أسطورة الذئب والحملان!! رواية جديدة!!حسنا نحن هنا لنفكر، هذه هي رسالة الموقع الرئيسة فيما أفهم، نفكر ونتدبر ونتشاور، والمؤمنون أمرهم شورى بينهم، الرسالة استفزتني فعلا، والإجابة استفزتني أكثر، هناك خطأ ما في السؤال والجواب بل حتى في عنوان الاستشارة، شيء غير منطقي وغير حكيم ولن أجانب الدقة إن قلت أنه غير متسق مع السواء الإنساني، سأحاول أن ألتقط ذلك في هذه السطور، أو على الأقل أسهم بما يشبه العصف الذهني للتفكير في القضية المطروحة، والتي كان عرضها بطريقة أحادية مبسطة، وكانت الإجابة عنها أكثر تبسيطا واستفزازا.هناك خطأ ما كما أسلفت، لكن أين هو، هذا هو السؤال الذي من أجله أعدت قراءة الصفحة مرات، وتوصلت إلى أنه غالبا هو هذه الفوضى في الحديث عن القيم، حسنا الحلال والحرام، قضية أساسية في ديننا، لكنها نسبية بحيث تتدخل في تحديدها أمور عدة، فقد ينقلب الفعل من الحلال إلى الحرام باعتبار الظروف الطارئة عليه، كما أن الطلاق حلال وإن كان مكروها لكنه يكون حراما إن كان يؤدي إلى ضياع الزوجة وتشريدها كما نص على ذلك المالكية. كما ينقلب الفعل من الحرام إلى الحلال حال الاضطرار كما في حل الميتة للمضطر. وذات الأمر يسري على الفعل الحلال كما في التعدد، فإنه مع حله إلا أنه خلاف الأولى كما نص عليه الشافعية لأنه يرتب على نفسه واجبات قد لا يستطيع الإيفاء بها. وكيف أن المكروه قد يكون بابا إلى الحرام، ويتحدث الفقهاء أيضا عن أن ما قد يكون مباحا في حق بعض الناس يكون مكروها في حق آخرين، فكما أرشد الحديث إلى إقالة ذوي الهيئات عثراتهم، فإن الفقهاء تحدثوا عن أمور تكره في حقهم مع أن فعلها مباح في حق غيرهم. لذلك أعتقد أن عبارة كهذه تحتاج فعلا إلى مراجعة: "أنا أحترم زوجكِ لأني أجد أنه استخلص من ملذّات هذه الحياة كلها باب النساء! فأخذ يتزوج على سنّة الله ورسوله، وقد يكون يعتقد كما هو شائع عند الكثيرين، بأنه قد يكسب الأجر أمام الله إذا ما قدّم شيئاً من الحبور الجسدي لامرأة محرومة، مطلقة كانت أم أرملة، وأظن أنه له ذلك! ".فعل هذا الرجل – إن صح ما ذكر – ينم عن خلل قيمي حقيقي ناتج عن فهم قاصر للدين، ومزج له بالأهواء الشخصية، وإلا كيف تقبل شرعا هذه الفوضى في السلوكيات؟ وهذا الإشباع المتستر للغرائز المتفجرة، مع هدر فعلي لقيم المجاهدة والصبر فضلا عن الوفاء وتحمل المسؤولية برجولة، والنظر إلى حاجة الجسد والنفس إلى الشريك نظرة متزنة تعترف بهذه الحاجات كجزء من حاجات الإنسان، يمكن الصبر عنه مقابل عدم تضييع حق النفس في الحياة الكريمة، وحقوق الآخرين في أن لا نسبب لهم الخزي بتصرفات غير مقبولة عرفا؟ والعرف هنا هو عرف سليم راشد يوازن بين حاجات الفرد والمجتمع . تحضرني الآن مسألة الكفاءة وكونها حق مشترك بين الفتاة وأبيها أو أسرتها، هذا الحق يراعى في غالب الأحوال وهو حق فردي مجتمعي. وتسقط مراعاته في أحوال هي بمثابة الاستثناء لا الأصل. وذات الأمر يمكن أن يقال في قضية الزواج العرفي أو زواج المسيار، حيث لا فقيه يناقش في حله بصورته المعلومة التي تتضمن شاهدين، لكن ما ينبغي أن يناقش هو هل هذا الشكل من أشكال الزواج ناجع حقا في حل مشكلة النساء اللاتي لديهن ظروف تحول بينهن وبين زواج مشهر كامل الحقوق؟ ولماذا يكثر الحديث عن حل هذا الزواج ولا يبين أن اللجوء إليه قد يولد حالا أكثر ضغطا، وأشد صعوبة، بل لا يشار إلى أن الحقوق المسقطة من مبيت ونفقة هي حقوق متجددة بحيث يأثم الزوج إن أبى الوفاء بها فيما لو طالبته الزوجة بالحقوق المستقبلة إلا أن يختار فراقها.