أرسل إليكم بعد أن ضاقت بي السبل، وبعد أن فشلت في السيطرة على حالتي التي تزداد سوءا كل يوم، واعذروني إن لم تكن أفكاري مرتبة، كما أرجو أن يتسع لي صدركم لأنني أتعذب بحق. في الحقيقة أنا أعاني من عدة مشكلات نفسية؛ فأنا أعاني من ضعف في الشخصية شديد جدا وطيبة مبالغ فيها في التعامل مع الآخرين وعدم ثقة في النفس لأبعد الحدود، حتى إنني لا أعرف ماذا أكره؟ وماذا أحب؟ وأتأثر برأي الآخرين بشكل كبير، وقد أدى ذلك إلى انطوائي وبعدي عن الناس بل والخوف من اجتماعي بهم، وخاصة الأقارب؛ حيث إنني أتلعثم في الكلام وأرتبك وليست عندي سرعة بديهة في الرد، وما إلى ذلك. وأشعر دائما أنني أقل ممن أتعامل معهم حتى ولو كان العكس، بالإضافة إلى أنني في بعض الأوقات أشعر بضيق لا مبرر له، أشعر معه بأن الدنيا ليس لها معنى في عيني، وهذه الحالة تأخذ وقتها ثم تزول؛ لأنني غالبا ما أشعر بها عندما أكون في إجازة مثلا ومبتعدة عن أصدقائي وليس لدي شيء أفعله. كل ما سبق من مشاكل كنت أتعامل معه وأتخطاه، وحتى إن لم أكن أتخطاه فلن يكن أفظع مما يحدث لي هذه الأيام، فمنذ ثلاثة شهور تخرجت في الجامعة ووقتها شعرت بأن الحياة أصبحت غير ذات معنى وبلا هدف ولا أمل بالنسبة لي؛ لأن كليتي وأصدقائي كانوا الملاذ الوحيد في كل ما يحدث لي وطيلة أيام الدراسة أكون سعيدة جدا، وليست لدي أي مشاكل نفسية وأكون في منتهى الحيوية والنشاط. أصابتني حالة مرضية أشعر بها كلما تضايقت أو كلما بعدت عن أصدقائي أو في الإجازات بشكل عام، وهي تعب بمعدتي، ونوم لفترات طويلة يصل إلى معظم ساعات النهار وعدم الرغبة في الطعام والشعور بغثيان وعدم الرغبة في فعل أي شيء. حاولت أن أتغلب على هذه الحالة، وبالفعل تحسنت حالتي، وأصبحت أكثر نشاطا وإقبالا على الحياة، ولكن منذ حوالي شهر انتابتني حالة غريبة لا أكاد أصف مدى قسوتها بالنسبة لي، حتى إن كل مشاكلي السابقة أهون منها بكثير، والله وحده يعلم كم أتعذب منها، وهي أنني أتخيل مناظر دموية بشعة ومناظر مقززة لا تفارق خيالي أبدا وتتوارد هذه الأفكار إليَّ بشكل فظيع يكاد يقتلني ويحدث ذلك أحيانا بإرادتي أو رغما عني. وأتوقع المصائب دائما وصرت أشعر بالاشمئزاز والقرف الشديد والرغبة في القيء لأشياء تافهة لم تكن تثير انتباهي سابقا، مع أنني لا أحب أن أشاهد أفلام الرعب، ولا أطيق أن أرى أي جرح بسيط، وأخاف جدا من منظر الدم حتى إنني كلما رأيت جرحا بسيطا شعرت بثقل في أرجلي حتى كلما سمعت مجرد سماع عن شخص مريض أو كذا شعرت بضيق فظيع أو شاهدت برنامجا مثيرا به حوادث أو حالات إنسانية صعبة بالتلفاز. كل ذلك كان يأخذ وقته ثم ينتهي بعكس ما يحدث لي هذه الأيام، حتى إنني صرت أسترجع أشياء حدثت لي في الماضي وأتعبتني تكاد لا تفارقني. وهذه الحالة عندي منذ الصغر، وأعتقد أن بدايتها عندما كنا نزور أحد أقربائنا وأنا طفلة وحكى لنا قصة مخيفة، وعندما عدنا إلى المنزل انتابتني حالة رعب شديدة وضيق تنفس ورعشة، حتى إن أبي أحضر لي طبيبا بالمنزل عند الفجر، وأخبرهم أنني خائفة من شيء ما وحذرهم من أن يضايقني أحد أو يروي أمامي قصصا مرعبة، ومنذ ذلك الوقت وأنا بهذه الحال أخاف من أشياء لا يخاف منها أصدقائي مثلا، حتى إنني عندما كنت طفلة كنت أحلم