكل تستدعي وقتك أكثر فلا ألح بطلب الرد عليَّسؤالي يا دكتورى العزيز أني كنت أقرأ في مشكلة على مجانين وطبعا رأي حضرتك مقدس عندي ومفيش مجال للنقاش. لفت انتباهي جملة حضرتك قولتها فسألت نفسي سؤال مالقتش إجابة يا ليت ألاقيها عند حضرتك"أنا أعرف كم قسوت عليك وكم قسوت عليه لكنني كمستشارٍ نفسي تأتمنينه على أسرار مشاعرك لا أستطيع أن أغشك مثلها، فمشاعرنا كلنا تخوننا كثيرًا وخاصةً عندما يتعلق الأمر بالوجود الافتراضي والكائنات التي نرسمها بأخيلتنا ونحن نعيش على الإنترنت "سؤالي باختصار شديد: هل المشاعر شيء متضاد تماما مع العقل وممكن أنها تتحكم في الإنسان زي شهواته كده؟وهل ممكن الإنسان يبني مشاعره بناءا على تفكير سليم من عقله ولا المشاعر شيء لا إرادي صعب نرسم له طريق ونوجهه؟مش هكثر كلام وياريت تعذرني على طريقة الكتابة بالعاميةتحياتي وأتمنى من الله أن أحظى بشرف الردالسلام عليكم 9/3/2005
السائلة العزيزة، أهلا وسهلا بك وشكرا على إطرائك الطيب، كم أسعدني أن تسألي سؤالك هذا بسبب ما قلته في ردي على واحدة من أوائل من زاروا مجانين واستخدموا خدمة الاستشارات فقد كانت المشكلة التي وردت فيها هذه العبارة وهي هل يوجد حب عن طريق النت ؟ متابعة ، قد ظهرت على الموقع بتاريخ 30/8/2003 أي في أول الأسبوع الثالث لانطلاق مجانين، كم يسعدنا أن نجد من يقرأ أرشيف أفكارنا، فيذكرنا بما نسينا أننا قلناه، شكرا لك.لست أدري لماذا نفكر في كثير من الأحيان بمنطق التطابق التام أو التناقض التام، وكأن لا شيء بين هذين الطرفين؟؟، ثم هل الذي تقصدينه بالمشاعر هو نفس ما كنت أقصده في إجابتي تلك؟ ولنبدأ بالرد على تساؤلك الأول : هل المشاعر شيء متضاد تماما مع العقل وممكن أنها تتحكم في الإنسان زي شهواته كده؟لن يمكنني أن أخوض معك في تفاصيل وتعاريف مشاعر الحب المعروفة أعراضا، مجهولة أسبابا في أغلب الأحيان رغم تلال وأحوال النظريات، ولعل في الأمر غيبا والغيب علمه عند الله، ومشاعر الحب غالبا ما يكونُ لها منطقها الخاص (أي عقلها الخاص)، والعقل الخاص دائما خطر على صاحبه من الناحية النفسية، ولكن رغم ذلك -كي لا أضيع الفكرة منك-، رغم ذلك لا نستطيع الحديث عن العقل وحده أو عن المشاعر وحدها بحيث يكونُ كلامنا قريبا من قلوب الناس وعقولهم في الوقت نفسه وهذا هو المطلوب في الجمهور المستهدف، باختصار من المستحيل هنا على مجانين أن نتكلم عن المشاعر بوصفها دائما منافية للمنطق، ونراها ترافق الأفكار العقلية وتتفاعل معها فتؤثر فيها وتتأثر بها، فكيف تكون المشاعر شيئا متضاد تماما مع العقل؟؟ والمفترض في المكلف الرشيد العاقل أنه يستطيع أن يتعامل مع تفاعلات نفسية كهذه، بحيث يظل متوازنا ما أبقى لعقله وتعقله يدا عليا لضبط سلوكياته، ولكن ضحايا المشاعر كثيرين جدا وهذا معروف، وإنما بلوانا الآن في ضحايا المعارف مع الأسف، فأن تكونَ تضحية محبٍّ من أجل مشاعره فيصبح ضحية مشاعره النبيلة، هذا أمرٌ جميلا لمن يريده، ونسأل الله ألا يندم عليه، ولكن هذا شيء وما نتكلم عنه الآن شيء آخر، فإنما هو سبب البلاء الآن هو أن يتحرك عشاق هذا الزمان دونما اهتمام كبير بمسألة العقل مع اعتبار ذلك مسموحا به بالضرورة لأنه "حب"، إذن فللمشاعر هنا اليد الطولى والعليا على السلوك، وغالبا ما تكونُ مثل تلك السلوكيات بوابة للشعور العاجل أو الآجل بالندم، ثم الشعور بالذنب، وربما الإسراف فيه وربما وربما، باختصار قد يسمح بعضُ بني الإنسان لمشاعرهم أن تتحكم في سلوكياتهم وتكون البلوى محملة بالبلاوي، إذا كانوا قد برروا ذلك لأنفسهم معرفيا بأنه بسبب الحب.