السادة الكرام الأفاضل، أشكر لكم جهودكم الرائعة في هذه الصفحة التي أصبحت ملجأ الكثير من أصحاب المشاكل. وقد لمست فيها الإخلاص في العمل، والحرص على إبراز دور الدين في حل هذه المشاكل. وهذا إن دل فإنما يدل على مدى شمولية هذا الدين الذي لم يدخر وسعًا في إعطاء الحلول لجميع مشاكلنا، اجتماعية كانت أو نفسية، مع عدم إهمال الجوانب العلمية أو الأكاديمية. أسأل الله عز وجل أن يتقبل منكم هذا العمل، وأن يجعله في ميزان حسناتكم. أنا شاب في الرابعة والعشرين من عمري، تخرجت في إحدى الكليات العملية منذ سنتين، غير متزوج، ولست وحيد أبوي؛ فلي إخوة آخرون، ولم تحدث في أسرتنا الصغيرة مشاكل فادحة من طلاق أو غيره والحمد لله. ملتزم بديني قدر الاستطاعة، وأعمل منذ سنين في إطار إحدى الجماعات الإسلامية التي تتخذ من الشمول والوسطية والتربية منهجًا لها. ولدت وتربيت وأنا صغير في إحدى الدول الغربية، ثم عاد بي أهلي مع إخوتي إلى بلادنا خوفا من آثار المجتمع الغربي، وقد حرص أهلي دوما على إحاطتي بسياج من الرعاية والرقابة خوفًا من الاختلاط بأصدقاء السوء أو الذوبان في المجتمع الغربي؛ فلم أخرج بأصدقاء في حياتي إلا قليلا جدا، ولم أنفتح على أحد إلا عندما وصلت إلى الجامعة، وانتظمت في صفوف الدعوة، وبدأت معارفي تزداد. مشكلتي هي أنني غير قادر على تحديد معالم شخصيتي بوضوح، وهذا يسبب لي مشاكل كثيرة، وخاصة في التعامل مع الآخرين؛ لأنني أجد في نفسي العديد من الصفات أو السلوكيات التي أراها متناقضة في بعض الأحيان، وكثيرا ما يسبب لي هذا اكتئابا شديدا ويأسا من الإصلاح. وقد حاولت قدر الإمكان أن أجمع هذه الصفات عسى أن يكون ذلك أقرب لفهم المشكلة: (1) أنا أميل إلى العزلة والوحدة والاختلاء بالنفس، ولا أحب التجمعات العائلية أو اللقاءات الاجتماعية بصفة عامة، وإذا اضطررت لها يلازمني شعور داخلي بالضيق وعدم الراحة إلى أن تنتهي، وأشعر دومًا أني محط الأنظار في كلامي وحركاتي ومظهري. (2) أخاف من مواجهة الأشخاص الذين لا أعرفهم، ولا أجيد بدء حوار أو إقامة علاقة ودية بسهولة أو "إذابة الجليد" (Break the ice كما يقول الغربيون)، وهذا أمر ملازم لي منذ صغري. (3) أنا منظم في شئوني إلى أقصى حد، وأكره العشوائية بجميع مظاهرها بدءًا من ترتيب الغرفة حتى تنظيم الأعمال الدعوية. (4) أحب أخلاقيات الجندية، وألتزم بها كالانضباط في المواعيد، واحترام الكلمة، والرجولة في التعامل، والعدالة والإنصاف في الحكم على الأشخاص أو المواقف إلى أقصى حد. (5) أعاتب نفسي كثيرًا، وأجتر أخطائي، وأتندم عليها وإن مرت عليها شهور أو سنين، ولا أستطيع مسامحة نفسي عليها، وأظل أفكر دومًا فيما لو كنت قد فعلت الصواب في موقف ما أو اجتنبت الخطأ في موقف آخر. (6) أكره بشدة أن يراني أحد في موقف خطأ وإن كان بسيطاً أو غير مقصود، وأحب المثالية بصفة عامة؛ وهو ما يجعلني متردداً في الكثير من المواقف خشية اتخاذ القرار الخطأ، وأضطر أحياناً للتكلف في الكلام أو المعاملة؛ خشية أن تؤخذ عني صورة ما لا أرضى عنها. وإتيان الخطأ له أعراض عندي، مثل الشعور بالضيق، وفقد التركيز والعرق والعصبية، وزيادة دقات القلب، وعدم القدرة على الكلام والتعبير لشدة الإحراج. (7) هادئ بطبعي وأكره الصخب والصياح والمشاكل والنكد بصفة عامة، وأخاف من مواجهة المشاكل وإن كانت بسيطة، وأشعر برهبة كبيرة عند حدوثها وخاصة إذا تعلقت بأناس آخرين؛ وهو ما يدفعني كثيرًا إلى التنازل عن حقوقي