السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
متابعة: ملف عقوق الآباء للأبناء...
لقد قرأت رد الدكتور أحمد عبد الله والدكتور وائل أبو هندي على هذه المشكلة: أفش شعري: صامتة وراغبة بالصراخ، لقد أراحني هذا الرد كثيرا وأثلج صدري, والحمد لله أن هذه القضية تلاقي هذا الاهتمام, لأنها قضية مهمة جدا.. إنها قضية الأمة بأسرها.. لأننا نحن النساء يا سادتي الأفاضل نصف المجتمع, ونحن أيضا من نصنع النصف الآخر.. إذا نحن الأمة كلها!!.. شكرا لاهتمامكم.. وأسأل الله أن يعيننا ويعينكم على الجهاد الأسري!!
وأما بالنسبة لآخر ما توصلت إليه بشأن المتابعات والمشاركات الكثيرة التي أتحفتكم بها: فهو التالي.. لقد جمعت الآن في رأسي الخطوط العريضة للتعامل مع الوالدين غير البارين بأبنائهم.. ليتمكن أبناؤهم من أن يكونوا بارين بهم.. وفي نفس الوقت لا يضيع هؤلاء الأبناء مستقبلهم وشخصياتهم في معمعة البر غير المنطقي المزعوم وذلك من خلال مشاركة المستشارين الرائعين لي في هذه القضية والتي أثرتها على موقعكم هنا وعلى موقع إسلام أون لاين.. فجزاكم الله كل خير يا أساتذتي الأفاضل:
الدكتورة سحر طلعت التي تولت الإجابة على مشاركتي على مشكلة الابنةُ المضطهدةُ ودبلوماسية العائلة ومتابعة هذه المشاركة التي ظهرت على استشارات مجانين بعنوان: السير على حد السيف واستراتيجية ترقيق القلوب والدكتور محمد المهدي في إجابته على مشاركتي على المحرومة: أمية أمتنا النفسية! والدكتور وائل أبو هندي في استشارة ضرار الأطفال والزوجات أم ضرار المجتمع، ومتابعتها التي لم تنزل بعد، والدكتور أحمد عبد الله في رده على مشاركتي على استشارة: وحيدة رغم الزحام .. وما خلصت إليه بعد التمعن في كل هذه الإجابات هو ما يلي:
أن موضوع البر أمر مطلوب ولا يمكن الفكاك منه أو تجاهله مهما كان موقف الأب أو الأم, ولكن ما يجب أن ننتبه إليه نحن الأولاد هو أن الطاعة العمياء ليست هي مفهوم البر في الإسلام.. بل مفهوم البر هو: بشاشة الوجه مهما كان وجه من أمامي مكفهرا, الالتزام بالضبط التام للنفس مهما كان من أمامي مستفزا – تلبية الطلبات أو حتى عرض الخدمات على الوالدين, أي لا ننتظر حتى يطلبوا بل نتفقدهم نحن.. – أن نحافظ على احترامنا لهم مهما بدر منهم، أي أن نواجه ونعترف بحقيقة، أبي أو أمي أساء إلي, ولا نهرب لنختبئ وراء وهم كاذب: لا لم يسيئا إلي بل أنا السبب في أنهما أساءا إلي.. - وهكذا..
أما حين يصل الأمر إلى أكثر من ذلك من قرارات مصيرية فلنا أن نسترشد بآرائهم, ولكننا لسنا ملزمين بتنفيذها بدعوى أن تنفيذها من باب البر.. كويس.. إذاً أنا حتى الآن ولله الحمد وبفضله أسير في طريق الصواب بنسبة تتجاوز 85%.. أي أنني لا أنكر أنني في بعض الأحيان أستفز, أو أعبس أو... ولكنني ولله الحمد أتمكن من ضبط نفسي في أغلب الأحيان.. وأسأل الله أن يعينني على ال 15% الباقية لأصل إلى البر التام.. طبعا أنا لم أحدد في بداية حديثي مفهوم البر إلا لأنني عانيت – ولازلت – الكثير من المشاكل بسبب التباس هذا المفهوم في ذهني ولسنوات طويلة, وفي ذهن أهلي حتى الآن, حيث كنت أعتقد أنه الطاعة التامة والخضوع المطلق لكل ما يأتي من الوالدين بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم:" أنت ومالك لأبيك"، والذي تبين لي الآن أن هذا الحديث ضعيف جدا بل و لا يرقى إلى مرتبة الاستدلال به أصلا في قضية خطيرة مثل قضية البر هذه..
