إنه أخي ثانية دكتور أحمد عبد الله كنت انتظر ردك كل يوم من أجل مشكلة أخي إلى أن حصلت عليه، وكي أكون أمينة فقد أحبطني ذلك الرد، بداية أدهشني أنك اتهمتني أنا وأسرتي بأننا أصحاب عقول تنظر نظرة سطحية وأن كل ما يهمنا هو المظاهر وهي ما يتحكم في سلوكياتنا بعدها غضبت جدا وكتبت ردا طويلا أشرح لك فيه كل شيء بالتفصيل وبعد ذلك هدأت وقررت أن أتجاهل الأمر كله، لكنني لم أستطع لأنني اكتئبت وحزنت بالفعل كيف تستطيع أن تقول أن كل ما نهتم به هو تغطية الفضائح الصغيرة من أجل الحفاظ علي صورتنا أمام الناس بغض النظر عن المشاكل التي يتسبب فيها سلوكنا هذا أو أننا نشجع تصرفات أخي؟ لست أدري كيف فهمت هذا من رسالتي لقد توقعت منك أن تقرأ ما بين السطور بعمق! ولكنها ربما تكون غلطتي أنا لأنني لم أوضح كل شيء في رسالتي أو لم أكن دقيقة بما يكفي، ولهذا قررت أن أعطيك شرحا سريعا لعلك تفهمني اكثر إذا ذكرت لك بعض التفاصيل بطريقة صحيحة فقد تساعدنا علي الاتفاق في الرأي. أولا: لم تكن الترجمة دقيقة فقد أهملت بعض الكلمات:فقد ذكرت في الرسالة الأولى أن أبي دائما ما يدعي أنه لا نقود لديه والادعاء يعني انه يقول ذلك دون أن يكون ذلك هو الحقيقة! من فضلك لا تدعني أغرق في التفاصيل فأنا لا أريد استعادة هذه الذكريات! فقط أريد أن تعرف أننا نعرف جيدا الفرق بين الرفاهية والضروريات لقد ظننت كما ظهر من ردك علي(لا أدري لماذا) أنني كنت أعني بالضروريات السفر إلى الإسكندرية والساحل الشمالي الخ....) لا يا دكتوري العزيز فالضروريات كانت تعني أشياء مثل الانقطاع عن المدرسة من أجل المصاريف حتى أن أبي لم يكن يدفع المصاريف ويذكرونني بها في الفصل أمام الفصل كله، وكل مرة كنت أخبر أبي عنها كان يصيح بصوته العالي البغيض أنه لا نقود لديه ليدفع مع أننا كلنا نعرف أن لديه رصيدا كبيرا في البنك وظل يفعل هذا كل سنة إلى آخر يوم في السنة حتى يهددونني بحجب النتيجة إذا لم أدفع المصروفات ثم تذهب أمي لتدفعها! لقد كان يتحول إلى شخص مجنون إذا خطا في غرفتنا ونحن نذاكر أنا وأختي، ورأي أكثر من مصباح كهربائي مضاء وكان يصرخ ويطالبنا بتوفير كل هذه النقود المهدرة، ويطفئ الأنوار ويترك مصباحا واحدا ضعيفا لكلتينا أنا وأختي. وكان الطعام موضوعا آخر!!!!!! رغم أن ماما كانت تدفع ثلث فلوس المنزل لم يكن أبي يدفع ما عليه في الموعد أبدا وكثيرا ما أرغم أمي علي كتابة كل مليم تصرفه وكان يري نصف مصاريفها رفاهية وبرغم أنه أبدا لم يتحمل نفقات المناسبات الدينية الضرورية كالعيد بأن يضحي بالأضحية لأنه يراها رفاهية لا يقدر عليها مع أنه يستطيع الدفع لأضحيتين وهناك تفاصيل لا حصر لها لا داعي لذكرها الآن. لماذا لا تصدقني عندما أقر لك حقيقة معروفة تماما عن أبي حتى خارج نطاق الأسرة لماذا لا تري هذا، ولا ترى معي أنه قد يكون ذا علاقةٍ بتصرفات أخي الحالية؟ ألسنا كلنا نتاج مجموع كل من مجتمعنا وطبيعتنا وبيئتنا التي نشأنا فيها؟ ذكرت في ترجمتك أن حالة أبي الاقتصادية لم تكن تساعدنا علي الظهور بالمظهر الذي نحلم به!!!! لا يا دكتور فقد قلت لك أن لديه نقودا لكنه لا يريد إنفاقها نحن لسنا أشخاصا سيئين وقد قلنا دائما أننا لو كنا نعرف فعلا أنه لا يملك نقودا لما طلبنا منه شيئا خارج حدود مقدرته لكننا نعرف أنه يمتلك النقود لكنه لا يريد أن ينفق ألا يمثل هذا فرقا لديك؟؟!! ألا يبين لك لماذا كانت ماما مضطرة لتدفع من أجل ضرورياتنا؟ ثانيا: كان هذا فيما يتعلق بالنقود التي لا أظن أنها المشكلة الرئيسية للتراجيديا التي عشناها في ذلك البيت المظلم دعنا نتكلم قليلا عن شخصية أبي ولا أعدك بأنني سأقول الكثير عن هذا الأب لأن هذا الكلام يعيدني إلى تلك الأعوام السود التي أحاول نسيانها الآن لكي أستطيع الحياة.لقد تجاهلت في ردك علي حقيقة أن أخي عاني من التبول اللا إرادي في طفولته ألا يعني هذا شيئا في تحليلك النفسي للقصة؟؟؟؟؟ ألا تعني هذه التفصيلة الصغيرة كيف كان المنزل والأسرة مضطربان؟؟!! ألا يكفي أن تعرف أنني عانيت من الاكتئاب الجسيم في طفولتي ولم يدركه أحد إلى أن أنهيت كليتي(والتي أرغمت عليها بدلا من الكلية التي كنت أريدها)؟؟؟ ومع ذلك عملت وقررت الذهاب إلى الطبيب النفسي بمفردي دون علم أسرتي؟!!وظللت سنتين أفعل ذلك دون علم أحد وبالرغم من أن طبيبي النفسي كان ممتازا إلا أنه لم يستطع أبدا أن ينتزع كل الغضب الذي كنت أحمله داخلي بسبب وجود هذا الرجل في حياتي؟؟؟ إن أبي يستطيع بإتقان أن يدمر كل الثقة بالنفس وكل احترام وتقدير للنفس، كان يقول أننا لا شيء وأنه يستطيع أن يضعنا تحت قدميه(يفعصنا بقدميه)وكان يقول ذلك بأعلى صوت ونحن بين الناس في المصيف بين أسر محترمة جدا!!!! إذن لم يكن الأمر مجرد مظهرنا أمام الآخرين بل مظهرنا أمام أنفسنا في المرآة! ونحن ننادي بتلك الأوصاف المشينة والألفاظ القبيحة ونعامل بتلك الطريقة الرخيصة إلا إذا كنت تعتبر هذه الألفاظ طبيعية ويجب ألا تؤثر في أحدنا!؟ بالتأكيد ستسألني كان هناك أسباب لتصرفاته غير الطبيعية لا يا دكتوري العزيز لكنه كان هكذا!، وكان يعتقد أنه الشخص الوحيد علي الأرض الذي يفكر بطريقة سليمة ولا أحد يملك عقلا سواه وخاصة نحن في رأيه لا نستطيع التفكير إطلاقا نحن أغبياء لا يجب أن نفعل أي شيء فقط نتبع أوامره! وقد اعتاد أن يختلق قصصا ضدنا مثل أننا سيئون ونفعل أشياء سيئة وكان يحكي هذه القصص الملفقة لكل شخص وكان يسعد جدا إذا وجد خطأ لنا ليكون بمثابة إثبات لقصصه تلك!. ولم يكن يفعل هذا معنا فقط بل كان يفعله مع جيرانا فقد اعتاد أن يراقبهم من الشرفة والعين السحرية ليري ما يفعلونه ويمزج أحداثا لا علاقة لها ببعض ويخلق قصة من ذلك مدعيا أنهم أناس سيئون بعضهم لصوص، وبعضهم لا أخلاق لهم وبعضهم يشجع الدعارة!!!!!، وهو طبعا الشخص الشريف الوحيد حتى أعضاء العائلة لم يكونوا محميين من هذه القصص الملفقة فقد كان يعتبر خالي لصا ثم إرهابيا فقط لأنه يحقد علي أي إنسان سعيد.