إغلاق
 

Bookmark and Share

الاسم:   ****** 
السن:  
24
الجنس:   ??? 
الديانة: مسلم 
البلد:   الوطن العربي 
عنوان المشكلة: نفوس في مدن مريضة،جهود العلاج الإسلامي 
تصنيف المشكلة: اضطرابات وجدانية: اكتئاب Major Depression 
تاريخ النشر: 18/07/2007 
 
تفاصيل المشكلة


الإخوة الأعزاء في موقع "مجانين"، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وتحية طيبة عطرة، ملؤها الاحترام والتقدير لجهودكم الجبارة في مساعدة الناس، خاصة جيل الشباب الذي يتخبط في مشاكل لا تُعد ولا تُحصى.. بوركت جهودكم، وكان الله معكم في هذا المشروع البناء، وبعد؛
 
أنا شاب مسلم في الـ 24 من العمر، أدرس في إحدى الكليات بالسنة الثالثة. كانت الـ 18 سنة الأولى من حياتي التي قضيتها في بلدتي الهادئة المحافظة -إلى حد ما- مستقرة، وكنت من المتفوقين في المدرسة، ومضرب المثل في التفوق، ولكن بعد أن انتقلت للدراسة في العاصمة بدأت تظهر مشاكل عديدة عكرت مسيرة حياتي:

أولها مشكلة الجنس الآخر، ومشكلة العواطف والحب والرومانسيات إلخ، علما أنني من بيئة محافظة إلى حد ما، ثم بدأت المشاكل تظهر تباعًا من شعور بالنقص، إلى فقدان الثقة بالنفس، إلى اكتئاب ويأس وقنوط من الحياة بمجملها؛ وهو ما أدى إلى نتيجة منطقية متوقعة، وهي تأخر دراسي مخيف بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى؛ حيث هذه السنة الثالثة لي في الفرقة الثالثة؛ حيث رسبت سنتين متتابعتين، إضافة إلى معدلي الدراسي الضعيف (55%).

حاولت العلاج عند طبيب نفسي منذ سنتين، لكنني لم أستمر؛ لأن تكاليف العلاج كانت باهظة بالنسبة لي (كانت أجرة الجلسة عالية جدا)، وشعرت أن الطبيب يماطل ليحصل على أكبر عدد من الجلسات ليفوز بأكبر قدر من المال (الطب مهنة إنسانية!).

وأخيرا لجأت إلى جمعية حكومية للعلوم النفسية، وهي جمعية تابعة للجامعة تعالج بالمجان، وبقيت أتردد عليها حوالي 3 أشهر، واستفدت منها إلى حد ما، لكن كان هناك حاجز يقف كالطود الشامخ بيني وبين هذا العلاج، وهو أنه لا يشرك الدين مطلقًا في عملية العلاج، والعلاج قائم على أسس علمية محضة، وهذا ما جعلني أنقطع عن العلاج.

طلبي الوحيد منكم هو أن ترشدوني إلى هيئة أو مؤسسة إسلامية تُعنى بالمشاكل والقضايا النفسية، ويكون العلاج فيها على أسس إسلامية؛ لتساعدني في الخروج من هذا الوضع المأساوي.. مع خالص شكري ومحبتي لكم.

18/6/2007

 
 
التعليق على المشكلة  

أخي السائل، لقد تركت العلاج عند الطبيب النفسي؛ لأن تكاليف الجلسة كانت باهظة؛ أي جلسات تقصد؟ هل هي جلسات علاج نفسي تحليلي، أم جلسات علاج نفسي معرفي سلوكي، أم أنها جلسات علاج كهربي؟ لو أنها الأخيرة فإن 6 جلسات علاج كهربي ستكون كافية بإذن الله تعالى لإخراجك من البئر العميقة المظلمة التي سقطت فيها، ولكنني لا أظنك تقصد هذا النوع من العلاج؛ لأنك كما قلت شعرت أن الطبيب يماطل! وأنا بالطبع لا أستطيع أن أدافع عن طبيبك بالذات، لكن ما أعرفه هو أن العلاج النفسي التحليلي دائما ما يكون طويل الأمد، وقد لا يفيد في حالتك.