ولكن تبقى لدي بعض النقاط التي أحب أن أناقشها معكم, وشكرا لأنكم تحملتموني كل هذا الوقت وستتحملونني الآن أيضا: أ- حتى نستطيع التعامل مع أهالينا الذين تلقينا منهم الكثير من الإساءات يجب أن نقلب الأدوار فنكون نحن الأهل الذين نستوعبهم ونطوّل بالنا عليهم ونرحمهم حتى ولو أساؤوا لنا.. وهناك أمر مهم في هذه الناحية وهو: أنني عندما كنت في فترة المراهقة, كنت أرى أنه من غير اللائق أن أرى أن والديَّ أخطئا في التعامل معي, بل إن هذه الرؤية فيها عدم احترام لهما وبالتالي عدم بر بهما, ولكن الإساءة واقعة ولا أستطيع تجاهلها, فكانت النتيجة أنني أصبحت ألقي باللوم على نفسي دائما فيما يفعلانه, أي أقول لنفسي: أنا السيئة, لو أنني لم أكن سيئة لما تصرّفا معي بهذه الطريقة.. ولكن إلى متى سأظل أنا السيئة؟؟!!؟
سادتي الأفاضل.. أنتم كأطباء نفسيين تعلمون ماذا يعني أن يرى المراهق نفسه أنه هو المذنب دائما وأنه هو السبب في تصرفات الآخرين السيئة.. وتعلمون تماما ما أثر ذلك على شخصيته في المستقبل... كيف نستطيع أن نقلب الأدوار, كيف نستطيع أن نرقق قلوبنا التي أضنتها القسوة وأعماها الكره؟؟ باتباع بعض الأمور البسيطة مثل:
1)) يجب أن لا ننسى ولا للحظة واحدة أنه وكما اننا ضحايا اليوم فقد كانوا هم ضحايا البارحة.. هذا سيجعلنا نرق ونعطف عليهم.. توصلت إلى هذه المعلومة المهمة عندما كان والدي يحكي لنا قصة الجدي الصغير الذي أحضره جدي (رحمه الله) إلى البيت قبل العيد الكبير بفترة طويلة, وكان والدي صغير السن في ذلك الوقت, لم يصل إلى العاشرة, وكيف نشأت بينه وبين هذا الجدي الصغير علاقة صداقة ومحبة قوية جدا.. ثم وفي يوم العيد, وبعد أن عادوا من الصلاة ذهب أبي الطفل الصغير وهو يرتدي ثياب العيد ليأخذ صديقه ليتمتعا معا بمباهج العيد, وإذا بالمفاجأة: الجدي الصغير غارق في دمائه.. وغرق أبي بعدها في دموعه وحزنه على صديقه أياما.. والأنكى من ذلك كيف سخر منه والده (جدي رحمه الله) وسخر من مشاعره ومن هذه العلاقة التي قامت بينه وبين هذا الحيوان الصغير.. كان والدي يحكي ذلك بمرارة.. مع أنه قد مضى على هذه الحادثة أكثر من 60 عاما.. ولكنه ألم الطفولة الذي لا ينسى..
2)) يجب أن ندقق النظر في حياتهم عندما كانوا أبناء, وفي طريقة تعاملهم عندما أصبحوا أباءً وأمهات.. وإذا وجدنا فروقا بين ما كان عليه آباؤهم وبين ما أصبحوا هم عليه عندما أضحوا أباء.. أن نحسبها لهم.. أعود إلى والدي.. ففي هذه الناحية أجده قد حقق إنجازا كبيرا في تخطيه لأخطاء جدي رحمه الله في التربية.. لأن جدي كان حاكما عسكريا في بيته, والوسيلة الوحيدة التي يتعامل بها مع المخطئ هي: الصفع والضرب والقسوة اللا متناهية.. سبحان الله مع أنه كان رحيما جدا بالمساكين والضعفاء والأرامل والأيتام, ولكنه كان يعتقد أن هذه الشدة مع الأطفال تخلق منهم رجالا.. رحمه الله.. أما والدي.. فلا أذكر أنه استعمل يده معنا إلا نادرا جدا.. وأنا شخصيا لم أتلق منه إلا صفعة يتيمة فقط !!! (الحمد لله) أن لم يكن لهذه الصفعة عائلة والله إنه لإنجاز.. مع أن لي عماً له نفس أسلوب جدي في التعامل.. أي أنه لم يستطع تجاوز هذا الخطأ التربوي في تربية والده..
