انتحار أريد أن أنتحر أفكر كل يوم في ألف طريقة للانتحار ما يمنعني حتى الآن هو الإسلام الذي يحرمه ولست واثق في أنه سوف يمنعني أكثر. لست متأكدا من السبب الذي أوصلني إلى هذا الطريق ربما كثرت متابعتي للسياسة والقضايا العربية ربما كثرة انشغالي بالدراسة والأغلب هو لأنني أعيش في هذه الحياة التي تعجز معاجم اللغة عن إيجاد وصف لدنيويتها وحقارتها. أعتقد أن شعوري ليس الغضب بل ربما هو نهايته ما أعرفه أنني((غير مهتم))، أريد أن أعرف لماذا يمنعني الإسلام من أن أمارس حقي في أن لا أكون موجودا في هذه الحياة؟ هل اخترنا أن نخلق أم أننا خلقنا وحسب؟ ( لو أن لي الخيار لاخترت أن لا أخلق) .أنا مستعد أن أعطي أي شخص فرصة مقابل أن يعطيني أمل أو يقنعني في أن أستمر في الحياة يوما آخر. 27/09/2003
الأخ السائل: لقد تحدثت عن الإسلام في رسالتك فذكرت أنه هو الذي يمنعك من الانتحار حتى الآن وتساءلت لماذا يمنعك وذكرت في بياناتك أنك مسلم ملتزم نوعا ما… فيصبح المدخل الإيماني للقضية التي تطرحها أحد المداخل المقبولة لديك… لأنك لو كنت ملحدا أو لا تؤمن بالأديان لاختلف الأمر… أن الذي استوقفني في رسالتك ليس تفكيرك في الانتحار أو تساؤلاتك حوله فهذا أمر نقابله يوميا ونتعامل معه… ولكن تصعيدك للموقف ودخولك في دائرة أخطر من التفكير في الانتحار… لأن التفكير في الانتحار طالما أنه ظل تفكيرا فلا يؤاخذ عليه صاحبه والمؤاخذة تبدأ بعد نجاح فعل الانتحار من حيث الخلود في النار واعتبار من أقدم على هذا الفعل قانطا من رحمة الله التي لا يقنط منها إلا القوم الكافرون… ولذلك قررت الوصول لهذه الحالة المتردية فعل شديد الصعوبة هو الإقدام على قتل النفس… ولصعوبته الشديدة بحيث يكون من يجرؤ عليه قد جرؤ على الله فعلا فيستحق الخلود في النار لأنه قد تخطي كل الحواجز النفسية والفطرية التي جعلها الله في نفوسنا لتمنعنا دون الإقدام على هذا الفعل… لذا فالفعل يختلف عن التفكير… والتفكير قد يأتي في حالة أو نتيجة موقف أو أسباب عديدة ربما نبحثها في نهاية الرد ولكن ما أزعجني فعلا هو أن يكون مصاحبا لهذا التفكير… أفكار خاطئة من نوع هل اخترنا أن نخلق؟… لو خُيِّرْتُ لاخْتَرتُ ألا أخلق… لقد دخلنا دائرة الخطر دون فعل في هذه المرة… أننا نتجرأ على الله بالفكر والقول دون فعل دونه حواجز… لقد تجاوز فكرنا حدوده! وهو تجاوز ليس بالجديد ولذا فإنه أزعجنا وتوقفنا عنده لأنه تجاوز قديم سبقك إليه آخرون سواء كانت بدايتهم من أرض الإيمان لينتهوا إلى أرض الكفر أو هم انطلقوا أصلا من أرض الكفر ويريدون لأنفسهم مبررات وأسباب… في كل الأحوال هو تفكير خطير ليس لأننا نحجز على الأفكار ولا نريدها أن تنطلق ونرفع سلاح التكفير إرهابا لمن يفكر ولكن لأنني كما قلت في بداية الرد قرأت رسالتك فوجدتك تصف نفسك بالمسلم وتتساءل عن الإسلام فكان يجب أن أخاطبك خطاب المسلم… المسلم الذي يقرأ قصة الخلق وهي قصة غيبية لم يرها أحد منا أو يشهدها ولكننا نؤمن بكل تفاصيلها قصة رائعة عظيمة تشعر الإنسان بالفخر لكونه إنسان من بني آدم… وإذا كنت تسأل عن من يعطيك أملا واحدا من أجل أن تستمر في الحياة ليوم آخر فإن مطالعة قصة خلقك والله يتلوها في سورة البقرة تكفي الإنسان ليس من أجل يعيش يوما واحدا بل من أجل أن يعيش عمره كله، وهو يحاول أن يحقق مراد الله في خلقه تحدوه الآمال والأحلام وتندفع الإرادات في نفسه ويتمني لو يطول به العمر والله يفتخر به ويكرمه ويقول لملائكته.