وأما العلاج المعرفي السلوكي؛ فلا أدري إن كان متوفرا في بلدكم من يقوم به أم لا؟ لكنه أفضل الأنواع، وإن كان يحتاج في حالتك المزمنة إلى دعمه بالعقاقير المضادة للاكتئاب، واقرأ :
متى يجب أخذ عقار للاكتئاب؟

ما أتخيله أنا ولست أدري إن كنت محقّا أم لا- هو أنك رفضت العلاج الدوائيّ، وطلبت علاجًا نفسيًّا تريد فيه من الطبيب النفسي أن يحل لك المشكلة دون أن تتعب (أي كما يفعل الساحر) وهذا بالطبع غير ممكن، وأصحاب هذا المفهوم من المرضى كثيرون للأسف! ويتميزون بتوقعات تفوق الحقيقة عن طبيبهم النفسي، وعن قدراته على معرفة أشياء لا يعرفونها هم أنفسهم خارج ميدان الطب النفسي بالطبع؛ لأن طبيعة الموقف الطبي عامة تفرض كون الطبيب أكثر علمًا من مريضه في حدود تخصصه.

لكن الأطباء النفسيين مساكين!! فمجال عملهم في رأي كثير من المرضى هو الحياة بأسرها على ما يبدو وقدرتهم على حل المشاكل وتقديم العون هي بالتأكيد فوق الشك! بعضهم يجلس مع الطبيب النفسي، ويطلب منه بعد الجلسة الأولى أن يقدم له الحل لمشكلة عمرها مثلا خمس سنين، وتقع في الغالب خارج مجال الطب النفسي، وتكون مشكلة اجتماعية في أغلب الأحيان! وبعضهم يزور الطبيب النفسي مرة واثنتين وثلاثًا، ويبدأ الطبيب العمل معه، ثم يفاجئـه بعد ذلك بأنه لا يستعمل الدواء الذي اتفقا معا عليه، ثمّ يفاجئه بأنه لم يكن يتوقع منه دواء كيميائيا! وهذا ما أتخيل أنه حدث معك، وقد أكون مخطئا.

الحقيقة أن من واجب الطبيب النفسي أن يشرح لمريضه ما يلزمه به منذ البداية؛ لأن العلاج النفسي لا يغير مريضًا بدون تعب، خصوصًا في مجال السلوك الاجتماعي أو الفردي الواعي؛ أي في مجال العلاج السلوكي الذي يتطلب من المريض عملا مع الطبيب وفي حياته لكي يتحقق التغيير! وليستشهد بالآية الكريمة "إن الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم"، فإذا كان الله عز وجل وهو القادر على كل شيء يطلب من الناس تغيير ما في سلوكهم حتى يستحقوا أن يغير ما بهم بقدرته التي ليس كمثلها قدرة.. فكيف نريد من الطبيب النفسي أن يمتلك القدرة على التغيير وحيداً؟!!

أما في مجال المشكلات الاجتماعية المزمنة التي ربما يحتاج المريض فيها إلى مساعدة علاجية دوائية، أو نفسية تدعيمية، أو مساندة، حيث يتوقع المريض حلا سحريا من طبيبه النفسي، في حين أن الطبيب -إذا وفقه الله- يستطيع فقط أن يحسن من حالة المريض النفسية ومن ردود أفعاله، بحيث يستطيع المريض أن يفكر ويقرر بشكل سليم، ويستطيع هو وطبيبه بالعمل معا أن يقللا من حجم الصعوبات والمشكلات التي قد تتفاقم لوترك المريض دون علاج نفسي!!

وأعود الآن إلى حالتك يا أخي، من الواضح في حالتك –كما يبدو لي- أنها اضطراب اكتئاب جسيم إضافة إلى أعراض أخرى قد تكون ثانوية للاكتئاب وقد تكون سببا فيه... وفي الحالة الأولى التي تعني أن الاكتئاب هو الأساس فإن علاج حالة مزمنة كحالتك لا بدّ أن تعطى الأولوية فيه للعقاقير الدوائية، تلك العقاقير التي لا تسبب التعود ولا الإدمان (وكل مضادات الاكتئاب كذلك)، وأفضل أنا لك أحد أنواع "الماس" أي مثبطات استرجاع السيروتونين أو الماسا أي مثبطات استرجاع السيروتونين الانتقائية التي تعمل على زيادة الناقل العصبي (السيروتونين) في الوصلات العصبية في المخ، وسبب اختياري لهذا النوع من مضادات الاكتئاب هو فائدتها في علاج الخجل والخوف الاجتماعي، وفائدتها في إعانة المرء على توكيد ذاته، وتأكد أن هذه الأدوية التي سيقوم طبيب نفسي مختص في بلدك بوصفها لك ستساعدك على ذلك دون الحاجة إلى الجلسات باهظة الثمن التي تشكو منها. فقل لطبيبك النفسي إنك تريد عقار اكتئاب يعمل من خلال زيادة السيروتونين، والشفاء من الله من قبل ومن بعد، والدواء مجرد سبب نحن مأمورون بالأخذ به.