حتى لا أضطر إلى الصدام مع غيري. (8) شديد القلق من مواجهة الأحداث المستقبلية، مثل امتحان أو مقابلة شخصية أو زواج، وهذا القلق تصحبه أعراض مثل آلام المعدة أو الصداع. (9) أعشق القراءة والفكر وثقافتي العامة ممتازة، وشخصيتي بصفة عامة تميل إلى الجوانب الفكرية أكثر من الجوانب الإيمانية والروحية، وهذا مرتبط إلى حد ما بقساوة أحسها في قلبي. (10) لا أحب الكلام بقدر ما أحب الاستماع والإنصات وأكره الظهور العام وإن لم يمنعني ذلك من المشاركة في الأعمال العامة التي تستوجبها الدعوة باعتبارها تكليفا شرعيا علي، وقد مارست من قبل إلقاء كلمة على جمع صغير من الناس وجمع التبرعات لنفس السبب. (11) سريع اليأس والإحباط عند الفشل أو ظهور بوادر فشل، وأفرح إلى حد بعيد إذا حققت إنجازًا ما، وأنا أنظر إلى حياتي بصفة عامة على أنها مجموعة من الإنجازات والإخفاقات، وأشعر أن الإخفاقات أكثر خاصة على المستوى الاجتماعي والديني فأنا مقصر في الطاعات وأرتكب المعاصي. (12) أنا شخصية انتقادية وأحاسب الناس بكثرة على أخطائهم (ولو بيني وبين نفسي)، ولا أفسر ما يقال لي من كلام من ظاهره بل أسعى إلى تفسيرات ظنية لما وراء ما يقال لي. (13) أحب الحوار بالمنطق والدليل والبينة والاستدلال العقلي، وأرفض الحكم بعاطفية. (14) أكثر من الأحلام اليقظة. (15) لا أشرك أهلي أو المقربين مني في مشاكلي لعلمي بعدم قدرتهم على حلها؛ فلا أراهم أهل اختصاص في ذلك، وهذا ما جعلني أكتب إليكم لشعوري بالتخصص والحرفية العالية لدى مستشاريكم. بعد هذا العرض المطول أود أن أسأل تحديدًا: (1) هل هناك تعريف نفسي عام لشخصية تجتمع فيها هذه المواصفات؟ أم أنها مجرد صفات تجمعت كما تتجمع أي صفات في أي إنسان؟ (2) أشعر بالضيق لأن كثيرًا من هذه الصفات تقف عقبات أمامي كداعية مهمتي في الحياة مرتبطة أساسا بالاختلاط بالناس والتفاعل معهم، فما الحل؟ (3) الخوف والقلق الشديد يؤذيانني بقسوة. أكره بشدة المناصب الإدارية وخاصة في عملي لعدم قدرتي على السيطرة على الناس أو الإمساك بزمام الأمور، فلا أنا أريد إثارة المشاكل مع غيري، ولا أحب جرح مشاعر أحد وأرغب أن تسير الأمور طبيعيًا، أي أن يؤدي الناس أعمالهم كما هو مطلوب منهم ليحصلوا على ما يستحقونه، وهذا بالطبع ليس هو الوضع في المؤسسات التي أعمل بها والتي تستوجب إدارة الأفراد بما يحقق مصلحة العمل. وفي النهاية الجبن لا يتلاءم مع دعوة عمادها الشجاعة والإقدام. (4) أخشى من عدم القدرة على السيطرة على بيتي وأسرتي مستقبلاً لقلة الحزم، وأخشى عدم التوافق ما بيني وبين زوجتي المستقبلية؛ فأنا عملي جدا بطبعي ولست عاطفيا. (5) لا أريد تعقيد الحل، ولكن من الصعب أن أعرض نفسي على مختص؛ لأن ذلك يفسر في مجتمعنا على وجه خاطئ، إضافة إلى أنني أكره البوح بمشاكلي الشخصية لأحد، بل حتى الكتابة إليكم أفعلها بعدم ارتياح -رغم علمي بسرية وخصوصية خدمتكم-؛ لذلك أستأذنكم أن يكون الحل على شكل خطوات أستطيع القيام بها بنفسي دون اللجوء لأحد، ولا مانع عندي من قراءة بعض المقالات أو المراجع بالعربية أو الإنجليزية للتعرف أكثر ما أشكو منه إن كانت متوفرة. عذرًا على الإطالة، وسامحوني على كثرة الاستطراد؛ فهذه أول مرة في حياتي أبوح بها بما في داخلي لأحد (وأرجو أن تكون الأخيرة)، أسأل الله عز وجل أن يتقبل منكم أعمالكم، وأن يفرج عنكم الهموم والكربات كما تفرجونها عن غيركم، وفقكم الله لما فيه الخير والسلام عليكم ورحمة الله. 3/4/2007