بسم الله الرحمن الرحيم{وإذ قال ربك للملائكةِ إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم مالا تعلمون* وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين* قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم* قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون} صدق الله العظيم (سورة البقرة الآيات 30-33). وتستمر الآيات لتصف مشهد سجود الملائكة لآدم بأمر من الله وعصيان إبليس الذي استحق به الطرد من رحمة الله لأنه لم يسجد لمخلوق الله المكرم الذي خلقه الله من أجل أن يكون خليفته في الأرض يعمرها ويملأها خيرا وعدلا بالعلم الذي علمه الله إياه وعجزت عنه الملائكة وكل المخلوقات أي تكريم قدسي تطلعت له الملائكة وهي المجبولة على الطاعة والانصياع ولكنها عندما رأت المكانة… خلافة الله في الأرض اعترضت وتساءلت لأنها تصورت أنها الأحق بهذه المكانة لطاعتها ولكن الله خلقنا مكرمين وأسجد لنا ملائكته وأعلنها ولقد كرمنا بني آدم… على كل الخلائق وأخضع لنا كل الكون وسخره من أجلنا حتى أن المجرات العظيمة والنجوم الجبارة جعلها الله في جزء من وظيفتها هي زينة للسماء الدنيا من أجل أن يستمتع ابن آدم بها… بزينة… أقسم الله بواقع النجوم وأنه لقسم لو تعلمون عظيم… علمنا جزء منه بعلومنا الحديثة من أجل ابن آدم. أليس هذا هو حديث الله عن خلقك ولخطورته وأهميته تكررت القصة بصيغ مختلفة ومن زوايا متعددة لتؤكد للإنسان لماذا خلق… حتى لا يأتي أحد ويقول لماذا خلقنا؟ لو اخترت ما خلقت! … لقد رفض إبليس الأمر فاستحق اللعنة والطرد من رحمة الله… فما رأيك فيمن يرفض التكريم يكرمه الله ويعليه ويجعله في مكانة تتطلع إليها الملائكة ويحسده عليها إبليس… فيأتي ويقول أرفض تكريمك يا الله… أرفض مهمتك التي حملتني إياها… لا أريد أن أكون خليفتك في الأرض… لا أريد أن أحمل الأمانة التي حملتها لي وأبت السماوات والأرض والجبال أن يحملنها وحملها الإنسان.إذ يقول رب العزة: بسم الله الرحمن الرحيم:{ إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها، وحملها الإنسانُ إنه كانَ ظلومًا جهولاَ} صدق الله العظيم (سورة الأحزاب ، الآية 72) ألم أقل لك أنا لم تزعجني فكرة الانتحار وما حولها ولكن الأفكار المصاحبة… لأنه لا يقل خطورة عن فكرتك السابقة التي أوضحنا لك كارثتها وما يترتب عليها من أمور تذكرنا بحديث النبي عن الكلمة يقولها الرجل لا يلقي لها بالا تلقي به في نار جهنم سبعين خريفا. مثل ذلك في بحثك عن أسباب تفكيرك في الانتحار ذكرك لأنني أعيش هذه الحياة… التي تعجز معاجم اللغة عن وصف دنيويتها وحقارتها، نعم الحياة حقيرة إذا انعزلت عن أسباب الوجود بها إذا لم ترتبط بمراد الله في خلقنا بها أما إذا كانت من أجل خلافة الله في الأرض فما أعظمها من حياة وما أرقاها وما أسماها وما أحق أن تعاش ويتمني المؤمن لو أن له حياة أخرى يملؤها خيرا وأعمارا للأرض لتحقيق مراد الله فيها وما صح أن تلعن أو تحتقر…. لقد استدعانا الله في عالم الغيب من ظهور أبينا آدم وأشهدنا على أنفسنا ألست بربكم فشهدنا لقد كانت الحقيقة لحظتها واضحة جلية أمام أعيننا هذا الله الذي خلقنا أمامنا… أعلمنا مهمتنا وأدركنا لماذا خلقنا… فلما أشهدنا على أنفسنا شهدنا… عرفنا عظيم التكريم الذي نزل بنا عرفنا عظيم الحياة التي سوف نعيشها… لذلك شهدنا من كان هذا خالقه وهذه مهمته فماذا يريد أعظم من ذلك حتى يعيش ويحب فلماذا لم تعترض يومها… لماذا لم ترفض الحياة عندها… لقد كنت في حضرة الله فلماذا لم تعترض؟!… لماذا قبلت يومها؟!