سيدي، معذرة لو أطلت عليكم؛ فإنني أشعر بحاجة ماسّة إلى الكلام، وأبحث عن إنسان ألقي عليه بعض حملي.. مشكلتي سيدي تحتاج أن أرجع معكم بالذاكرة فترة طويلة مضت، وأعتقد أنها جزء كبير من المشكلة؛ حيث نشأت في بيئة ملتزمة جدًا بحمد الله، حفظت جزءًا كبيرًا من القرآن الكريم في طفولتي.. لقد نشأت في بيت محافظ؛ فالغناء حرام، ومن استمع إلى موسيقى "صُبّ في أذنيه الآنك يوم القيامة" هكذا تعلمت وأنا دون العاشرة، والتليفزيون حرام والشطرنج -الذي كنت أحبه جدًا- هو الآخر حرام، وكذا جميع الألعاب.. وهكذا تربيت وما شعرت بنقص في شيء؛ فعندي الكثير من البدائل -القراءة، ولعب كرة القدم، واستماع الأناشيد- كبرت وكبرت معي مفاهيمي ونظرتي للحياة.. كنت أصلى إماما بالناس وأنا دون الرابعة عشر من عمري.. هكذا وجدت نفسي أتحرك في إطار مرسوم لي حتى دخلت الجامعة. كنت متفوقًا بحمد الله فدخلت إحدى كليات القمة، أنشأت أسرة جامعية مارست من خلالها الدعوة إلى الله بأساليب مختلفة مثل: الرحلات والحفلات الإسلامية والمسابقات.. المهم -وهذا هو بداية المشكلة- أنني حتى تلك اللحظة لم أكن كلّمت فتاة قط -غير محارمي وأقاربي- وبرغم جرأتي في وسط الشباب إلا أنني عندما تعرّضت للحديث مع إحدى الطالبات وجدت الكلمات تتطاير من ذهني، وحركتي مضطربة اضطرابًا عجيبًا.. بعد هذا الموقف جنّبت نفسي أي فرصة احتكاك ولو في أضيق الحدود بالفتيات. ولعلك أول واحد أصارحه بتلك الحقيقة المؤلمة.. إنني تخرجت من الجامعة سيدي وأنا لا أعرف كيف تكون العلاقة بين الرجل وزوجته؛ فكما ذكرت لكم أنني نشأت نشأة محافظة إلى أقصى درجة –ولا أدري هل النشأة المحافظة بهذا الشكل صحيحة أم لا؟!- إلى هنا لم أكن أحمل همًّا كبيرًا، وإن كنت أحاول القراءة عن موضوع الجنس، لكنني ما استطعت تكوين صورة متكاملة عن العلاقة بعد.. ولا أستطيع أن أحكي لك كيف تكوّنت الصورة المضحكة في عقلي؛ فما كنت أتخيل أبدا صورة الحياة الجنسية. وفقني الله للعمل في إحدى الشركات الأجنبية بمصر، وبدأت أخرج من دائرتي المحافظة في البيت أو الأصحاب إلى دائرة مفتوحة إلى أقصى درجات الانفتاح؛ شركة أجنبية وطبيعة العمل فيها ليست قاسية؛ فعندي الكثير من وقت الفراغ ولا بد إذن أن أشارك زملائي في الحوار و"الهزار" وغيره، لكنني فوجئت بمستوى حواراتهم التي أقل ما توصف به أنها حوارات منحلّة من أناس لا يخافون الله ولا يعرفون خُلُق.. تفتحت عيني على موضوعات جديدة، بالطبع لم أكن أشاركهم لكنني مضطر لسماعهم والجلوس معهم.. المهم أنهم لاحظوا أنني شديد التدين فاحترموني وصاروا يعاملونني على أني شيخ ليس له من أمور الحياة نصيب.. ورضيت أنا هذه النظرة؛ فقد أراحتني من مجاراتهم. ذات مرة كُنّا في استراحة للشركة، وجدت أحد زملائي يعرض عليّ أن أشاهد معه شيئًا مهماً، ووجدته يدير جهاز الفيديو على فيلم جنسي، وكانت أول مرة أتعرّض فيها لمثل هذا الموقف.. شاهدت مشهدًا منه، وكدت أصعق مما رأيت، فأعليت صوتي وتشاجرت معه وأطفأت الجهاز بعد مقاومة عنيفة معه ومع نفسي.. لكنني لا أخفي عليك سيدي أنني كنت أتمنى المشاهدة لسببين: أولا: لأنني شاب مليء بالشهوة، والسبب الأكبر: حتى أعرف ما الذي يحدث.. إلا أنني مع تلك الرغبة الدفينة قاومت وعارضت كل محاولة مماثلة.. حتى جاء يوم كنت أجلس فيه وحيدا باستراحة الشركة، وبينما كنت أقلّب بحثًا عن أسطوانة معينة؛ وجدت أسطوانة مكتوب عليها films.. ارتعشت يداي وتناولت الأسطوانة ووضعتها في جهاز الكمبيوتر، ووجدت بها مجموعة أفلام جنسية، وبرغبة مجنونة بداخلي وجدت مقاومتي تتلاشى تمامًا حتى شغلت أحد الأفلام، وجلست أشاهد ما لم أشاهده في حياتي، لم أصدق عيني ولا أذني، يومها تعرفت على عالم عجيب لم أكن أتخيل وجوده.. ووقعت في براثن تلك الأفلام الملعونة، وساعد على ذلك وجودي وحيدًا كثيرًا ثم امتلاكي جهاز كمبيوتر في البيت. وبدأت أفهم طبيعة العلاقة بكل أشكالها، شاهدت الكثير من الأشياء الشاذة العجيبة، لم يستمر بي الحال كثيرًا مع تلك الأفلام بدأت أشعر "بقرف" عجيب من هذه الأفلام ومن الجنس كله، ولم تعد نظرتي بعدها بريئة إلى النساء حيث صرت أحتقرهن جميعًا؛ بسبب ما شاهدته، صرت أنظر لزميلاتي في العمل على أنهن ساقطات، لم أعد بعد ذلك أستطيع أن أتعامل مع امرأة إلا وأنا أتخيلها في مشهد من المشاهد المشينة التي رأيتها، وبعدما كنت أطمح للزواج وأنا لا أعرف شيئا عنه، صرت الآن سيدي أكره الزواج ولا أحاول التفكير فيه بعدما عرفت عنه كل شيء، وقلت: ربما كان شيئًا طبيعيًا أن تحدث لي صدمة مما شاهدته تستمر فترة معينة وتنقضي وأمارس حياتي بشكل طبيعي بعدها وأتزوج، لكنه مضى على الآن أكثر من عامين وما زلت أشعر بـ"القرف" من النساء، ولا أجد أي رغبة في الزواج، وكلما فاتحني أهلي في هذا الأمر أغلقته لهم دون سبب، وزاد من تلك المشاعر لدي أنني كنت أقرأ كتابا عن خطورة الزنا والتخويف منه، ونقل الكاتب كلمة للسيدة "هند بنت عتبة" قالت فيها تعليقا على آية الزنا "ولا يزنين ...": "أوتزني الحرة؟! ما أقبحه حلالا أنفعله حرامًا"، صرت أتذكر تلك الكلمة كلما جاء الحديث عن الزواج.. وكلما حاولت أن أتخيل شكل زوجتي. نعم تثور شهوتي كثيرا مثل أي شاب في سني لكنني صرت أكره الزواج وأخاف إن تزوجت أن أحتقر زوجتي مثلما احتقرت كل امرأة شاهدتها تمارس الجنس.. تلك هي مشكلتي التي لم أستطع أن أتكلم فيها مع أحد لا من قريب ولا من بعيد.. فأرجو أن أجد لديكم حلاً أو تفسيرا لحالتي تلك.. ومعذرة مرة أخرى على الإطالة. * تم نشر هذه الاستشارة من قبل على موقع إسلام أون لاين