3)) يجب أن نركز على أن النعم التي أعطانا إياها الله تعالى أكثر بكثييييييييييييييييييييير من الأمور التي حرمناها.. نحن حرمنا العطف والحنان.. ولكن على الأقل كسبنا سمعة وصيت العائلة.. وجدنا بيتا يضمنا في الليل ليقينا ذئاب الحياة.. يجب أن نتذكر دائما وأبدا صور الأطفال البائسين والمشردين.. لا أستطيع أن أنسى منظر تلك الفتاة الصغيرة التي كانت دون السابعة من عمرها وهي تبيع للناس دمى وأزهارا بينما هم يلهون ويستمتعون بالعيد: فيأكلون ويشربون ويتحادثون, وترمقهم هي بعيونها الصغيرة المثقلة بالهم والحرمان.. الحمد لله على النعم..
4)) يجب أن نستبدل طريقة الإنكار القديمة التي كنت أحاول التخفيف بها عن نفسي, حين كنت أقول لنفسي: لا يمكن أن يكون هذان والداي, فلأعتبر هما محسنان التقطاني من الشارع وربياني.. وكثّر الله خيرهم.. هذه الطريقة تجعلني لا أحس بالانتماء لهما, أي نعم سأقابل الإحسان بالإحسان.. ولكنه سيكون إحسانا خاليا من روح الحب التي يحتاجها الوالدان بعد أن أصبحا مسنين الآن.. يجب أن أستبدل هذه الطريقة بالرحمة والشعور بالعطف عليهما.. يجب أن نتعلم كيف نصبح آباء وأمهات لآبائنا وأمهاتنا.. وأنا هنا لم آت ببدع من القول, بل هذا له أصل في التاريخ, فقد كان هناك امرأة تكنى ب: أم أبيها, وذلك من شدة حرصها وحنوها عليه ورحمتها به, حتى لكأنه ابنها!!
ب)) الدكتور أحمد عبد الله دائما يركز على أن الإنسان هو ما يفعله بنفسه لا ما يفرض عليه, ونحن يجب أن لا نستسلم لما يفرض علينا حين نرى – بعد استخارة ربنا واستشارة أهل الذكر – أن ما يأمرنا به أهالونا تدمير لمستقبلنا.. مسألة تحررنا نحن الحواءات من الانسياق وراء أولياء أمورنا, واستردادنا لحريتنا الكاملة وانعتاقنا الداخلي من الشعور بأنه هو المسئول عما أعمل لا أنا المسئولة عن نفسي.. يجب أن يتحقق بهذه الطريقة.. وهذا يعني أنه لا بد من استراتيجية نضعها ونتعامل على أساسها مع الواقع المفروض علينا, لنتأقلم ونسعد بحياتنا, ولنستطيع أن نمنع الدمار من أن يلحق بنا.. وأنا قد توصلت إلى مجموعة أمور أرى أنها مهمة جدا في تعاملنا مع هذه المشكلة..
1- يجب أن نتخلص من تأنيب الضمير الذي لا يزال يقرّعنا بمطارقه لأننا قد صدّقنا أننا أولاد عاقّون . فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها..
2- يجب أن نعرف أن لطاعتهم حدود يجب أن نتوقف عندها.. فلا يجوز طاعتهم فيما يدمر مستقبلنا, لأن مستقبلنا هو مسؤوليتنا نحن أمام الله.. أظن أن الله تعالى سيحاسبني أنا أولا عن سوء اختياري لزوجي – مثلا - .. ولا أظن أن قولي له: أهلي أرادوا ذلك, سيشفع لي, كل ما هنالك أنه سيشركهم معي في الإثم.. ولن يحاسبهم بدلا عني!!
3- لا يجوز السكوت عن ما نراه حقا لنا, أقصد في الأمور المصيرية والتي تحدد مسار مستقبلنا, عندما بدأت أقول: لا, ارتحت كثيرا وازدادت ثقتي بنفسي وبإمكانياتي.. لا أنكر أن هذه اللا كانت تخرج أحيانا بشكل غير مناسب ولكنها والله يشهد كانت تخرج أيضا في أحايين أخرى بشكل مؤدب ولبق, ولكن المشكلة أن الأهل لا يفرقون بين الحالتين لأن مجرد كلمة: لا, تعد قلة أدب.. وعلى جميع الأحوال: لن نرضخ لاعتباراتهم, بل يجب أن نظل متمسكين بحقنا في قول: لا, وأن نظل مؤدبين مهما كان الوضع مستفزا..