أعود بك إلى بعض الكلام عن علاقة العلم "العقلاني- التجريبي" بالمشاعر: فهناكَ مشكلةٌ قديمةٌ للعلم مع المشاعر وهيَ أن المشاعرَ لا تتمتعُ دائمًا بالعِوَلِ Reliability (أو الثبات) المطلوب(أي أنها لا يمكنُ الوثوقُ بها مائة بالمائة)، فمشاعرنا يمكنُ أن تتأثرَ بأبسط التغيرات في كيمياء الدم مثلاً بنسبة السكر في الدم، أو مستوى هرمون معين، بل إن لدينا من الخبرة مع المرضى الذين تحدثُ لهم إصابات في المخ، ما يبينُ بوضوحٍ أن بعضَ هذه الإصاباتُ يمكنُ أن يحدثَ أعراضًا نفسيةً تتراوحُ ما بينَ الثقة التامة بل المتطرفة في صحةِ شيءٍ غير صحيح إلى الشك التام أو المتطرف في صحةِ شيءٍ صحيح، أي ما بينَ الفكرة الضلالية (ومثالها هنا أن تصاحب مشاعر وسلوكيات الحب من طرف واحد كاملة، ومعها فكرة ضلالية تدعمها ويحدث ذلك لطالبة في الجامعة تحسب أن أحد نجوم الفن أو الرياضة يحبها) وبين الفكرة التسلطية (عقل) التي قد تصاحبها مشاعر الحب والشوق والتوق والصدق كاملة، كما تصحبها أفعال قهرية كملاحقة ذلك النجم مثلا، وأحيانا كثيرة ما يكون النجم لا يعرف الضحية، -ضحية المرض طبعا-المهم أن تقييم المشاعر مشكلة علمية لم تحسم بعد، وأنت تسألين عن الإرادة، وهل يمكن أن تلغيها المشاعر؟ وسريعا أقول لك نعم في الحالات المرضية، فإذا اعتبرت الحالات من نوع وسواس الحب بحذافيره و و وسواس الحب الإليكتروني : وقف الحال ، أذا اعتبرت تلك حالات مرضية مثلما اعتبرتها أنا، فإنني أعتبر تلك إحالات مناسبة لتوضيح المقصود، وفعلا قد تلغي المشاعر العقل، والإرادة بالتالي. جزء من المشاعر يا ابنتي لا إرادي هذا صحيح، لكن الإسلام لم يقبل أبدًا أن تكون المشاعر قائدةً عليا للمسلم، إلا في لحظات سقوط التكليف العابرة أو الدائمة عنه، وهي لحظات المرض، ولهذا تكلم فقهاؤنا وشيوخنا ومبدعونا القدامى كابن القيم رحمه الله عن علاج العش وهو ما لخصه أخي الأكبر محمد شريف سالم علىمجانين في مقال:في علاج العشق ، تلخيص ابن القيم. بقي السؤال الأخير وهو سؤال أجمل من الأول، (وهل ممكن الإنسان يبني مشاعره بناءا على تفكير سليم من عقله ولا المشاعر شيء لا إرادي صعب نرسم له طريق ونوجهه؟)، ردي هو نعم وآخذ من حب يلي زواجا مبنيا على قواعد الاختيار السليمة كما في مشكلة ااختيار شريك الحياة : هل من ضابط ؟، أو عصفور النور: جناح المتعة وجناح المسئولية.، مثالا لي أشرح من خلاله:إذا سلمنا أولا بأن منطق الحب غير منطق الزواج، كما بينا في ردنا السابق للمتورط في العشق المدافع عن حقوق المكتئبين، وسلمنا كذلك بأن علينا كأناس عاقلين مسئولين على الأقل أمام أنفسنا أن نضع ضوابط لسلوكياتنا تجاه من نختار، أو من يصبح زوجا أو زوجة، معتبرين أن الحكم الذي يجب أن يعامل كل شريكه على أساسه هو الأخلاق الإسلامية الصحيحة، فالحب جزء من الزواج ولكنه ليس كله، كما بينت ونشرناه عن جريدة الأهرام في مدونات مجانين تحت عنوان : في مجتمعنا الإسلامي.حالة طلاق كل 6 دقائق ، إذا توفرت الآداب الصحيحة بين زوجين لم يتحابا قبل الزواج وكان كل منهما قد اختار اختيارا صحيحا فإن الاحتمال الأكبر هو أن السلوكيات التي سيفعلها كلا الطرفين معتمدين على العقل سوف تولد الحب بينهما، والغيب دائما مرجعه إلى الله، ولسنا في مجتمعات أسلامية حتى لأقول لك أن هناك دراسات عن حالنا، ولا أحسب العينات جاهزة، لأن أفكار الطب النفسي الاجتماعي الإسلامي ما تزال نحاول نشرها في نفس وقت تطويرها، ولكن عندنا من حكايات أجدادنا وجداتنا كثير قد يفيد يوما إذا وعيناه.يمكن إذن أن نرسم بالعقل ونبني المشاعر وستكونُ إنسانية أكثر من عكس ذلك الاتجاه، ولاحظي أنني أحصر الكلام على المثال الذي اخترته للحديث، كما أحسب أنني أجبت على كثير من أسئلتك ودعينا نتحاور على مجانين ولكن لا تغضبي مني إذا تأخرت مرةً عليك، وأهلا بك دائما.