أعزائي في موقع "مجانين"، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، إني من أشد المهتمين بموقعكم الرائع؛ فأنا أتصفحه يوميا وأنهل من علوم الأساتذة الأفاضل، سواء محررين أو مستشارين أو غير ذلك. والآن وبعد قراءتي لإفادة الأخت -عافاها الله- وجدت أن الكثيرين من الذين يرسلون باستشاراتهم بخصوص الوساوس التي تنتابهم تكون وساوسهم ذات صلة بالناحية الدينية، فهل من تفسير؟ ثم إني بحاجة ماسة لاستشارتكم في حالة لدينا بالأسرة لها علاقة -كما أستنتج يوما بعد آخر- بهذا المرض، وبالطبع نسأل الأساتذة المختصين بشأنها؛ فقولهم هو الفصل، فالمسألة تخص شخصا من أهل زوجي (أخاه)... الحكاية طويلة وقد حاولت مرارا إرسال سؤالي إليكم لكني أجد أنكم في كل مرة قد اكتفيتم واستقبلتم العدد المطلوب؛ وهو ما اقتضى أن أوصل صوتي إليكم بهذه الطريقة. إني في الواقع متزوجة منذ 6 سنوات وحتى الآن لم أقابله بسبب ظروف سكنه وسكننا، وسأبدأ من البداية.. فإن زوجي يعيش هنا في الغربة منذ 22 سنة، وقد جاء للدراسة وبقي حتى الآن.. لديه هذا الأخ فقط و4 أخوات.. كنت دوما أتساءل عن ظروف أخيه الغامضة بالنسبة لي، وهم إجمالا (زوجي وأهله) لا يقولون شيئا عنه. فقد غادرهم زوجي منذ تلك السنين وكانوا في لبنان فقد عاشوا حياتهم حتى تلك المرحلة هناك. حتى اشتدت أزمة الحرب ولم يجدوا بدا من العودة لبلدنا الأصلي، ثم حصلت بعض الأمور مع أخي زوجي أثرت عليه بشكل سيئ للغاية؛ فهو لم يجد ما كان يرجوه في بلده ولم يستطع الاستفادة من شهادته الجامعية. وبحسب ما أخبرتني حماتي عن ذلك أنه أصيب بصدمات لم يتحملها لكونه شخصا حساسا وعاطفيا كثيرا، وقد سافر إلى أوربا منذ بداية الثمانينيات وهو ينوي ألا يعود، ومنذ ذلك الحين وهو في عزلة شبه تامة عن المجتمع رغم أنه ذكي ورغم أنه كان اجتماعيا كما أخبرني زوجي. أما عمي (والد زوجي) فقد توفي بعد هجرة ولديه وهو نادم؛ لأنه سمح لهما بذلك تاركا بناته وزوجته دون معيل إلا من زوجي الذي تخرج ولله الحمد، وبدأ يرسل لأمه ما يجعلها تعيش في مستوى ممتاز كما كان الحال قبل وفاة عمي؛ حيث كانوا يعيشون جميعا قبل الحرب ونكبتها في رغد وسعادة. أما سؤالي فإنني أريد أن أعرف رأي الأساتذة الكرام في حالة أخي زوجي.. إن زوجي دوما قلق عليه لأسباب عديدة.. فهو كما قلت أصبح غريب الأطوار (بشهادة أخيه) ورفض أي أحد من الأهل الاعتراف بذلك.. تتجلى هذه الغرابة في أنه يريد أن يبقى وحده ليفكر حسبما يقول.. لا يطيق فكرة الزواج والارتباط بأحد.. عنده ميل عجيب للحساسية من أي كلمة أو تصرف يوحي له أن أحدا يريد تجريحه..، ولقد رزقني الله تعالى بطفلين أحدهما (الأكبر) يبدو لي أنه يشبه عمه في بعض الصفات (عمره الآن 4.5 سنوات)؛ ولأننا لا نجد الفرصة للسفر إليه أو أن يذهب هو إلى أي مكان فقد قلقنا عليه.. فإن أصابه أي أمر فكيف سندري ولا صلة بيننا إلا الماسينجر والهاتف؟ كما أني علمت عنه أمرا خطيرا منذ حوالي سنة، فهو بسبب وحدته وحبه للقراءة والفلسفة وصلت به أفكاره إلى درجة خطرة هي الشك بالله وإنكاره والعياذ لله؛ وهو ما دفع بي مؤخرا لاستئذان زوجي في مراسلته أحيانا لإقناعه بالعدول عن هذه الأفكار، ومحاولة لإثبات الأمر بأن ربنا موجود بكل تأكيد، وجدته شخصا في غاية الرقة والحساسية، لكنه غريب الأفكار جدا، ولا يبادر أبدا بالسؤال بل ينبغي علينا نحن أن نكلمه إن أردنا، أما هو فلا يكلم أحدا إن لم يكلمه.. وأما آراؤه فأعرض بعضها عليكم لعلكم تدلونني فيعرف زوجي ماذا يفعل، حيث إنه لم يقتنع بأن هنالك احتمالا لإصابة أخيه بأي شيء. أما الأهل هناك فليس لديهم أدنى فكرة، وتبريرهم الدائم أنه فقط حساس وأنه سافر فقط لأنه شعر بالضيق من أحوال البلاد.. لقد قال بعد استدراجي باللين له (فهو لا يتعامل مع أحد كما قلت) إن الله غير موجود والعياذ بالله، وإن الحياة تافهة جدا؛ لأن البشر لا يجدون شيئا يدعم انتظارهم، ولم يقل ماذا يقصد بذلك، كما قال إنه في أحيان كثيرة يشعر بأنه لا يريد عمل أي شيء بل فقط الجلوس والتفكير وهذا يجعله مشغولا جدا.. لا أدري حقا هل هذا عرض نفسي طبيعي أن يقول الإنسان ذلك؟ وأما حين حاولت جداله حسب قدرتي عن الله تعالى وذاته فقال إننا لا نجرؤ على الإفصاح عن أننا نؤمن لمجرد التقليد دون برهان؛ فهو يجد أنه لا يوجد إثبات لأي شيء، ويتساءل إننا إذ نقول إن ربنا يتصف بالكمال المطلق نناقض أنفسنا؛ لأنه -حسب رأيه- إذا كان يتصف بالكمال فلماذا أوجدنا؟ إنه يعتبر أن الرب ينبغي ألا يحتاج أحدا، وحين قلت إنه لا يحتاج، فقال لماذا إذن خلقنا؟ فقلت للعبادة وعمارة الكون، فاعتبر أن هذا نقيض للكمال، وكأن الله إذ خلقنا لعبادته فهو بحاجة لمن يمجده وهذه الرغبة هي دليل تناقض فإن كان غنيا عن عباده فلماذا يريدهم أن يعبدوه؟ كما أفادني أنه كلما أمعن في الأفكار عاد من حيث بدأ ووصل إلى نفس تلك الأفكار، ألا يعني هذا أنها أفكار تسلطية أو اجترارية؟ وهكذا فقد شعرت بضيق في صدري لهذه النفسية غريبة الأطوار التي أوصلته لتلك الشكوك وغيرها كثير.. وقد شعرت أن هنالك عدة أمور غريبة في تفكيره وأعماله، فهو لا يفرط في أي شيء مهما كان صغيرا كورقة أو عبوة فارغة مما نرميه عادة، كما أنه بطيء في أعماله كثيرا -قال ذلك مرة عن نفسه- ويتميز بحزن كبير جدا على الماضي وذهاب أيام العمر وانقضاء الطفولة... إلخ. فما معنى كل هذه الأمور التي ذكرتها يا ترى؟ هل شكوكه وجحوده لله والعياذ بالله يمكن أن يعزى إلى مرض نفسي ووساوس؟ والأسوأ أنه لا يريد أن يتدخل في حياته أحد، ولا يقبل أن يعيش مع أحد ولا يقبل أي كلمة فيها نوع من الانتقاد فهو يعتبر ذلك قمة التجريح والتدخل في شئونه وإقحام للغير في حريته الشخصية، أرجوكم ما العمل؟ إن زوجي أحيانا يحس كأنه ابنه وهو مسئول عنه شخصيا بعد وفاة والدهما، فهو شخص غير واقعي لا يعتمد عليه؛ وهو ما أوجب على أخيه أن يعيله كذلك.. فما حالته يا أهل العلم؟ وأنا مستعدة لأي سؤال قد يفيد في تشخيص حالته وإخراجه مما هو فيه عله يعود إلى سواء السبيل وتتحسن أحواله، وللعلم هو الابن البكر لأبويه وهو في منتصف الأربعينيات، أما زوجي فيصغره بعام واحد فقط. آسفة جدا على إقحام نفسي بهذه الطريقة، ولكني وزوجي قلقان عليه ولا أجد في غربتي ووحدتي من يرشدني، وزوجي أصلا متكتم ولا يحب الحوار خاصة في المسائل الشائكة كهذه المسألة العائلية الدقيقة.. آسفة على الإطالة وأرجو أن أجد في رحابة صدوركم ما يخفف عنا ويفيدنا، وشكرا جزيلا لكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. 3/3/2007