4- يجب أن نعلم أنه ليس هناك منافاة بين: المطالبة بالحق, وبين التسامح.. نسامح من أساء إلينا وانتهك حقوقنا ولا نسمح للكره والغل أن يملأ قلوبنا, وفي نفس الوقت نطالب الحق الذي هو لنا.. كنت أحسب أن مفهوم المسامحة هو أن أترك حقي الذي أخذه غيري وأتنازل عنه وأسامحه فيه..
5- يجب أن نكون مستعدين نفسيا للخلافات التي ستحدث حين نطالب بحقوقنا, لا يجوز أبدا أن ننسحب ونتنازل عن حقوقنا لتفادي المشاكل, لأن أول تنازل سيجر وراءه تنازلات كثييييرة لن تنتهي..
6- الصلة النفسية بالله عز وجل يجب أن تأخذ شكلا معينا حتى نستطيع الصمود أمام هذه المشاكل, وأنا أقترح هذه الصيغة لأنها أفادتني كثيرا: اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عني. وأنا أعفو عن كل من ظلمني يا رب.. فاعف عني..
7- يجب أن ننظر إلى ما استطعنا تحقيقه لا إلى ما عجزنا عن تحقيقه, لئلا يتسرب إلينا الشعور بالإحباط من جديد, وبالتالي يتملكنا اليأس.. فيجب أن نرى الإنجازات مهما كانت صغيرة.. ولا نظل نلوم أنفسنا لأننا لم نحقق الإنجاز الكبير الذي كنا نسعى إليه, لأننا يجب أن نوقن أن ما علينا هو العمل والنتائج إنما هي على الله.. ولنعتبر أنفسنا مثل الدعاة إلى الله.. عليهم الدعوة وعلى الله الهداية.
8- لا يجوز الاستسلام إلى الرغبة في الانعزال عن الحياة الاجتماعية, هذه الرغبة التي تكون جارفة في كثير من الأحيان, لأن الحياة الاجتماعية هي التي تؤمن البديل عن الأهل وتوفر الدعم المعنوي اللازم _ حياة اجتماعية – عمل – أصدقاء – أهل جدد على النت...........
9- يجب أن نوجد طريقة نفرّغ فيها الشعور بالمرارة الذي ينتابنا بعد كل موقف سيء.. لأننا حين لا نتكلم فإن هذا الشعور سيتفاقم في قلوبنا إلى أن يهدد سلامنا وأمننا الداخلي.. كنت في الماضي لا أحكي ولا أفضفض لأي أحد عن آلامي, كنت حبيسة نفسي, لم أكن أفضفض لأحد لأنني لا أحب أن أتكلم عن أهلي بسوء أمام الغريب – ليس من إخوتي – ولا أحب أن أزيد معاناة القريب – إخوتي – فصرت أكتم كل شيء بداخلي.. وأول مرة فضفضت فيها كان عندما أرسلت لصفحة مشاكل وحلول للشباب منذ عامين..
لقد أحسست براحة كبيرة حين كتبت كل ما كان يؤلمني.. طبعا الدين يلعب دوره هنا أيضا, فقد سألت– شيخة– عن حكم الفضفضة فقالت لي: هي من الغيبة المنهي عنها, ولهذا امتنعت عنها نهائيا..
10- حتى لا يعود الاكتئاب لنا ثانية – باعتبار أنه من النوع الرديد – فإن استمرار المسامحة والعفو والصفح دااااااااااائما وأبدددددددددددددا ومع كل الناس هو الوقاية التي يجب أن أقي نفسي بها من الآن وإلى أن أوضع في التراب.. كظم الغيظ لا يكفي وإلا فالنتيجة فظيعة.. بالمناسبة كنت سأكتب استشارة أسأل فيها: كيف أقي نفسي من عودة الاكتئاب؟؟ وإذا بي وبعد هذا التفكير أجد الجواب..