بكوابيس مزعجة جدا جدا. أيضا كما أصبحت النظافة عندي بشكل مرضي، حتى إنني أغسل يدي أكثر من مرة كلما لمست شيئا ولو كان نظيفا، وهذه الحالة لدي منذ القدم، ولكنها لم تكن بهذه الحدة؛ لأن أمي علمتني هذه النظافة المرضية. صرت أشعر بالحسرة على ما يحدث لي كلما رأيت البنات في مثل سني يضحكن، وليست لديهن أي مشكلة، كما أشعر بالذنب لما يحدث لي؛ لأنني أشعر أحيانا أنني السبب فيما يحدث لي وأنا التي أتيت بهذه الوساوس إلى رأسي، كما أشعر بالضيق كلما سألني أحد عن هذا الضيق وبنقص وزني عن المعتاد، وأنه ليست هناك مسببات ولا دواعي لهذا الضيق وينعتونني بأنني ضعيفة الإيمان وأنا أقف أمامهم عاجزة ولا أستطيع أن أدافع عن نفسي ولا أن أشرح لهم حالتي لأنهم لن يفهموني؛ فأنا تعسة وأتعس من حولي معي، كما أسبب الضيق لأبى وأمي اللذين يريان أن هذا الضيق لا مبرر له، وأشعر أنني سوف أصاب بالجنون أو بأنني سوف أموت. لم أعد أستطيع حتى أن أسترخي وأستمع إلى أي شيء يهدئ أعصابي كعادتي؛ لأن هذه الوساوس تنقض على كالقذائف بإرادتي أو رغما عني، وأحاول دائما أن أنسى وهي عملية مرهقة جدا وكأنني أزيح صخرا من على صدري دون فائدة؛ حتى إنني لو نسيت أذكر نفسي بنفسي من جديد بهذه الوساوس ولم يعد شيء يسعدني أو يهون عليَّ، خاصة أن ذلك يؤثر في عدم رغبتي في الطعام وتفتيشي في كل شيء ألمسه قبل أن أتناوله لآكله وأتخيل به ما يقرفني، حتى إنني أقرف حتى عندما أشرب الماء، ودائما أتخيل بفمي أشياء غريبة وألما بمعدتي وصداعا وثقلا بجسمي كله ودوارا وبكاء وضيقا وتساقط الشعر ورغبة في القيء. وحالتي النفسية أصبحت متقلبة، بمعنى أنني في بعض الأحيان أشعر بسعادة كبيرة وأحيانا العكس بسبب أو بدون سبب وأصبحت قلقة دائما وعصبية، مع العلم أن معدتي عصبية وأعاني من القولون العصبي، وصرت لا أستطيع أن أضحك من قلبي، وحتى إن ضحكت أشعر بأن هناك شيئا ما ينغص عليَّ حياتي حتى نقص وزني بشكل كبير، مع أنني نحيفة في الأصل؛ وهو ما أثر على مظهري الخارجي وزاد من تعليقات الناس على نحافتي. وصرت أخاف أن أنام حتى لا أرى كوابيس مرعبة تحمل نفس المعنى وأفظع، أو أشعر بالقلق الذي يعتريني كلما ذهبت لأنام، حتى إنني صرت قلقة طيلة الوقت، وأخاف أن أخرج أو أقابل أحدا خشية أن يذكر أمامي حتى مجرد كلمة تثير اشمئزازي أو أرى شيئا يقرفني. لقد درست مادة علم النفس ضمن دراستي، وأشعر أن ما لدي هو وسواس قهري وخوف مرضي، ولكن لا أدرى كيف أتخلص منه؟ هل حالتي خطيرة وهل سأتخطى هذه المحنة وأعود إنسانة طبيعية، علما بأنني متدينة والحمد لله ولا أعاني من أي ضغوط وأعيش حياة مترفة؟ وهل يحدث ذلك إذا شغلت نفسي بأي شيء، علما بأنني رفضت أكثر من فرصة عمل وزواج لأنني أشعر بأنني إنسانة غير طبيعية وبأنني انتهيت، علما بأن هذه الحالة تزول عني جزئيا إذا ما التقيت بأحد أصدقائي أو انشغلت بشيء ما ولكنها تعود كلما خلوت بنفسي أو ذهبت لأنام؟ آسفة جدا للإطالة.. ولكن أرجو إفادتي لأنني في اضطراب نفسي فظيع جدا، وهل هذا الاضطراب سببه الفراغ الذي أنا فيه، علما بأنني كنت في أحسن حالاتي في الدراسة؟ أرجوكم ساعدوني، علما بأنني لا أستطيع الذهاب إلى طبيب نفسي مطلقا لأسباب خاصة. وجزاكم الله كل خير. 28/4/2007