وأما في الحالة الثانية التي تعني أن الخجل الاجتماعي وانخفاض ثقتك بنفسك وقدرتك على توكيد ذاتك (ويقصد بها القدرة على التعبير عن مشاعرك تجاه الآخرين وتجاه أفعالهم)، فمن الممكن أن تكون سببا في وصولك إلى الاكتئاب الجسيم، وإن كنت أنا شخصيا أميل إلى التسلسل التشخيصي الأول.

إلا أنه إذا كانت حالتك هي الحالة الثانية فإن العلاج المعرفي السلوكي هنا هو الأهم، وهذا ما ينقلنا إلى إشارتك إلى عدم إشراك الدين في العلاج عندما قلت في إفادتك: "لكن كان هناك حاجز يقف كالطود الشامخ بيني وبين هذا العلاج، وهو أنه لا يشرك الدين مطلقا في عملية العلاج وقائم على أسس علمية محضة؛ وهذا ما جعلني أنقطع عن العلاج".

لست أدري أنا ما سبب المشكلة، هل يشركون الدين في بلادنا في أي شيء دنيوي! إنهم لا يفعلون يا أخي، ولكننا مثلا لا نترك الجامعة لأنهم لا يشركون الدين في وضع مناهجها، كما أننا لا نترك المستشفى ونرفض إجراء الجراحة لأن الطبيب لا يبسمل قبل أن يستخدم المشرط، يا أخي هذا خلل عام في هيئاتنا ومؤسساتنا في العالم العربي، ولكنه لا يسمح أو يبرر لك بأن تهرب من العلاج؛ لأن ما فعلته أنت هو الهروب المرضي المرفوض أيا كانت الأسباب التي بررت بها تصرفك لنفسك سواء مع طبيبك النفسي الخاص أو مع المؤسسة الحكومية، وهو شائع جدا –أي الهروب- في مثل حالتك، بل هو من مظاهر المرض.

إن إشراك الدين في العلاج النفسي هو الهدف الذي وهبت حياتي أنا شخصيا له ومعي أخي وزميلي
د. أحمد عبد الله، ومعنا كل طبيب نفسي مسلم يريد ذلك، لكن الأمر ليس بالبساطة التي تتخيلها أنت ولا علاقة له كما أتخيل بحالتك؛ فأنت في حاجة إلى عقاقير مضادة للاكتئاب، أولا وقبل كل شيء، ثم هل طلب منك الطبيب النفسي مثلا ألا تصلي أو أن تغضب الله بفعل حرام؟ لا أظن ذلك، وإنما أظنه قال لك كلمة علمها له أساتذته القدامى من الرعيل الأول من الأطباء النفسيين في بلادنا أولئك الذين كان بعضهم يفصل فصلا تاما ما بين الدين وبين الطب النفسي، ليس لأنه غير مؤمن بدين، ولكن لأنه أراد أن يريح دماغه من المتاعب، ولم يرد لنفسه أن يقتحم تلك المساحة الصعبة الملغومة، فيتلقى اللوم من هؤلاء وأولئك، وهذه قصة تطول.
تستطيع بعد عدة أسابيع من استخدام مضاد الاكتئاب (من مجموعة الماس أو الماسا) أن تواظب على الصلاة في المسجد، ويمكنك أيضا تغيير المسجد كل ثلاثة أو أربعة أيام لكي يساعدك ذلك في التخلص من الخجل الاجتماعي، كما أن إسباغ الوضوء وإطالة الركوع والسجود قد ثبت في سلسلة أبحاث أجريت في ماليزيا أنها تساعد مع العقارات في تعجيل تحسن القلق والاكتئاب.

أنا أرى أن ترجع إلى المؤسسة العلاجية التي وجدت فيها بعض الفائدة، وأن تلتزم بنصائح الطبيب النفسي المسئول عنك، وألا تخدع نفسك لأن البقاء على حالة الاكتئاب الشديد التي تعيشها -وتداعياتها السلبية على حياتك كلها- سيجعلك مسئولا أمام الله عن تفريطك في علاج نفسك.