11- يجب أن ندرك أن ما نقوم به الآن من كل هذه الخطوات إنما يدخل في مرتبة الإحسان, والله يحب المحسنين, وإن الله لمع المحسنين، وللذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة وزيادة.. يجب أن نحس بذلك حتى يرتفع لدينا تقدير الذات– ولكن بما لا يصل إلى الغرور– فقط لنستطيع الصمود والتماسك أمام الانتهاكات التي توجّه إلينا في هذه الحياة حتى لا تؤثر على نفسياتنا وتجعلنا نشعر بالضعف والانهزام من جديد..
12- أخشى يا دكتورة سحر أن تكون الاستراتيجية التي أردتني أن أتبعها لترقيق قلوب الآباء قد رققت قلبي وجعلتني أشعر نحوهما بالحب من جديد.. أنا سعيدة لهذا الشعور ولكنني في نفس الوقت خائفة منه.. سعيدة لأنه مؤشر جديد على استعادتي لعافيتي النفسية التي طالما خسرتها.. وخائفة.. لأنني أخشى من قلبي أن يرديني في التهلكة من جديد.. لأن جرح القلب جرح صعب جدا.. لهذا يجب أن أبتكر طريقة جديدة تحمي قلبي المفتوح لحب من أساؤوا إلي حتى لا ينتكس بجرح جديد.. وهذا ما أحاول الوصول إليه من خلال ما أكتبه الآن.. أظن أننا نستطيع تحقيق ذلك من خلال تغيير طريقة استقبالنا لمعاملة أهالينا لنا..
يجب أن نتلقى الآن بنفسية هذا الشاعر: بلادي وإن جارت عليّ عزيزة ---------------- وأهلي وإن ضنّوا عليّ كرام بعد أن كنا نتلقى بنفسية هذا الشاعر: وجرح ذوي القربى أشدّ مضاضة --------------- على النفس من وقع الحسام المهنّدِ
13- الصبر على ابتلاء الله والرضا بما قسمه الله, واحتان نستريح إليهما حين يشتد قيظ الحياة .
14- التواصل الدائم مع من يستطيعون أن يقدموا لنا الدعم النفسي, أمثالكم, دام فضلكم, والتواصل بيننا نحن ضحايا هذه الظروف..
هناك شيء مهم جدا نسيت أن أذكره في استشاراتي السابقة وهو: أنني لم أتخلص من اكتئابي السابق إلا بعد أن سامحت والديّ تماما, ولم يبق في قلبي أي شيء ناحيتهما وذلك في رمضان قبل الماضي.. لقد وصلت في اكتئابي وحزني إلى درجة أن هذه المشاعر السلبية ظهرت ولسنوات على شكل آلام متنوعة في جسدي وأبرزها وأكثرها إيلاما هو الآلام في رقبتي وكتفيّ – أعلى الظهر – لدرجة أنني لم أكن أستطيع حمل أي حقيبة.. ولم أكن أستطيع النوم إلا على وسادة رقيقة وأحيانا كثيرة بدون وسادة.. ولكن وبمجرد أن تحرر قلبي من الألم الذي كان يقاسيه حين سامحتهم بدأ التحسن يظهر وبدأت هذه الآلام تختفي.. لم ألاحظ ذلك في البداية.. ولكنني فيما بعد اكتشفت أن رقبتي لم تعد تؤلمني.. ولم يكن من تغير طرأ على حياتي في تلك الأيام إلا أنني: سامحتهم رغبة في أن يسامحني ربي.. سامحتهم من قلبي.. وعندها فقط فهمت معنى: ربنا لا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا..