هل هذه هي الفضائح التي كنت تريدنا أن نتعامل معها وأن نكون جاهزين لتقبلها بصدر رحب؟؟؟وبكل سعادة وأيضا مع اعتقاد أن هذه الحلول السحرية لسلوكيات أخي؟؟؟(ألم تقل أن التجريس عقوبة معروفة وقديمة)، فما لا أستطيع تخيله هو أن طبيبا نفسيا ينصح بذلك!!! وإن كنت فعلا تعتقد هذا فأنا في منتهى الأسف يا دكتوري العزيز ولن أستطيع اتباع نصيحتك سأظل أحمي أخي من الانزلاق وتركه وحيدا في هذه الظروف!!! وطبقا لقراءاتي في علم النفس أعتقد أن سلوك أخي قد يكون رد فعل لهذا الاضطراب.. فهو لا يظهر أي مشاعر ذنب كطريقة ليعاقب أبي وربما ليعاقبنا كلنا لأننا كنا جزءا من الأسرة؟؟ أنا أظن أن اللامبالاة هي طريقته لحماية ذاته من الشعور بالذنب طول الوقت، ومعظم الأوقات بسبب أشياء لم يفعلها في المقام الأول. لقد ترجمت عبارتي بأن أخي لا يتناول أي أدوية بعبارة عقاقير نفسانية التأثير وهو ما لم أكن أعنيه إطلاقا وليس له علاقة بكلماتي فقد كنت اعني بكلمة عقاقير مخدرات معني ذلك أن أخي لم يكن يتناول مخدرات(أنا أقول ذلك كحقيقة لأن أبي كان يتهمه بذلك دون أي دليل.. بل العكس فقد أثبتت تحاليل الدم أنه لا يأخذ أي مخدرات ولكن خمن ماذا ادعي أبي؟ لقد ادعي أنهم لم يحللوا كل أنواع المخدرات وربما لم ينتبهوا للنوع الذي يأخذه أخي!، لاحظ أننا اكتشفنا منذ يومين فقط أنه بدأ يدخن وعذره السخيف هو أن زوجي يدخن وأننا لم نرفضه بسبب ذلك!!!!إن أخي يتجاهل كل الجوانب الجيدة ويتعلق بالجوانب والعادات السيئة في كل شخص ليعذر نفسه في فعل نفس الشيء وكأنه يريد أن يجمع كل الأشياء السيئة من كل الناس دون أن يأخذ الجوانب الجيدة منهم. فيما يتعلق بأصدقاء أخي.. حسبنا انك تعرف الأولاد في مثل هذه السن عندما يكونون بالخارج لا تستطيع أن تتأكد أبدا ممن يقابله(نعم نحن نعرف أصدقاءه المقربين وكلهم يبدون جيدون وأمي علي علاقة بهم ولكنه ربما يقابل آخرين لا نعرفهم وهذه طبيعة مثل هذه السن وطبيعة الأولاد) طبعا كل واحد من أصدقائه له ميزة ليست في الآخر وكلهم يبدون متفهمين لهذا ماعدا أخي الذي يبدو وكأنه يعتقد أنه يجب أن يملك كل الأشياء التي لديهم. ألا يمكن أن يكون هذا استبدالا للأمان والفهم اللذان يفتقدهما في البيت؟؟ ألا يمكن أن يكون بذلك يعوض الحب والعناية والفهم؟ أي بالماديات التي لا تنتهي؟؟ سادسا: ما تحاول ماما فعله ليس التركيز علي النقود مثلما قد تكون فهمت حضرتك من الرسالة السابقة لكنها تحاول أن تصلح كل الأخطاء التي حدثت معي أنا وأختي والتي تسببت في كوننا شخصيات غير متوازنة. فهي تحاول أن تجعله منتميا للعائلة التي لا تتجاهل احتياجاته في هذه السن حتى لو كانت هذه الحاجات رفاهية ولكن بعض الفهم المطلوب لهذا قد يكون المفتاح للقرب منه ومصادقته وقد بدأت بالنقود لأنها اهتمامه الأول أو الأساسي لتعطيه الذي لا نريد أن يحس بفقده وينقصه فيه عن الآخرين، (وهو شيء مهم لأولاد هذه الأيام)..وقد يكون بابا للتواصل معه ومحاولة التأثير عليه. علي أية حال أيا كان ما يملكه أخي من موبايل أو سيارة فهذا طبيعي في طبقتنا فنحن لا نختار الانتماء إلى هذه الطبقة وأنت لا تستطيع لومنا!!! نحن قريبون من الطبقة الأدنى ونستطيع فهم معاناة الآخرين ونساعدهم قدر استطاعتنا ولكننا نعاني فنحن لسنا أناسا من عالم آخر. الطبقة المتوسطة ليست غنية ولكنها بين الطبقات وهو ما يضع ضغوطا أكثر عليهم، أمي تحاول أيضا أن تكون داعمة لأخي علي المستويات جميعا. وما يزعجنا هو أنه لا يظهر أي تقدير لهذا الدعم ولا يهتم كثيرا بأن يعرف أبي ولا ينتمي إلى الأسرة ولا يهتم بأمي.أما بالنسبة لسؤالك هل هناك من يستطيع أن يلعب دور الأب لأخي؟ حسنا يوجد لكن أخي لا يبدي اهتماما ولا يصغي هو غير مهتم بدور الأب في حياته، هو دائما متسرع ولا يصغي إلى النصيحة ولا إلى أحد وإذا لمناه علي أي شيء لا يشعر أبدا بالذنب ولا يري نفسه مذنبا أبدا!، هو لا يقبل ذلك ولا يحاول تغييره.. قد يعد بأسلوب أفضل في التصرف، لكنه لا يستمر كثيرا أنا أعرف أننا لم نربه في مناخ صحي ولكننا في نفس الوقت لا نريد فقد أخ كان محبوبا وداعما ومتفهما، ولكنه أصبح الآن فارغا وبلا هدف. نستطيع بسهولة أن نترك كل أساليب العقاب لأبي، وهو كفيلٌ بأن يجعله يكره نفسه دون الوصول إلى أي حل لأن أبي ليس حكيما ليري ويتفهم المشاكل، هو فقط يخرج بها غضبه ويثبت أنه الرجل صاحب الكلمة الأوحد!!! لكننا نريد أن يصبح أخي رجلا أفضل! أستطيع أن أمضي حتى النقطة العاشرة، إذا كان لديك الوقت لتسمعني، لكنني أرى ذلك غير ضروري وربما بلا فائدة،والواقع أن سؤالي لم تتم الإجابة عليه إلى الآن، إذا كان ما يجب علينا الآن هو أن نطلب المساعدة من مختص، أم أن الأمر مجرد مرحلة سنيةٍ يمر بها أخي بينما هو مفتقدٌ لأي مثلٍ أعلى يتمثله ؟ وفاقد للثقة في الأسرة في نفس الوقت؟؟ لقد نصحتني بقولك: (لابد من سياسة حالية ثواب وعقاب واضحة ومحددة وثابتة ومستمرة لفترة طويلة، فإن كان مصروف أخيك في الشهر مثلا مائة جنيه، فلا تعطوها له دفعة واحدة، ولكن بالأسبوع، وفي ضوء مسلكه خلال الأسبوع الماضي، فإن أحسن التصرف في المال وغيره يأخذ، وربما إن ادخر تكافئونه، وإن أساء يعاقب بالخصم وليس الترفيه المكلف مثل السفر، أو العزائم الأسبوعية في المطاعم من الأساسيات، فإذا أراد أن يقوم بمثل هذه الكماليات فليفعل ولكن ادخارا من مصروفه، وربما حين يدخر يحصل على دعم رمزي يغريه بمضاعفة تحكمه في أمواله، وهكذا) فكيف ذلك وقد قلت لك أنه يسرق نقودًا فوق ما يأخذه من مصروف كل أسبوع؟ كيف يستطيع هو الادخار في المقام الأول؟ كيف نستطيع إجباره على ذلك، إن كنا نستطيع إجباره أصلاً على أي شيء؟ وأيضًا ما نوع العقاب الملائم والمؤثر لمثله في مثل هذا العمر؟ لقد قلت لك أننا أخذنا منه الأشياء التي يحلها والتي كنا نظن أنه لا يستطيع الحياة دونها، ولم نر فائدةً لذلك كله! واعلم أيضًا ـكما ذكرت في الرسالة السابقة ولم يترجمـ أن أبي على علمٍ بالكثير من هذه التصرفات(وما نخفيه قد يكون فقط 10% من الأحداث)، ولكن أبي لا يحل أي مشكلة! فقط يصرخ ويفضحنا دون أن يحل أي مشكلة! فهل تريدنا أن نخبره فقط لنعطيه الفرصة والعذر ليسبنا جميعا أمام الناس دون الوصول إلى أي حل؟!! هل هذا كلام حكيم؟ أيا كان هل أبدو كمن تبحث عن عذر لكل مشكلةٍ مفسرة كل الأخطاء بأنها نتاج سلوك أبي؟ هل أنا أضخم تأثير الأسرة والطريقة التي تربينا بها؟؟؟! ربما أكون، ولكن هذا ما سيجعلني حريصةً جدا مع أطفالي، ولكن كيف أستطيع إنقاذ أخي مما هو فيه؟؟ أنا آسفة جدا لطريقتي الفظة ونبرتي الحادة، وأنا أعرف أن رسالتي قد تكون أقل ترتيبًا وربما مشوشة، لكن الأشياء مترابطة والحلقة تبدو غير قابلة للفتح، هل يجب علينا أن نعالج الولد أو الأب أو المجتمع أو كلهم في نفس الوقت من أجل أن نصل إلى حياة نفسية أفضل؟؟ وفي النهاية أود أن أشكر الدكتور وائل أبو هندي على رده القصير والذي عبر عن فهم أعمق للمشكلة، وأعتقد أن كلماته كانت أقرب للمشكلة الحقيقية، ولكن كيف نستطيع إقناع أخي بطلب مساعدة المختصين بالعلاج؟
الأخت السائلة؛أهلا بك مرة أخرى، وهذه الصفحة إنما تتقدم بالحوار بين أضلاع المثلث: السائل، و القارئ، والخبير المختص، -وحتى الآن على الأقل- لا أعتقد أننا نظن أنفسنا أنصاف آلهة فنرفض المراجعة أو نضيق بالنقد، ولمعلوماتك فقد قرأت الأصل الإنجليزي لرسالتك السابقة، وعلى النص الإنجليزي أجبت، وقام الدكتور وائل أبو هندي بعد ذلك بالترجمة للقراء. طبعا أنا لا أعرف والدك ولم أسمع منه لأدافع عنه أو أتفق مع نقدك له، أو أصَدِّقَ عليه، ولكني حاولت التركيز على ما تفعلنه أنت وأختك ووالدتك، ودور ذلك في إفساد أخيك، دون أن يلغي هذا دور والدك الذي تفضلت أنت بتوضيحه أكثر هذه المرة. وفي رسالتك الأخيرة توسعت في ذكر ملامح شخصية الوالد بما يثبت ـ لو صحـ أنه مريض باضطراب عميق فيها، وأنت أيضا تحاولين تحليل شخصية أخيك وتفسير تصرفاته، وأعتذر أنني ركزت في إجابتي السابقة على الحلقة المفقودة في إدراكك للقصة وهي دورك وأختك ووالدتك، وأراني مضطرا لإعادة التنبيه إلى هذه المساحة، ليس لأن بقية المساحات أقل أهمية أو تأثيرًا، ولكن لأن هذه المساحة تكاد تكون غائبة عن تفكيرك في غمرة انشغالك وشعورك بآلام الماضي والحاضر في ظل تصرفات والدك المريضة، ومشاكل أخيك المتكررة وتلك المساحة تهمني أكثر لأنها هي الأفضل إمكانا للعمل فيها، إلا إذا قررنا التخلص من الوالد إلى الأبد أو محاولة علاجه، ولا أظن ذلك واردا في تفكيرك، فهل أنا محق في تصوري هذا؟!