وأنصحك بقراءة إجابات سابقة لنا على حالات تشبه حالتك، وهي:
اكتئاب=مرض نفسي باطن= اطلب العلاج
الأرق والحظ الأسود واليأس: اكتئاب
آلام الغربة والاكتئاب
الإدراك الانتقائي
عقاقير لإسكات الضمير: سيكولوجية الذنوب
التائب من الذنب كمن لا ذنب له مشاركة
حكاية الماس والماسا؟ ضد الاكتئاب والوسوسة

* ويضيف د. أحمد عبد الله أؤكد على التوصيات الواجبة المذكورة إرشادًا للسائل، وقد أمسك أخي د. وائل عن ذكر تفاصيل ما يقوم به منذ فترة في مجال تكوين رؤية لجوانب الطب النفسي على أساس يجمع بين نتائج الأبحاث العلمية الغربية، والخبرة الإكلينيكية المباشرة في الممارسة المحلية، والتواصل مع جهود تراث علمائنا الأجلاء من الرواد في الماضي القريب والبعيد، وقد أسفرت جهوده المباركة التي بلورت ورصدت حصاد نقاشات مستمرة بيننا منذ ما يزيد على العشر سنوات، وله هو فضل التوثيق والتأصيل بدأب تشغلني عنه أمور كثيرة، أقول أسفرت هذه الجهود حتى الآن عن خروج كتاب هو بمثابة مقدمة عامة وعنوانه: "نحو طب نفسي إسلامي"، وله أيضًا كتاب آخر -بمشيئة الله- يتعمق بنفس المنهج ليتناول مرض "الوسواس القهري بين الدين والطب النفسي"، ويعمل د. وائل حاليا في إتمام كتاب ثالث يتناول اضطرابات الأكل والسمنة.. ونعد لرابع عن الاضطرابات الجنسية.

وأنا هنا لا أذكر هذا كنوع من الإطراء لأخي وزميلي -وإن كان يستحق كل احترام وتقدير- ولكنني أذكر هذه المعلومات لتكون إعلانا عن شيء يجري ليس معزولا عن جهود هذه الصفحة المباركة، ونتطلع عبرها إلى تلقي مشورتكم ودعمكم بالمعلومات والدعاء، ولا نحسب هذا الجهد يمكن أن يكون على المستوى المرجو إلا بمشاركة أصحاب المشكلات والمشاركات والمتابعات تدقيقا فيما يرسلون إلينا من بيانات، أو أوصاف لما يجري لهم، ورصد أثر توجيهاتنا لهم، وكيف يستقبلونها، ويتفاعلون معها.

وأشدد مجددا على المتابعات من أصحاب المشكلات أنفسهم، وعلى المشاركات المستندة إلى خبرات مماثلة أو قريبة تثري المعرفة، وتضيء لنا أكثر في درب يقل فيه السالكون، ولا ينفصل عن ذكر طموحنا إلى أن نتلقى منكم دعما معلوماتيا يرشدنا إلى جهود سبقتنا أو معاصرة حاليا تسير بخطوات فردية أو جماعية في نفس هذا المنحنى، والله الموفق.

المسألة الثانية: تعرضنا لهذا في إجابات قليلة سابقة وتعرضت أنا فيها للنظرة الشائعة، والظروف الواقعة لحالة الفوارق بين المدينة في عالمنا العربي، وبين الأطراف من أقاليم ريف أو بدو أو غير ذلك، وأحسب أن من نواحي تميزنا البحثي أن ندرس نقاطا لا تثيرها الأبحاث الغربية، لأنها ليست مسألة بحثية هناك، أو بالأحرى لم تعد كذلك، ومنها هنا العلاقة بين المدينة وغيرها، والضغوط التي يعيشها أهل المدن، وتأثير ذلك على الأعراض والأمراض النفسية -على الأقل- وتأثير النظرة المتبادلة بين أهل المدينة والآخرين لبعضهما البعض، وكذلك تأثيرات الانتقال أو النزوح إلى المدن على تشجيع ظهور الأغراض المرضية التي كانت كامنة، أو على الحالة النفسية العادية للأفراد.

ولعلنا نعود إلى هذا المبحث لاحقا بمشيئة الله، وأحسب أن لمقاصد الإسلام نظرة تغيب عن واقعنا حول هذه المدن المتوحشة التي نعيش فيها، ولعلنا في تواصلنا مع هذا الأخ السائل ومع غيره نكون قريبا على دراية بجهات أو أفراد لديهم نفس الهم والاتجاه بحيث يتسنى لنا الترشيح الآمن، أو حتى التحويل لهذه الجهة أو الشخص الذي نثق في علمه وفي أمانته، ويصبح العلاج النفسي المتخصص على أساس إسلامي -كما تسمية يا أخي السائل- متاحا للجميع، وبسعر معقول، هذا حلم يراودنا، ودعونا نشترك معا في تحقيقه.
 
   
المستشار: أ.د. وائل أبو هندي