… قبلت لأنك فهمت الحياة بمعناها الصحيح وعرفت مهمتك الحقيقية وأحسست بالتكريم وافتخرت بكونك إنسانا ستعيش هذه الحياة وربما وتعجلت يومها أن تكون في الحياة بسرعة حتى تحقق غرض الله من خلقك. من أجل ذلك لم يحرم الإسلام وحده الانتحار بل هي فطرة إنسانية عامة ومثلما فعل الإسلام في كل فطرة سليمة أقرها ووضع لها قانونا… فهل الإسلام يحرم الانتحار ويقره الأديان الأخرى سواء كانت سماوية أو أرضية… حتى البوذية والكونفوشوسية وملل الأرض كلها تحرم الانتحار وبدون أي ديانات هل يوجد أي بشر من أي نوع يقرون الانتحار ويرحبون به أو يحتفلون بحدوثه أو يعتبرونه بطولة… إن الانتحار في كل الثقافات عار يتنصل الناس منه أو من حدوثه ويعتذر حتى من يفعله وحتى الماديون في ذروة جبروتهم المادي لم يجهر أحدهم بأن الانتحار شئ مشرف لصاحبه ومن شط منهم اعتبره شخصية ولكنها مثل حرية الفعل الفاضح الذي يقرونه ولكن لا يحترموه أو يقدروه إذا فالإسلام جاء ليقر النظرة التكريمية للإنسان منذ لحظة خلقه والتي تجعل له مهمة في الأرض وفي الحياة خلق من أجلها ولذا فإن الخروج عن هذه المهمة أو رفضها بإزهاق الروح يصبح ليس من حق الإنسان… لأنه ببساطة يتصرف فيما لا يملكه ويتنازل عما لا يحق التنازل عنه أنها مهمته في الأرض التي خلق من أجلها… والتي من أجلها نفخ الله فيه من روحه حتى تكون هذه النفخة الربانية هي المحرك الداخلي الذي يذكره دائما بالميثاق الذي بينه وبين ربه إن روح الله مازالت داخلك إن عهد الله لم ينقض إن مهمتك في الأرض كما هي الأمل فيك يا بن آدم أن تعود بأبناء آدم إلى مهمتهم الحقيقية…لا تبحث عن الأمل عند غيرك فالأمل داخلك أنت تذكر ألست بربكم أبحث عنها في ذاكرتك وستجدها… إنني أتذكرها دائما ولذلك لا أنسي عهد الله.* ويضيف الدكتور وائل أبو هندي: الأخ السائل، الحقيقة أن الأخ الزميل د. عمرو أبو خليل، قد صدمه ما جاء في إفادتك من عبارات مستفزة تتعلق بالإسلام العظيم فاهتم بالرد عليها مغطيا الأمر من كل جوانبه، إلا أنني أجدُ في إفادتك إشارةً ربما لم تفلح أنت في إبرازها فبهت بريقها بجانب ما بدا تطاولاً على دين الله.هذه الإشارة هيَ ما ذكرته وأنت تخمن أسباب اكتئابك حين قلت (لست متأكدا من السبب الذي أوصلني إلى هذا الطريق ربما كثرت متابعتي للسياسة والقضايا العربية ربما كثرة انشغالي بالدراسة والأغلب هو لأنني أعيش في هذه الحياة) ثم تابعت(أعتقد أن شعوري ليس الغضب بل ربما هو نهايته ما أعرفه أنني"غير مهتم")، فأنت هنا تشير لا فقط إلى أنك مسلم يحب دينه بل إنك أيضًا مسلمٌ يهتم بقضايا أمته العربية المسلمة.وأظن الإحباط الذي لم يسلم واحد من المسلمين من الشعور به خاصةً في الآونة الأخيرة هو أحد أهم عوامل ثورتك، أو ما أصبحت تصفه بأنك "غير مهتم" أي بلا مبالاتك كما نسميها نحن الأطباء النفسيون، وأنا هنا لا أجد أفضل من إحالتك أولاً إلى مقالٍ على موقعنا تحت عنوان: الجهاد المدني.. الطريق إلى فعل مختلف، ثم أحيلك بعد ذلك إلى عدة ردود سابقة لمستشارينا على صفحة استشارات مجانين تناولنا فيها كل المواضيع المتعلقة بالاكتئاب واللامبالاة تحت العناوين التالية: اللا مبالاة هل هي اكتئاب ؟ / عسر المزاج والاكتئاب التفكير النكدي / الاكتئاب الجسيم وماذا بعد / الاكتئاب الدائم أم عسر المزاج وفي النهاية أتمنى أن يهديك الله وأن تجد في رد د. عمرو أبو خليل عليك، وفي الصفحات التي أحلناك عليها ما يخفف عنك ورطتك الفكرية والمزاجية التي وقعت فيها، فكتبت لنا ما كتبت، وأن تجد أيضًا الطريق الصحيح الذي ينبغي للمسلم الغيور على أمته اليوم أن يسلكه، وأهلا بك دائما فتابعنا بأخبارك.
