نسيان الماضي الجريح بعد التحية والسلام، أود أن أكتب مشكلتي لعلي أجد من يسمعني فأنا فتاة في العشرين من عمري لقد تعرضت إلى تحرش جنسي من أقرب الناس لي منذ كان عمري 10 سنوات تقريبا ولهذا اليوم لا أستطيع أن أتوقف عن التفكير في الأمر أو أنسى ما حدث لي فهو صعب للغاية للعلم مع أن هذا الشخص يعيش معي في النفس البيت وهو أخي، فكلما قرأت عن قصص التحرشات الجنسية أصاب بصداع وأظل أبكي لفترة طويلة ولا أدري ماذا علي أن أفعله لقد كانت طفولة تعيسة بمعنى الكلمة ولا أستطيع أن أنساها فارجوا منكم مساعدتي في تخطي هذه المشكلة. 23/01/2004
الأخت الفاضلة:أولا: أحييك بتحية الإسلام، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأشكر لك مبادرتك الشجاعة في التعبير عن آلامك وطلبك المساعدة في إيجاد حل لمشكلتك حيث يعد هذا بمثابة بادرة للآخرين لمعرفة المعاناة الإنسانية لمثل هذه المواقف ومراجعة جيدة لكل من تسول له نفسه للإقدام على مثل ما أقدم عليه أخيك. وثانيا أنقل لك باقة ورد من خلال موقعنا موقعكم مجانين نقطة كوم بمناسبة عيد الأضحى المبارك أعاده الله علينا وعلى الأمة الإسلامية بالخير والرشاد وعلى سائر الأمم بالهدى والصلاح. وبعد، قبل أن أتحدث معك عن ما تعانينه أريد أن أوجه لك ولجميع الأسر أن الالتزام بالسلوك التربوي الإسلامي هو خير طريق لمنع مثل هذه المشكلات وتأكد لي كما أعلم دائما أن ديننا دين قيم من التزم بآدابه نجى من آلام الدنيا وعذاب الآخرة. فعندما جاء في الحديث الشريف الذي رواه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين واضربوهم عليها وهم أبناء عشر وفرقوا بينهم في المضاجع" حديث حسن رواه أبو داود بإسناد حسن، ومذكور بكتاب "رياض الصالحين: من كلام سيد المرسلين للإمام المحدث الحافظ محي الدين أبى زكريا يحيى بن شرف النووي ، ص 148". فهذا يعتبر من دلائل الخير في منع مثل هذه الحوادث فتعليم الصلاة يؤدى إلي ويقوى الخلق الرفيع والارتفاع عن الأخطاء والزلات حيث يحس الإنسان أنه مراقب دائما من ربه فيرجو رحمته ويخاف عقابه والتفريق بين الأخوة والأخوات في المضاجع يؤدى إلي حفاظ كل منهم على خصوصيته ويمنعهم حتى من التلامس الجسدي أثناء النوم مما يثير الشهوات أو حتى مجرد التفكير بها، ويعتبر هذا من أنجح طرق العلاج الطبي الوقائي حيث يمنع المصائب قبل وقوعها مهما افترى الضالون وأيضا هدفا من الأهداف الأساسية لمهنة الطب فالوقاية دائما خير من العلاج وفى كلاهما خير. ولأن ما حدث قد حدث فأحب أن أنوه على أن حالتك تندرج في منحيين وهما سوء التعامل مع الأطفال (ضرار الأطفال "Child Abuse") والعلاقات الجنسية مع المحارم (أو غشيان المحارم "Incest") وقد أثار كلا المنحيين جدلا عالميا واسعا فظهرت وثائق حقوق الطفل وجرم من ثبت عليه إساءة استخدام الأطفال سواء على المستوى العضوي "عنفا أو ضربا أو إرهابا" أو المستوى النفسي "إهمالا" أو المستوى الاقتصادي "استخداما" أو المستوى الجنسي "اعتداءا أو بغاء" وأما بالنسبة لزنى المحارم فقد حرمته الشرائع السماوية وجرمته تجريما شديدا وكذا حرمته معظم الثقافات الإنسانية السوية. وإن ظهرت في بعض الأساطير الوثنية زواج المحارم لدرجه أن عالم النفس سيجموند فرويد فسر هذه العلاقات بالرجوع إلي المصادر الوثنية القبلية وفي كتابه "التابو والطوطم:Totem and Taboo" بأن "محاولة الوصول إلي الزعامة يكون عن طريق قتل الأب أو الزعيم الذي يستحوذ على جميع نساء القبيلة ومن ثم الاستيلاء على كل نسائه وذلك عادة يفسر بأنه نتيجة لأولا: للإحساس بالذنب نتيجة لقتل الزعيم وثانيا: لضغط القبيلة لمنع تكرار القتل". وعموما تؤدى مثل هذه الأحداث "أي التحرش الجنسي" إلي بعض الاضطرابات النفسية مثل اضطرابات القلق والاكتئاب أو "اضطراب كرب ما بعد الصدمة" وأظن ذلك ما تعبر عنه الأعراض التي اشتكيت منها مثل "ولهذا اليوم لا أستطيع أن أتوقف عن التفكير في الأمر أو أنسى ما حدث لي فهو صعب للغاية للعلم مع أن هذا الشخص يعيش معي في النفس البيت وهو أخي فكلما قرأت عن قصص التحرشات الجنسية أصاب بصداع وأظل أبكي لفترة طويلة". وهذا بالطبع له علاج وتحتاجين لمعاونة من أحد الأطباء النفسيين وبطبيعة الحال فعلاج ذلك أسهل مما تتخيلين وقد يحتاج العلاج إلي العلاج الدوائي أو النفسي. وعليك أن تصارحي الطبيب بكل ما تعانين منه ومدى الأذى الجسدي الذي تعرضت له نتيجة هذا التحرش. وعليك أن تعلمي أختي الفاضلة أنني كطبيب معالج أحترم مشاعرك وأتواجد معك في كل ما تعانينه ولكني دائما أطمئن كل من مر بهذه الظروف بأن بالتصميم والإرادة والثقة في الله والنفس يمكننا التغلب على كل مشاكلنا، فأحاول أن أجد المبرر لأخي على فعلته فقد يكون فعلها وهو في حالة مرض، عدم وعى، عدم إدراك للمسؤولية وعساه يعيش عذاب أكبر من عذابي وحسابه على الله محاولا ألا أحطم أواصر الأسرة على قدر استطاعتي وذلك أيضا لأنني لم أكن مسئولة في هذه الفترة بل مرفوع عنى القلم وقد أثاب على ما حدث لي من اعتداء ووقع على من ظلم. وكذلك علي أن أثق بأن ذكائي (تعليم عالي) كفيل بأن أجد الوسائل البديلة التي تنسيني هذا الاعتداء مثل الاهتمام أكثر بالنواحي الدينية وممارسة رياضة معينة وإبدال قراءة القصص التي يكثر بها التحرش الجنسي والتي تعمق بداخلي الضعف وعدم احترام الذات وتهز ثقتي بنفسي إلي قراءات ثقافية أو علمية أو شعر والأفضل قراءة القرآن. وعليَّ دائما أن أتذكر إنني هنا والآن ويجب على أن لا أنظر إلي ماضٍ وَلَّى، وأن أصر على أن أفر من ماض قد أكون تألمت فيه كثير إلى حاضر أبنيه استعدادا لحياه جديدة..، وأهلا وسهلا بك دائما فتابعينا بأخبارك.