الأسرة والمستقبل، أرسلت لكم منذ حوالي الأسبوع رسالة فحواها مشكلة تؤرقني وهى متعلقة بوالدتي وأرجو منكم الرد لأنني في احتياج إلى ذلك. لقد فكرت طويلاً في زيارة طبيب نفسي ولكنني الآن وأنا عاقدة العزم على ذلك أعيش في مدينة نائية حيث لا توجد عيادات نفسية ولا هذا التخصص أصلاً ناهيكم عن أن المجتمع صغير للغاية حتى وإن وجد. أعترف أنني أحسن حالاً وأهدأ بالاً منذ ولادة ابنتي ولكن هناك شيء ما لا زال يؤرقني، إنه ذلك الشعور بالحزن وبعدم القدرة على الفرح - الشعور بالعبثية وبأنه لا فائدة - الشعور بالنقص في بعض الأحيان وبضعف الثقة بالنفس. أنا أحتاج إلى المساعدة. 14/9/2003
الأخت السائلة العزيزة أهلا وسهلا بك وشكرًا على ثقتك في صفحتنا استشارات مجانين، الحقيقة أننا قمنا بالفعل بالرد على استشارتك وظهرت على الصفحة تحت عنوان "أمي سبب بلائي وشقائي"، وقد قامت الأخت المستشارة د. سحر طلعت بتوضيح عدة نقاطٍ مهمة في ردها عليك، ومن بينها ما قلته أنت الآن في إفادتك الأخيرة من أنك أحسن حالاً وأهدأ بالاً بعد ولادة ابنتك بارك الله لك فيها، وكأن مستشارتنا كانت تعرف من خلال خبرتها ما لم تذكريه أنت في إفادتك الأولى، كما بينت لك المستشارة ضرورة محاولة علاج والدتك لأن من الواضح من خلال الإفادة الأولى أنها تحتاج إلى العون من طبيب نفسي حتى وإن كانت سترفض!، فيجب هنا أن يكون للأسرة دورٌ في حملها على طلب العلاج، كما أحب أنم أضيف لك هنا أننا يجبُ ألا نحمل كل معاناتك على أمك وحدها لأنها هي نفسها مسكينة في حاجةٍ إلى العلاج ولأن الاضطراب النفسي بوجه عام لا ينتج عن سبب واحد أو عامل واحدٍ وإنما هو نتيجة تفاعل عدد من العوامل منها الجينية ومنها البيئية بمفهومهما الواسع. وأما ما تشيرين أنت إليه الآن في إفادتك الأخيرة والذي استدعى مني الرد السريع عليك رغم أنه كان من الممكن أن أحيلك فقط إلى رد الدكتورة سحر عليك فهو العبارات الأخيرة في إفادتك هذه والتي تقولين فيها(ولكن هناك شيء ما لا زال يؤرقني، إنه ذلك الشعور بالحزن وبعدم القدرة على الفرح- الشعور بالعبثية وبأنه لا فائدة- الشعور بالنقص في بعض الأحيان وبضعف الثقة بالنفس. أنا أحتاج إلى المساعدة) فأنت هنا تصفين مشاعر اكتئابية خالصة تجعلنا نؤكد لك حاجتك إلى العون المباشر من خلال أقرب طبيب نفسي من مكان إقامتك، لأن وجود اكتئاب لديك لن يؤثر فقط على حياتك الشخصية واستمتاعك بها لكنه سيؤثر أيضًا على علاقتك بزوجك وعلى علاقتك بابنتك وقدرتك على استيعابها والتفاعل مع أطوار نومها، فلاحظي أن ابنتك الآن ما تزال في سنٍّ صغيرة فهي لم تكمل العام من عمرها بعد، ولكنها بعد فترةٍ ليست بالطويلة ستصبح احتياجاتها لصدرك الرحب وقدرتك على التفاعل والاستيعاب والاحتواء أكبر بكثير مما هي عليه الآن، وهنا سيقف اكتئابك حائلا بينك وبين ما أنت مطالبة به، فاكتئاب الأم يؤثر بالسلب على أطفالها، ولعل في اختيارك لعنوان الأسرة والمستقبل لرسالتك الأخيرة هذه ما يشير إلى أنك تدركين أهمية العلاج مما تعانين منه كما يشير إلى مستوى القلق المرتفع لديك. ولنأخذ مثلا الآن من دراسة بينت تأثير - ليس اكتئاب الطفل الصغير نفسه بل - اكتئاب الأم على نمو المخ في الطفل فقد تبين في دراسة لداوسون (من جامعة واشنطون) أن أطفال النساء اللاتي يعانين من الاكتئاب يقاسون من نقص ملحوظ في نشاط النصف الأيسر الأمامي من المخ، وهو مرتبط بمشاعر البهجة والمرح وحب الاستطلاع. وعند بلوغ الثالثة من العمر، يبدى هؤلاء الأطفال مشاكل سلوكية واضحة. ولكن تبين أيضاً أن الأمهات اللاتي يتغلبن على الاكتئاب قبل بلوغ أطفالهن الثالثة من العمر، أو ينجحن، رغـم الاكتئاب، في إضفاء عناية محبة عادية على أطفالهم، يتغلب الأطفال، بيسر، على المشاكل التي عانوا منها قبلاً. وفى هذا دليل على قدرة المخ الهائلة على التغلب على الصعاب التي تواجه مخ الأطفال الصغار بسبب فقر الاستثارة البيئية، إذا تحسنت الظروف المحيطة بهم. إذن فاحتياجك أنت شخصيا للعلاج النفسي لم يعد رفاهية بعد ما أنجبت هذه الطفلة المباركة إن شاء الله، بل أصبح ضرورةً عليك أن تجدي لها السبيل وأن تتابعي مع أقرب طبيب نفسي، خاصةً وأن هناك من القلق لديك أيضًا ما يجعل الاكتئاب أمرَّ طعما وأشد وقعا على نفسك وعلى زوجك وبيتك بوجه عام، ولمزيد من المعلومات عن الاكتئاب عليك بمراجعة الردود السابقة على صفحتنا استشارات مجانين تحت العناوين التالية: اللا مبالاة هل هي اكتئاب؟، عسر المزاج والاكتئاب، التفكير النكدي، الاكتئاب الجسيم وماذا بعد، الاكتئاب الدائم أم عسر المزاج .وفي النهاية نرجو أن تتحركي بسرعة ومن الأفضل لك أن تفاتحي زوجك في هذا الأمر لأن ذلك سيجعل العلاج سهلاً عليك، ومعونته لك ستخفف كثيرًا عنك وتابعينا بأخبارك.