الابن الكريم؛ أهداني أخي دكتور وائل رسالتك لأجيب عليها، فشكرا له، لأن رسالتك تعيدني إلى جولتي في عقول شباب اليوم، وإلى الحوار معهم، وهي متعة كبيرة، ونعمة سابغة نشكر الله عليها، وأنت تعرض قضايا متناثرة بينها روابط لا تخفى على لبيب، هيا ننطلق:-1 – قول بعضهم أن موقعنا هو تمصير لعلم غربي في بلادنا كمجتمع إسلامي هو غريب بعض الشيء، وأرد عليه بأن تطبيب النفوس هو فن وعلم قديم بدأ مع وجود الإنسان لأن النفس تمرض كما يمرض الجسد، أما الطب النفسي الغربي الحديث فهو مجرد فرع أو رافض في هذا البحر الزاخر الذي نحاول الانفتاح عليه، وندعو بالتالي إلى الانفتاح على كل المدارس والروافد الأخرى في تجربة وخبرة حضارات وثقافات أخرى، وليس فقط في تاريخنا العربي الإسلامي الذي نحاول استعادة إنجازاته في مجال تخصصنا.وقولك "أننا مجتمع إسلامي" هو عندي محل مراجعة ونظر، بل لا أبالغ إذا قلت أنني أصبحت أندهش جدا من طريقة تفاعلنا وتعاملنا وتعاطينا مع الإسلام كدين وكحضارة، ماذا نأخذ ولماذا ندع، وكيف؟!!2 – من سنن الله في البشر أنهم ليسوا على نمط أو شكل أو فكر أو أيدلوجية أو إدراك واحد للأمور، وعدم فهم هذه الحقيقة تخلف، وعدم القبول بوجود آخرين يحملون غير ما نحمل من أفكار ومعتقدات أو مصادرة حقهم في هذا الاعتقاد المختلف، ومقتضياته هي.وبناءا على ما تقدم فيؤسفني أن أقول أن من يصف أفكار غيره ومعتقداته بالتخلف هو من يمارس أهم طقوس التخلف، وهي عدم القبول بالتنوع والاختلاف!! ولا أرى أننا ينبغي أن نرفع القبعات لهذا الجيل، إنما ينبغي أن نفرق بين احترام مبدأ الاختلاف، وحقنا في نقد محتوى الأفكار أو مسلك الذين يحملونها، وبخاصة إذا كانوا من عينة الأستاذ المفطر في رمضان .3 – وقولك أن كل إنسان ينبغي أن يكون له فكر خاص به، يؤمن به ويطبقه في حياته الخاصة والعامة، أتفق معك في ذلك، لكن مصادر تكوين هذا الفكر أو بالأحرى الموقف الفكري لا تعدو أن تكون إلا التدقيق فيما يقرأ أو يسمع أو ما هو مطروح على الساحة من بضاعة فكرية أو حتى حركية، وأعتقد في هذا السبيل أن كل صاحب فكر أو موقف حقيقي إنما يطمح إلى أن يحاوره أحد أو يختلف معه، وبخاصة الشباب، لأن هذا معناه أنه يطرح شيئا يستحق النقاش أو الاختلاف أو التوضيح، ولذلك فإن ذهابك أنت وغيرك لتناقش هذا الزعيم أو الكاتب أو ذاك المفكر فيما قرأت له، ولتتعرف على مذهبه أو منطقه أو حيثيات موقفه، هذا هو الحوار الأهم والمفتقد أما غياب المجادلة بالتي هي أحسن عن عموم حياة الناس فمشكلة أخرى لها أسبابها، فلماذا لا تبادر أنت وأمثالك في وفود صغيرة تجلس لتقرأ، ثم تزور لتناقش؟!!4 –أزعم –ولعلك تتفق معي– أن الآفة الخطر هي ما تشير إليه في رسالتك، وتسميه "السطحية"، وهي الخفة في تناول الأمور، والنقاشات السريعة الانطباعية المتعجلة لقضايا هامة وأساسية دون أخذ فرصة للعلم، بأولها أو تفاصيلها وجذورها.أنا لست مرعوبا من أية أفكار تنتشر وسط الشباب أو الكبار، لكنني مرعوب من هذه السطحية والحوارات المبتورة والمعالجات المتسرعة للقضايا.لقد كان الكفر موجودا طوال الوقت في كل الدنيا، وحتى في أزهى عصور الإسلام كانت أفكار الكفر وممارساته وأدبياته وكتاباته متاحة وذائعة، لكنها كانت محل نقاش ونظر وجدل في مجالس علم، ومناظرات رصينة، وفي تناول جاد لأناس يقرؤون ويفكرون، ويتحاورون مستهدفين الوصول إلى الحقيقة التي لا يملكها أحد، ولا يعلمها حقا إلا المولى عز وجل، وأقول أن استعادة هذا المناخ المفتوح الراقي هو من أهم شروطي لأوافق على تسمية مجتمعاتنا إسلامية وأزعم أن هذه الاستفادة ممكنة لو توافرت لدينا الإرادة والشجاعة والدأب والإصرار، أو سنظل ندور في حلقات مفرغة لا نهائية، ونسقط الواحد تلو الآخر دون أن نصل إلى شيء!!!*ويضيف الدكتور وائل أبو هندي الابن العزيز أهلا وسهلا بك على مجانين، وإضافتي فقط هي بعض الروابط فقد أعطاك أخي الدكتور أحمد عبد الله وجبة دسمة، وأنصحك بقراءة:الطب النفسي إفراز غربي لا يمت للإسلام بصلة الطب النفسي الإسلامي المرض النفسي دور الإيمان والعلاج بالقرآن وأهلا وسهلا بك دائما على مجانين.