السلام عليكم

جزاكم الله عن الشباب خيرا،
 
في الحقيقة هي مشاكل وليست مشكلة واحدة:
أولا: أنا خاطب منذ عام تقريبا وسافرت للخليج بعد 6 اشهر من الخطوبة وتمت الخطبة بالطرق العادية بمعني أنني لم أكن أعرف خطيبتي قبل أن أراها أول مرة قبل الخطوبة وهي بفضل الله من كنت أتمناها لي كزوجة من حيث الأخلاق والتدين والعائلة الكريمة جدا والحمد لله في فترة وجيزة تعارفنا علي بعضنا البعض بصورة جيدة وبدأت أشعر بالعاطفة نحوها ولكن بعد السفر والبعد عنها لا أدري ما الذي حدث لم أعد أشعر نحوها بأي عاطفة.
 
فمثلا لا أكون مشتاقا أن أكلمها ولا أفكر فيها كثيرا وهي علي العكس تماما تكلمني كثيرا وتحبني أعرف ذلك من كلامها غير الصريح بالطبع ومن خلال أختي التي هي صديقتها وأشعر عندما أكلمها أنني أؤدي واجب فقط لكي لا أؤذي مشاعرها، وأحسسها باهتمامي الكبير بها علما بأنها عاطفية جدا وأحاول أن أحسسها أنها دائما في بالي، فهل هذا شئ طبيعي بسبب البعد عنها علما أنني متأكد أنني لن أجد أفضل منها ولكن لماذا هذا الفتور العاطفي نحوها.
 
المشكلة الثانية: هي أنني أعاني الخجل الشديد من مواجهة أي شخص بمعني مثلا أنني مؤمن تماما بوجوب الدعوة إلى الله لكن أحرج جدا من توجيه شخص لأي أمر فمثلا ممكن أن أكون في مجلس ويؤذن للصلاة وأحرج أن أقول لمن معي هيا للصلاة بل من الممكن ألا أقوم أنا أيضا لكي لا أحرجهم هذا مثال وعندما أكون أتناقش مع أي شخص في أي قضية وأكون مختلفا معه في الرأي أحرج أن أعبر عن وجهة نظري أو أخالفه فيما يقول والطامة الكبرى هي أنني في مجال عملي أتعامل مع عمالة وعندما أشاهد خطأ ما فإنني أحرج أن أقول له صحح هذا الخطأ أو أن أوبخه لو حاول خداعي وإنما قد أمرر الخطأ لا أدري لماذا مع أنني أحاول ولكن بمجرد أن يستعطفني أو يناقشني أجد نفسي أوافقه علي ما يقول، ولذلك فإني أفعل الكثير أو يؤخذ مني الكثير بسيف الحياء وعلي العكس عندما لا يكون هناك مواجهة لا يحدث ذلك فأنا بفضل الله أدعو جيدا من خلال الشات وأوجه ولا أشعر بأي حرج.
 
المشكلة الأخيرة: وآسف جدا للإطالة هي أنني منذ صغري ومن خلال تربيتي أنظر دائما لصورتي أمام الناس فأفكر ماذا سيقولون علي وما هي صورتي عندهم وهكذا وهو ما يجعلني أشعر بالرياء في أعمالي وأبذل مجهودا كبيرا قبل أي عمل لتجديد النية ولكن أشعر بعدم الإخلاص رغم أنني أحاول جاهدا أن أقنع نفسي بعكس ذلك ولذلك فإني محبوب من أصدقائي وممن يعرفونني لأني أراعي شعورهم دائما ولسبب أني أريد أن تكون صورتي عندهم جيدة وأشعر أنني بذلك أتكلف الأمر وليس نابعا من إرادتي وشخصيتي وابتغاء مرضاة الله آسف جدا علي الإطالة وإن شاء الله سأدعو لكم عند الكعبة فأنا أعمل بمكة وجزاكم الله خيرا.
 
ملاحظات:
الملحوظة الأولى: أرجو إخفاء شخصيتي بقدر الإمكان لأن خطيبتي من زوار موقعكم الدائمين.
الملحوظة الثانية: عندما كنت صغيرا ونجلس في أي اجتماع وأتكلم فيه كانت أمي تنهرني وتقول لي لا تتكلم عندما يكون هناك أناس كبيرين في المجلس ولا تقاطعهم فهل لذلك علاقة بحالة خجلي الشديد عند أي مواجهة.
 