إن تهميش تأثير دور الوالد وتأثيره السالب لا يكون إلا بتدعيم قيامكن أنتن الثلاثة بدور إيجابي ونشيط مع أخيك، وأحسب أن هذا الدور يتجاوز بكثير فكرة تعويضه عن الحرمان والقسوة بالعطاء المستمر غير المنضبط والحنان الزائد أو في غير موضعه، الأمر الذي أسميته أنا "التواطؤ" أو "التمرير"... في إجابتي السابقة. فعندما يخطئ أخوك في ظل منطق إشمعنى، وتسكتون أنتم، أو لا تعارضون المنطق من أساسه فإن ذلك سيجعله يتمادى، فهو يريد المزيد من المال"إشمعنى أصحابه الآخرين؟!" وهو الآن يدخن "إشمعنى زوجك؟!".... وربما يتصرف بحمق، ورعونة، ويقول"إشمعنى... بابا؟!"ومنطق التبرير للخطأ ينبغي أن يكون مرفوضا رغم أن الأسباب نفسها قد تصلح للتفسير والفهم، ولكنها لا تبرر الخطأ أو الاستمرار فيه. فمثلا طفولتك أو طفولتكم البائسة عليها عامل كبير في تشويه واضطراب نفوسكم، كل بحسب حالته, لكنها لا تكفي مبررا جيدا نردده أمام أنفسنا أو أمام ربنا، ونقول يارب كنا أشرارا لأن والدنا كان كذلك، أو أننا لم نكن غير حصاد سالب لما زرعه الوالدان، وهذا لا يصح رغم التأثير العميق للتنشئة على شخصية الإنسان كما تعرفين وتقولين، وربما كانت للوالد في تنشئته أسبابه ليكون كما هو فهل هذا يبرر له؟! أقول هذا لأن شماعة المبررات الجاهزة تكون الأسهل في النظر إلى أي قصور في حياتنا أو شخصيتنا، وأنا لا أريدك أن تستسلمي لهذا لأن من شأنه إلغاء دور المسئولية الفردية، وإمكانية تغيير الإنسان لنفسه، واختياره لمصيره وهو ما يخل بمبدأ الاختيار والحرية والمسئولية، وهو الأساس الذي يحاسب الله بموجبه البشر. وألفت انتباهك أيضا إلى خلط شائع وقعت فيه، وهو أنني عندما تحدثت عن طبقتكم الاجتماعية أو تصرفاتكم تجاه أخيك لم يكن هذا في معرض النقد أو الحسد مثلا!!!، ولكنه جاء في معرض التحليل والتفسير لتدركي خلفيات الأمور، وتتعاملي معها بوعي ومسئولية، ولم أكن أهاجم وأضغط لتدافعي، والخيط الرفيع أو المسافة بين التفسير والتبرير، والنقد والتحليل هي الغائبة عن تفكيرنا غالبا، ولذا أرجو الانتباه. والآن أعود فأقول: أنكم تساهمون في إفساد أخيك، وأنتم هكذا تفقدونه فهو كما يحتاج إلى والد أصلي أو بديل، يحتاج إلى صحبة سليمة، وإلى أنشطة تملأ الفراغ، وأيضا إنه لن يتغير إلا بخبرات وتجارب ذاتية قاسية ومؤلمة غالبا، ولا أعتقد أنه سيستجيب للإرشاد العلاجي النفسي الذي يحتاجه، ولا أريد أن نفقد الأمل في أنه لا يستمع لرأي الأكبر، فينبغي أن نحاول ونحاول، ونحذره أنه سيدفع ثمن ترفه غاليا، ومن ناحية أخرى فإن سياسة مالية راشدة تربط بين الأموال التي يحصل عليها منكم من ناحية، وبين انضباط مسلكه من ناحية أخرى، وبدون هذه السياسة فلا أمل في ضبطه ماليا علي الأقل، وبدون رقابة أشد ومحاسبة واضحة، ومكافآت مجزية على أية بادرة طيبة، وعقوبات صارمة على كل خطأ فادح فلا أظن أن رغبتك والوالدة في إصلاحه يمكن أن تجدي شيئا. أختي الكريمة: أنتم جزء من مشكلة أخيك مثلما تصرفات والدك جزء منها، ولسنا بصدد تحديد مسئولية كل طرف ويمكنكن أن تكن جزءا من الحل، وإلا سيدفع أخيك الثمن غاليا، وفي النهاية فإن كل بالغ مكلف بتحمل مسئولية أخطائه إمام