ابنتي العزيزة: هكذا المشاعر تكون في مثل سنك: بريئة، جارفة، متدفقة، مندفعة، ضعيفة البصر والبصيرة لقلة الخبرة والتجربة، ومهيأة للوقوع في أخطاء أكبر. كنت أتحدث مع ابنتي- وهي في مثل عمرك- وأقول لها أن مشكلتي معها ومع جيلكم حين أحب أن أتحدث إليه أنكم ترون العالم من ثقب باب يرى جزءا محدودا من العالم، والمشكلة تكمن في أنكم تظنون أنه العالم كله بينما هو مجرد جزء محدود للغاية، وللأسف فإنكم لا تدركون هذا إلا بعد فوات الأوان، وربما لا يعرف المحيطون بكم كيف يتواصل أو يشرح لكم الأمور، ولكني هنا سأحاول:
طاقة المشاعر أصلا تكون هائلة، وهي أكثر ما تكون كذلك في مثل عمرك يا جميلة، وزميلك بفطرته يريد أن يعيش مشاعر الحب والحرمان ولوعته، وعذاب الفراق، والغيرة ونارها، والأطراف المحيطة به جاهزة لتمكينه من لعب هذا الدور العاطفي الذي يريده كل فتى لنفسه في هذا العمر!!
فأنت موجودة، والمنافس موجود، والظروف مواتية، فلم لا؟! في إطار الخريطة كما تذكرينها وترسمينها فإن عليك مسئولية سقطت على رأسك بدون سابق تنبيه، فجأة أصبحت مسئولة عن مزاج صديقك، ونجاحه، أو فشله، أو علاقاته، ومطلوب منك أن تحسبي كلماتك وخطواتك وتصرفاتك في إقامتك، وحتى في سفرك، وهو ما نعبر عنه بقولنا أن فلان أو فلانة مرتبطة!! فهل تدركين أنت هذا؟! ويسعدك أنه يعتبره ارتباطا، فهل هو كذالك حقيقة؟! وهل تحبين أنت هذه المسئولية، وهذا الوضع؟! وهل تتحملين تبعاته؟! وهل هذه هي المرحلة المناسبة لعلاقة عاطفية؟!
الأصل أنه لا بأس من التفاعل الاجتماعي العام، والتواصل في عموم حركة الحياة بين الرجال والنساء، الشباب والفتيات، ولكن يبدو أن التميز بين حدود العام والخاص، بين ما هو زمالة، وما هو عواطف ومشاعر مطلوبة ومقبولة في ارتباط شخصي بين طرفين يحصل عندما تتوافر ظروفه وملابساته!!
يبدو أن الحدود ليست واضحة عندكم بسب قلة الخبرة، واندفاع المشاعر، ولعلنا من أجل هذا السبب قد نتجه إلى نوع من الاقتصار والتحديد، فلا داعي لأية علاقة تجدين أنها ستأخذ منك ولا تعطيك، أو تفرض على حركتك ومشاعرك شروطا وقيودا مسبقة قبل أوانها، وبدون مقابل ملموس، والاختيار لك.
أحسب أن إجابتي هذه ستظهر، وأنت على وشك الانتهاء من الامتحانات، وربما انتهيت بالفعل، ولعلك بدءا من الأجازة القادمة تبدئين في توثيق علاقاتك أكثر مع صديقات لهن نفس الاهتمام والهوايات والمزاج، وتبتعدين عن صحبة الأولاد ما أمكن إلا لضرورة محدودة تقدر بقدرها، أو لقاء عام واسع جدا، أكبر من مجرد هذه المجموعة المزمنة السباعية.
هذا إذا كنت قلقة ولا تحبين هذه القيود في علاقة مثل هذه، وأنت تشتكين في ثنايا رسالتك، فإن العبء عليك أن تتخلصي منها بلطف، ولصالح علاقات جديدة أمتن وأكثر أمنا مع صديقات، أما إذا كانت هذه العلاقة بهذا الشكل تروق لك، فلا مجال لكلامي الذي قلته، ولعلي أختم هنا قائلا: أنني لا أتصور أن هناك وسط يمكن أن يحافظ لك على العلاقة، ولكن في إطار وحدود دون أن يتخطى صديقك خطوط الزمالة الحمراء إلى مساحات تندفع إليها الأجيال الأصغر دون وعي ولا رشد ولا إرشاد مضغوطة بطوفان الأغاني الشائعة، والمقاطع المصورة، واللقطات العاطفية، والكلمات الملتهبة، ولا يقول لهم أحد أن الذي يشتعل إنما هي أعمارهم وعقولهم وطاقتهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله. |