26/11/2003

الأخ السائل الكريم، أهلا وسهلاً بك ومبارك خطبتك، وإن شاء الله نقول لك مبارك زواجك قريبا بإذن الله.

فيما يتعلق بسؤالك أو مشكلتك الأولى فإن الأمرَ هنا يحتاج إلى فهمٍ أعمق لطبيعة المشاعر العاطفية التي تختلف ما بينَ الرجل والمرأة، فبينما تشغل المرأة جزءًا من اهتمامات وتفكير الرجل الذي يحبها، يختلف من وقتٍ إلى وقت حسب متغيرات كثيرة في ظروف ذلك الرجل، فإن المرأة العادية خاصةً في مجتمعنا عادةً ما يشغل الرجل الذي تحبه كل تفكيرها وكل حياتها وبشكل أخص عندما لا تكون مرتبطةً بعمل وهذا هو الاحتمال الأغلب في حالة خطيبتك.

وبمعنى آخر إذا نظرنا إلى ما طرأ على حياتك من تغيرات بعد سفرك إلى الخليج، وما أنت فيه من انشغالٍ بسبب العمل في بلد غير بلدك ووسط أناس مختلفين عمن تعاملت معهم وتعودت عليهم من قبل، عندما نتأمل ذلك الموقف، ونقارنه بوضع خطيبتك التي تنتظر في بلدها ووسط أهلها اتصالاتك وكلماتك الحلوة الطيبة الرقيقة من حين لآخر في نفس الوقت الذي تدور فيه حياتها كلها حول الإعداد لبيتكما وتجهيز ما يلزم لإقامة أسرةٍ سعيدة، هنا سندرك الفرق، إذن فما تخاف أنت منه من شعورٍ بالاختلاف في حدة المشاعر بينك وبينها، وبين مشاعرك قبل أن تسافر ومشاعرك بعد السفر وهو ما تسميه أنت بالفتور العاطفي، ليس غير تغيرٍ طارئ وسينتهي ربما بعد أن تستقرَّ أوضاعك في عملك الجديد، وربما بعد أن تعود إلى مصر في الإجازة الأولى لك، لكنه في كل الأحوال تغير عارض ليس أكثر فلا تقلق منه.

وأما المشكلة الثانية التي تستشيرنا فيها فتتعلق بتوكيد الذات وتوكيد الذات هو مفهوم في علم النفس والطب النفسي يقصد به القدرة على التعبير عن المشاعر تجاه الآخرين بحرية أيا كانت نوعية تلك المشاعر، وكذلك القدرة على التعبير عن الآراء، وقد ذكرت في إفادتك ما يشير إلى حرصك الزائد على مشاعر الآخرين حتى ولو كانوا من مرؤوسيك في العمل فأنت تحرص على عدم إحراجهم وتضطر لتحمل أخطائهم بسبب ذلك، كما أنك كثيرًا ما تجبر على الخضوع لرغبات الآخرين بسبب عجزك عن الإفصاح عن رغباتك أنت ومشاعرك أنت، وهذه كلها وغيرها مما ورد في إفادتك علاماتٌ على انخفاض مستوى توكيد الذات لديك، وقد يكونُ لما ذكرته في ملاحظتك الأخيرة من اعتياد والدتك وأنت صغير السن على نهرك إذا تكلمت في حضور الكبار، قد يكونُ لذلك علاقةٌ بالأمر، لكن الأمر بغض النظر عن أسبابه قابل للعلاج لدى الطبيب النفسي أو المعالج السلوكي من خلال تدريبات توكيد الذات، وقد ناقشنا هذا المفهوم في عدة إجاباتٍ سابقةٍ لنا على صفحتنا استشارات مجانين تحت العناوين التالية:
الحياء الشرعي والرهاب المرضي / صعوبة التعامل مع الآخرين: النموذج والعلاج  / كيف نهزم الخجل ونحب الأصدقاء / ذا هبت أمرًا فقع فيه / مجتمعاتٌ ضد توكيد الذات / الخوف من المشاركة  / الرهاب الاجتماعي وليست الرعشة / الهذرمة وشيءٌ من الرهاب / احمرارُ الوجه ليس خجلاً فقط  / الحل...ابحث عن ذاتك

