عقدة في الحياةالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته : مرحبا أيها الدكتور العظيم وائل أبو هندي أنا فتاة في سن 14 أولا أريد أن أعبر عن إعجابي بك وفي حللك للمشاكل الذي يقدمها لك الزوار ومن قراءتي لأجوبتك وحلولك, تشجعت كثيرا لأعرض عليك أمر يخصني لا أعرف إذا كانت مشكلة أو كارثة ولكنني أعرف أنها نقص معين، وهي أنني معقدة كما يقول الآخرون عني, وأيضا تساؤلات كثيرة لا أعرف أجوبتها مثلا: من الله؟ كيف جاء؟ كيف السماء ليس لها نهاية؟ أسئلة كثيرة جدا ومن أعقد الأسئلة التي تواجهني هي: "من أنا" الكثيرون يضحكون ويستغربون عندما أتساءل عن هذا السؤال ولكنني أجد بهذا السؤال سؤال محير للغاية؟ في منتصف الليالي يدور في رأسي الكثير من الأسئلة مثلا ما هو الموت وكيف الإنسان يموت وهكذا, حتى أحيانا أتوصل أن هذا كله نابع من قلة الإيمان ولكن عندما أتقرب إلى الله وأحاول أن أصلي, لا أنجح بذلك (ربما من وسوسة الشيطان لي) وأيضا أعيش حياة معقدة مثلا إذا كان بيدي طابة ملونة (كرة) ألعب بها أقول في نفسي مثلا, (أولا أغمض عيني) وأقول إذا سقطت الكرة على اللون الأخضر هذا يعني أنني سوف أنجح أما إذا سقطت على الصفراء فهذا يعني أنني سوف أفشل. لا أدري على أي مبادئ أعيش ولكني مبلبلة كثيرا حاولت عمل جدول أسبوعي لتنظيم الوقت لأستغل وقتي في الأشياء المفيدة ولكنني لم أقدر.وسوف أستغل هذه الرسالة لأسألك عن شيء غريب يصادفني ويصادف الآخرين هو أنهم يرون مشاهد من الحياة وكأنهم رأوها من قبل مثلا: في لحظات معينة أصمت وأقول سوف يحدث كذا وكذا وفعلا يحدث البعض يقولون أن هذا ترونه في الأحلام ويتحقق في الواقع هل هذا صحيح؟.وشكرا لك وأرجو أن ترد لي الجواب على بريدي الالكتروني 14/3/2005
الابنة العزيزة أهلا وسهلا بك، ليست العظمة إلا لله وحده، جميلة مشكلتك هذه التي تعرفين أنت أنها نقص معين، ولا أستطيع الإفتاء أنا في كونها نقصٌ في ماذا؟؟ لأنني لا أستطيع الفصل بوجود اضطرابٍ نفسي جدير بالعلاج من عدمه دون مقابلة واقعية معك. تكملين بعد ذلك بأن الآخرين يقولون عنك أنك معقدة!، وتأخذيننا في تفاصيل تعتبرُ إلى حد ما طبيعية في مثل سنك فهو سن يتميز بتبلور القدرة على التفكير التجريدي (أي استخدام المفاهيم المجردة في التفكير، وهي تلك المفاهيم التي لا تشير إلى شيء تستطيعين إدراكه بحواسك الخمسة المباشرة، والغيبيات إذن من هذه المفاهيم المجردة)، ومن بين ما يعجبُ المراهقُ/المراهقة به في نفسه أن يجد لديه القدرة على استخدام الصور المثالية الكاملة في ذهنه ومحاولة الاجترار الفكري منها وحولها، فهكذا تفكرين ما الموت؟ وكيف يموت الإنسان؟ بالضبط وفي نفس الوقت كما تفكرين في "من أنا"، وكيف السماء ليس لها نهاية؟، ومن هو الله؟!. ويمكنك قراءة القلق الديني عند المراهق ورغم أن الإجابة على أسئلةٍ من نوع: من أنا؟ ولماذا أنا؟ وماذا أريد؟ هي أحد أهم واجبات وأعباء المراهقة، إلا الشائع أن المراهق يقنع عبر الانتماء إلى معطيات الثقافة التي يعيش فيها، ليأخذ إجابات من تلك الثقافة، تريحه إما مرحليا أو لأجلٍ أو تريحه مدى حياته من التفكير في المجردات والغيبيات وكل ما وراء المحسوس مباشرة، -ليصير مواطنا منتجا/استهلاكيا من الطراز المطلوب في زمن العولمة اللا دينية المفروضة على واقع العالم-، أي أن من الناس من ينسى ومن يذكرُ وينسى ومن يبقى متذكرا لأهمية الغيبيات في حياتنا.