الله وأمام الناس، وأهلا بك دائما. * ويضيف الدكتور وائل أبو هندي، الأخت السائلة تكمن المشكلة الحقيقية التي يواجهها المجتمع(المصغرُ في صورة الأسرة أو المجتمع الكبير ككل) في تعامله مع حالات الشخصية المستهينة بالمجتمع في صعوبة التغيير والعلاج، ففضلاً عن عدم رغبة صاحب هذه الشخصية في العلاج لأنه أولاً لا يرى نفسه مريضًا بسهولة(أي دون التجارب المؤلمة والقاسية التي أشار إليها أخي الدكتور أحمد عبد الله). وثانيا: لأنه حتى إن فعل وتظاهر برغبته في العلاج فإنه غالبًا لا يكمله، بل إنني مع الأسف أود أن أنبهك إلى احتمال واردٍ جدا وهو أن يقوم أخوك بابتزاز ما تبقى لديكم من خلال أنه سيوافق على الذهاب إلى الطبيب النفسي على شرط أن تشتروا له كذا أو تفعلوا له كذا!، وما أرمي إليه من هذا الكلام ليس دفعكم لليأس بقدر ما هو تنبيه على أن أمر العلاج النفسي لا يجب أن يفتح أصلا مع أخيك دونَ أن يكونَ هو نفسه(وليس أنتم فقط أو الآخرون) قد أحس بوجود مشكلة! وهذا ما لا يبدو أنه حدثَ حتى الآن، لأن فتحكم لهذا الأمر معه الآن قد يمثل بابا جديدًا له ليبتزكم من خلاله. معنى ذلك أن واجبكم الأول هو إشعاره بوجود مشكلة، وليس أبدًا أن تستمروا في مداراة مشاكله أو تجنب مواجهته بها، إن عليه أن يدرك جديدًا أنكم قد بدأتم في اتخاذ موقف مغاير وأنكم جديا ستتخلون عن إصلاح ما يفسده، بحيث أنه سيواجه المجتمع غير مدعوم منكم، فإذا تسببَ في مشكلةٍ فإن عليه أن يتحمل نتائجها، وبعد أن يشعر بحقيقة أن سلوكه يسببُ مشاكل له، بعد ذلك قد يكونُ من الممكن أن يقترح عليه أمر العلاج النفسي، والذي لن يكونَ قصيرًا ولا سهلاً، بقيت نقطة واحدةٌ في النهاية وهي مسألة الترجمة، فأنا الذي قام بالترجمة وعبارة عقاقير نفسانية التأثير Psychoactive Drugs هي الاسم العلمي للمخدرات فهكذا تسمى في التصنيفات الطبية وبالمناسبة لقد تركت في ترجمتي هذه المرة كلمة "سادسا" كما كتبتها مع أن المفروض أن تقولي خامسا. وأما ما بقي من خلاف بيننا حول الترجمة فإنني لن أخوض فيه، وأستسمحك أن تكتبي لنا باللغة العربية من خلال أحد المواقع التي تقدم هذه الإمكانية مثل موقع مكتوب مثلا إذا أردت ألا نختلف في المرة القادمة حول الترجمة. بقيت نقطةٌ واحدةٌ أحسب أن أخي الدكتور أحمد عبد الله قد نسيها في غمرة انشغاله بالرد على التفاصيل الكثيرة التي وردت في إفادتك وهي نقطة التبول اللا إرادي الذي كان أخوك يعاني منه في فترةٍ ما من عمره، حيث أن أسبابه ليست نفسيةً خالصةً كما تحسبين فهناك عوامل وراثية أسرية ونمائيةٌ ونفسية وعضوية متداخلة ومتشابكة في إحداثه، ولا يعني بالضرورة وجود خلل نفسي أسري، وحتى عندما يوجد معه الاكتئاب فإننا كثيرًا ما نتحير بين الاكتئاب كسببٍ أو كنتيجة!. وأنا في النهاية أشكر لك متابعتك وأتمنى أن يخفف الله عنكم معاناتكم وأن يهديكم جميعًا إلى أقصر طرق الخلاص من هذا الألم، وتابعينا بأخبارك.