قبل ذلك قلت كثيرا: الله يسامحهم, ولكنها وكما يبدو لم تكن من قلبي.. أما في ذلك الرمضان فقد سامحتهم من قلبي.. هل تدرون كيف؟؟ حين جعلت أتخيل كيف أن الله تعالى سيوقفهما ويحاسبهما على كل ما فعلاه بي إن لم أسامحهما وربما عذّبهما.. لم أستطع تحمّل الموقف.. لأنني أنا أيضا لا أريد أن يوقفني أحد ما بين يدي الله ليأخذ مني حقه.. إذ بما أنني بشر فلا بد أن أكون قد أخطأت بحق إنسان ما.. وتعزز عندي هذا الشعور بالمسامحة في أيام العشر من ذي الحجة حين رأيت رؤيا سيئة جدا لأمي – سامحها الله – وعن مآلها يوم القيامة.. والله لقد سامحتهم من كل قلبي في ذلك الوقت.. وفتحت قلبي- الذي لم يبق فيه ملميترا إلا وفيه طعنة منهما – من جديد لهما.. ولكن يبدو أنني فتحته بطريقة خاطئة لأنهما لم يتغيرا.. وبما أن أسلوب الاستقبال والتلقي من طرفي لما يصدر منهما تجاهي هو نفس الأسلوب لم يتغير.. عدت للتعاسة من جديد.. ولكن ليس مثل الأول.. لأنني وقتها كنت قد تعلمت درسا قاسيا جدا جدا من محنة الاكتئاب السابقة.. فتشبثت وبشراسة وبكل ما بقي فيّ من قوة بالإنجاز الذي حققته لئلا أتراجع عنه وأفقده.. لأنه حينها ستكون النهاية, كنت كمن استطاع أن يخرج من بئر سحيقة وقع فيها وكاد أن يصل إلى حافتها.. ولكن الضربات المتتالية لا تزال تنزل عليه.. وقد وهنت قوته وأنفق في رحلة خروجه هذه جلّ طاقته.. هل إذا استسلم لهذه الضربات فأردته إلى قعر البئر ثانية.. هل سيتبقّى له من القوة والعزيمة ليعاود رحلة الصعود من جديد... لهذا.. وبفضل الله عز وجل وبفضل مساعدته لي استطعت أن أصمد..
تذكرت ذلك الآن لأنني سامحتهم أيضا هذا الرمضان حين كنت أطلب من الله أن يعفو عني, قلت له وأنا أيضا أعفو عن كل من ظلمني.. وإذا كنت أسامح الغرباء.. أفلن أسمح الأقرباء.. قد أعادني هذا الرمضان إلى الحالة التي كنت عليها في رمضان قبل اللي فات.. حالة الصفاء النفسي والتحرر من الأحقاد والضغائن.. لقد اكتشفت شيئا مهما: إن امتلاء القلب بالمرارة من تصرفات الآخرين والحقد ناحيتهم والضغينة عليهم يتناسب عكسا مع القرب من الله.. فكلما كان المرء من الله أقرب كان عن المشاعر السلبية أبعد.. وكلما كان .. إذا فالقرب من الله بالنسبة لنا: دواء لا يمكننا أن نتخلى عنه بحال من الأحوال إلا إذا اخترنا أن نعود للحياة المريرة من جديد.. الآن عرفت معنى أن السعادة تنبع من ذات الإنسان!!! يبدو أنني سأظل أتعلم إلى أن تبلغ روحي حلقومي!!!
الحمد لله أنني أصبحت قابلة للتعلم بعد أن قضيت وقتا طويلا وأنا مجمدة الفكر واجمة الفؤاد.. فالحمد لله على العافية.. والله إن الصحة – والنفسية منها – لنعمة كبيرة لا يعرف قيمتها إلا من اكتوى بنار المرض.. الآن أيضا فهمت معنى كلامكم أن المرض النفسي يتبع استعداد الإنسان لهذا المرض.. أي أنه وتبعا لتنوع طرائق الناس في استقبال خطوب الحياة تتنوع ردود أفعالهم وبالتالي ينقسمون بين من هم مهيؤون للوقوع في المرض النفسي وبين من يستعصون على المرض النفسي أن ينال منهم. همممممممممممممممممممممممممم..
الآن فهمت.. أشعر براحة كبيرة وأنا أكتب هذه الكلمات.. وأنا أخبركم بأنني- وأخيرا- فهمت!! لقد أطلت عليكم كثيرا.. ولكنني سعيدة جدا لأنني توصلت أخيرا لحل لمشكلتي التي أرّقتني كثيرا والتي كانت لها أثارا سيئة جدا جدا علي في الماضي.. ومن اليوم طويت صفحة.. بل دفتر الماضي كله.. واشتريت دفترا جديدا لأسطّر عليه سطور المستقبل الذي بإذن الله تعالى وبفضله ثم بفضل مساعدتكم ستكون سطوره مشرقة بل ومغرّدة..
أما دفتر الماضي فلن أرميه.. بل سأحتفظ به لأنظر فيه بين الحين والآخر لأستفيد من عبره ودروسه.. ولعلّي أفيد بها غيري أيضا ممن لا يزالون يصارعون أحداثا شبيهة بأحداث هذا الماضي.. جزاكم الله كل خير.. وأسأل الله لكم السعادة دائما وأبدا في الدنيا والآخرة.. وأسأله أن يقر أعينكم بأولاد بررة.. مثلي:))))))) والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
19/12/2003
|