وأنت أيضًا –كما أتوقع من فتاة عربية تستخدم الإنترنت في غير الدردشة- أخذت إجابات من ثقافتنا على معظم ما سألت عنه، لكنك بسبب ميلك للوسوسة والتفكير الاجتراري، لم تكتفي بسهولة بالتصديق، وتجدين التصديق صعبا لأن الإجابة الحاضرة في ذهنك والتي يعيها بسهولة كل إنسان مكتفيا بما يحسه في نفسه ويعيه منها، لكنك أنت لم تمرَّ المسائل معك بهدوء بسبب النزوع للوسوسة، أما من أين وجدت أنا هذا النزوع، فمما بينته من أنك تعيشين كما قلت: (حياة معقدة مثلا إذا كان بيد طابة ملونة) (كرة) ألعب بها أقول في نفسي مثلا, (أولا أغمض عيني) وأقول إذا سقطت الكرة على اللون الأخضر هذا يعني أنني سوف أنجح أما إذا سقطت على الصفراء فهذا يعني أنني سوف أفشل.، فهذا ما تجدين الرد عليه وبيان علاقته بالوسوسة في مقال: التشاؤم والوسوسة هل من علاقة؟، والحقيقة أن التساؤل الذي يلي هذه الفقرة مهم جدا لأنه يبين مستوى وعيك بمخالفة ما تفعلين لمبادئ عقيدتك فأنت تقولين: (لا أدري على أي مبادئ أعيش ولكني مبلبلة كثيرا). وإن شاء الله تزول البلبلة والوسوسة بكل مظاهرها معنا في مجانين، ولكنني أود بيان نقطة هامة هي أن من المحتمل أن تكونَ الحالة متعلقة بسمات الشخصية القسرية ؟، أو باضطراب الوسواس القهري أو بهما معا كل ذلك لا نستطيع الفصل فيه من خلال معطيات إفادتك، قد تظل بعض أسئلتك الصغيرة بلا إجابة في هذا الرد لكن الإجابات موجودة في ثنايا مشكلات على موقعنا مجانين، الذي أتوقع منك قراءته في أوقات الفراغ من الدراسة، وأدلك على باب نطاق الوسواس القهري ، اقرئيه كله إذا أردت، لكنني سأشرح هنا ما تسألين عنه في آخر فقرات استشارتك: (وسوف أستغل هذه الرسالة لأسألك عن شيء غريب يصادفني ويصادف الآخرين هو أنهم يرون مشاهد من الحياة وكأنهم رأوها من قبل مثلا) هذه تسمى ظاهرة الألفة Déjà vu Phenomenon، وتدرس في علم نفس الذاكرة تحت هذا الاسم، وتعتبر أحد اضطرابات الذاكرة أو الإدراك، وتحدث في ما بين 30% إلى 96% في الاستطلاعات المختلفة للناس الطبيعيين، ويمكن أن تكونَ الألفة بصرية أو سمعية أو في أي من الحواس، وإن كانت الألفة البصرية أكثر ما يوصف، وهي تحدثُ أكثر في من هم دون سن الثلاثين سنة وتستمر عادة لثواني أو دقائق، لكنها ليست مرضية في ذاتها، ما دامت عابرة حتى لو تكررت في مواقف أخرى، إلا أن بقاءها (في الموقف الواحد) لفترة طويلة قد يشير إلى خلل ما في الفص الصدغي من المخ، ولهذا الفص علاقة بكل من التدين والوسوسة. ورغم محاولات كثيرين من الدارسين معرفة سبب ظاهرة الألفة فإننا نستطيع أن نقول أن كل دارس تقريبا قد فسرها بشكل خاص به، فهناك من فسرها بعدم تناغم عابر بين نصفي المخ حيث أن المفترض هو أن ندرك الموقف بالنصفين معا في وقت واحد وتحدث الألفة عندما يدركها أحد النصفين قبل الآخر فتبدو للشخص في الإدراك الأخير وكأنها حدثت من قبل، وهناك من فسرها بخلل ما في آلة تسجيل الذاكرة المتخيلة، بحيث يحدث التسجيل والاسترجاع في نفس الوقت فيتهيأ للشخص أنه مر بالموقف أو الخبرة الحسية من قبل، وهناك تفسيرات أخرى يضيق المقام هنا لذكرها.وأما ما يشير إليه قولك: (في لحظات معينة أصمت وأقول سوف يحدث كذا وكذا وفعلا يحدث)، فهو إلى حد ما غير واضح فهل أنت تتنبئين ببعض الأشياء مثلا؟ أو لديك شفافية معينة كل ذلك جائز يا ابنتي، لكن المهم الآن هو أن تقومي باستخارة ربك وعرض نفسك على أقرب الأطباء النفسيين لتقييم الحالة وتشخيصها التشخيص السليم، وأهلا وسهلا بك دائما على مجانين فتابعينا بالتطورات.