زواج المسيار يعد في بعض حالاته إن لم أقل أغلبها مثالا لقضية تضخيم حق الفرد على حساب حق المجتمع وقيمه وأعرافه.وكيف يقال أن فعل هذا الزوج أي الزواج المتعدد مسيارا أو ما شابهه هو فعل جيد، بحيث تشجع النساء عليه من قبل من يفترض أن يكون الناصح الأمين، وأعود فأقول ثانية: أين هي قيم الصبر والمجاهدة والأخذ بالعزيمة التي ينبغي لذوي الهيئات أن يتحققوا بها، ويرشدوا إليها، قولا وعملا. وفي المقابل أجد من عدم الإنصاف أن توصف من ارتضت هذا الخيار أي زواج المسيار بأنها ضحية، بحيث تعفى من مسؤولية اختيارها هذه الطريق، ومسؤولية أن تتحمل تبعات ذلك بشرف دون تشهير أو تعريض، فالزواج بهذه الطريقة ليس حلا جذريا، لكنه حل بشكل ما وما دامت قد ارتضته لنفسها فكيف تلقي باللوم على من ارتضته زوجا؟ هذا الحل قد ينقلب على أصحابه، والمرأة هنا إما أن تأخذ حقها المتجدد من الزوج أو تنفصل عنه بشرف ودون تصرفات دنيئة كما ذكرت آنفا لأنها مسؤولة عن اختيارها الطريق الذي يلبي لها حاجتها النفسية والجسدية للرجل بشكل له ضريبته التي تخف أو تثقل، لكنها ضريبة يجب أن تدفع لكل فعل خارج عن السياق المجتمعي.ونموذج آخر للخطأ القيمي في هذه الصفحة، هو حديث الزوجة عن استجابتها لأحاديث عاطفية مع بعض زملائها، لكنها لم تمارس فعل الخيانة، فهي بذلك أحسن حالا من زوجها. ولست أرى فرقا بين فعليهما سوى أنه سلك طريقا (حلالا)، لأن الشرع أعطاه هذه المساحة، بينما هي لم تسلك ذات الطريق إذ لا طريق (شرعي) يبرر لها خلل تمسكها بالقيم، قيم الشرع، وقيم الفضيلة . هي إذن تهون من شأن أحاديثها العاطفية ولا تعتبرها خيانة، وقد تبرر ذلك (شرعا) أن هذا الفعل من الصغائر ما دام دون الزنا، وهكذا تفرّغ الأحكام الشرعية من مضامينها، ويصبح الدين مجرد أحكام جامدة لا ارتباط لها بمقاصد شرعت من أجلها، وينسى أن الصغيرة في جنب الله كبيرة إذا ما استهين بها . وخلل آخر في وصف عمل الزوجة، وتتبعها لحال زوجها، بأنه أشد من الزنا، وما أفهمه مما درست في تخصصي الشرعي أن هذا لا يصح، فعلها مذموم شرعا نعم، لكن أليس ناجما عن الغيرة، والتي يغتفر في شأنها ما لا يغتفر في شأن غيرها؟ وهل يكون فعل المرأة هنا من الكبائر بل أشد من الزنا؟ لا، لا يصح مثل هذا الوصف كما أفهم، والحديث الذي يوجه للمرأة في مثل هذه الأحوال أن تعقلي ولا تدخلي في دوامة التجسس، والبحث والتنقيب، فكري في الأمر بشكل عملي، بحيث تقررين فعلا هل تريدين الاستمرار أم لا، وضعي في حسابك مسؤوليتك عن الأولاد، بل وحياة طويلة حقها عليك أن تجاهدي لاستمرارها ما استطعت، انظري أين تقصيرك فأصلحيه، وأقيمي جسرا من الحوار الطيب بينك وبين زوجك، ولديكما من الرصيد العاطفي والقيمي والعشرة والأولاد ما يعينكما على إصلاح حياتكما، ولا تلجئي إلى التصريح حتى تستنفدي سبل التلميح، واحفظي لزوجك هيبته وما تعلمينه فيه من الخصال الجيدة، ليس لأجله فقط، لكن لأجل أن لا تقطعي عليكما طريق العودة إلى علاقة متزنة بينكما . وتعليق أخير على فعل تلك الزوجة التي قامت بالتسجيل والتصوير، وهو فعل شائن، لكنها فوضى القيم –كما أسلفت- التي تتخذ من الدين ستارا، وتفرغ أحكام الشريعة من مضامينها، وتناقض مقاصدها. ولا حول ولا قوة إلا بالله . وختاما: فما سطرته من كلمات إن كان صوابا فلله الحمد والمنة، وهو بتوفيقه تعالى، وإن كان خطأ فمني ومن الشيطان، واستغفر الله من ذلك، وجزى الله خيرا من بصرني . والله المستعان . صفية الجفري 25/10/2006