وأما فيما يتعلق بالأهمية الكبيرة التي توليها لتقييم الناس لك فإن الأمر من وجهة نظر الطب النفسي متعلقٌ بنفس ما تكلمنا فيه من بعد توكيد الذات، وكأن حرصك الزائد على إرضاء الآخرين وعدم إغضابهم أو جرح مشاعرهم قد جعلك تتخذ من رأيهم في كل ما تفعله ومشاعرهم تجاهه دليلاً لك على إحسان العمل من عدمه، فأنت تجعل الجزء الأكبر من تقييم سلوكياتك الاجتماعية للآخرين أولاً ثم لنفسك وهذا يختلف عن الإنسان العادي أو ذي التوكيدية العالية، وعلاج ذلك هو نفسه تدريبات توكيد الذات من شقها المعرفي، وأما انعكاس ذلك على الأمور الدينية فإن سببه كما نفهمه هو تلك المفارقة التي وقعت فيها دونَ أن تدري، كيف؟

أنا أقول لك كيف: أعمال الإنسان الدينية تتعلق بعلاقة ذلك الإنسان بربه، ويفعلها الإنسان ليقبلها الله سبحانه وتعالى، أي أن الإنسان وهو يفعل أفعاله الدينية يعلم أن الله سبحانه هو الذي يقيم تلك الأعمال، ولما كان الإنسان ذو التوكيدية العالية غالبًا ما يجعل الجزء الأكبر من تقييم سلوكياته الاجتماعية لنفسه ثم للآخرين، وسلوكياته الدينية لنفسه ثم لله سبحانه وتعالى أولاً وأخيرًا، فإن ذلك الإنسان نادرًا ما يتهم نفسه بالرياء حتى ولو كان مرائيا، ولكن المفارقة التي وقعت فيها هيَ أنك لم تعتد تقييم سلوكياتك لا الدينية ولا الاجتماعية من منظور نفسك، ودائما ما تجعل مرجعية ذلك هي تقييم الآخرين!

ولما كان الرياء مذموما دينيا لأنه يتنافى مع إخلاص النية لله فإن ضميرك يعذبك ! لكننا إذا نظرنا للأمر من المنظور الإسلامي فإننا سنجدُ أن ترك العمل مخافة الرياء رياء، ونجد أن التصرف الأمثل هو أن تستعيذ بالله تعالى من الرياء وتعمل العمل الديني الصحيح، أما كيف يعرف الإنسان إن كان مخلصًا لله أم لا وهل يحبه الله سبحانه وتعالى أم لا؟

فإن على الإنسان أن يحرص مثلما أنت حريص على الإخلاص لله عز وجل وأن يقول: "اللهم إني أعوذ بك من أن أشرك بك وأنا اعلم، وأستغفرك لما لا أعلم" فمن قال ذلك أذهب الله عنه الشرك ظاهره وخفيه ويجب على الإنسان المؤمن ألا يحجم عن أي عمل من أعمل الخير أو من الفروض أو السنن مخافةَ الرياء، فهذا مدخلٌ من مداخل الشيطان كما جاء في أكثر من موضع من تراثنا.

بقيت نقطةٌ أخيرةٌ أود لفت نظرك إليها لأنها مرتبطةٌ بتوكيد الذات وقد تكونُ من بين أسباب اتهامك لنفسك بفتور المشاعر تجاه خطيبتك تلك النقطة هيَ أنك أصلاً تجد صعوبةً في قول كلامِ الحب أو الاستحسان للآخرين، أي أن التعبير عن الحب والعاطفة ليس سهلاً عندك، وبينما أنت تعمل في الخليج وتتوقع منك خطيبتك البعيدة عنك أن تعبر لها عن الأشواق الحارة وعن الحب الجارف مثلما تحاول هيَ أن تعبر لك (ولذلك تصفها أنت بأنها عاطفيةٌ جدا)، وأنت لذلك تجد نفسك في موقف صعبٍ لا تستطيع فهمه والسبب هو ما أوردناه لك، والعلاج إن شاء الله سيؤتي ثماره فاستخر الله ولا تتردد وتابعنا بأخبارك.