أستاذي الكريم: لقد سمعت منذ فترة وجيزة أنك ماهر في حل العقد والمشاكل النفسية لذلك قررت أن اعرض عليك مشكلتي.. بل الأحرى أن أقول مصيبتي لأن حياتي صارت أشبه بخيط رفيع تملؤه العقد، في البداية سوف أعرفك على نفسي بشكل مختصر لعل ذلك يفيدك قليلاً في الاستطلاع على أبعاد شخصيتي. أنا في الثامنة والعشرين من عمري الآن متزوجة 3 سنوات ليس لدي أولاد، تخرجت من كلية الحقوق ثم نلت إجازة في المحاماة والآن أنا موظفة... أهوى كتابة وتأليف الشعر.. أحب أن أكون دائماً مميزة وأن أعيش على ظهر الحياة وأرفض العيش على هامشها... إلى حد ما استطعت أن احقق التميز... أعيش أنا وزوجي عند أمي لأنها لوحدها انفصلت عن زوجها منذ 25 سنة ولدي شقيق في فرنسا طبيب وهو الآن يختص... لدي أخوة وأخوات من خالتي زوجة أبي الأولى علاقتي معهم طيبة وجيدة... والدنا توفي منذ أربع سنوات ولكن عندما كان حياً لم تكن علاقتي معه وطيدة... لم يربطني به أي شعور... غيابه وعدم وجوده لم يكن يشكل عبء كبير بالنسبة لي... لأن الآباء معظمهم في مجتمعنا... هم يمثلون الحصانة المادية فقط بالإضافة إلى أنهم يشتغلون مراقبين ومحاسبين على الدوام... ومن الناحية المادية لم ينقصني شيء لأن جدتي والدة أمي التي توفيت منذ 4 سنوات كانت تنفق علينا والبيت الذي نسكن فيه والأملاك لها لأن أمي وحيدتها... كانت طيبة وتحبنا كثيراً أنا وأخي ولكن المشكلة أنها كانت عصبية وتهوى النكد وتحب السيطرة. كانت مسيطرة على والدتي تمام السيطرة... عندما كانت صغيرة.. كانت تمنعني من الاختلاط مع أحد... وإذا جاءت بنت لتلعب معي حتى من أقاربها تختلق مشكلة حتى لا تأتي إلى عندي مرة أخرى وحتى عندما كبرت وأنا كنت أعاني جداً سيما وأنني في داخلي كنت أعشق الحرية... لو كان لدي أخت واحدة لكان الوضع أفضل قليلاً... لكني كنت وحدي... أجلس أنا والعجوزتان (أمي وجدتي) وحيطان الغرفة... كنت أتألم من الوحدة بينما شقيقي يسهر حتى الصباح في الغرفة المقابلة وصوت القهقهة والضحك هو وأصدقائه يملأ الدار، وكان أحياناً يأخذ التلفاز إلى غرفته كي يتفرجوا إذا كانت هناك برامج جميلة... طبعاً الأولوية للصبيان في عرف جدتي... يناله منها بعض العصبية والصراخ... ولكن هو شاب يستطيع أن يخرج من البيت متى يشاء... أما أنا طبعاً مضطرة لمواجهة كل المواقف... مع أن شقيقي شخص متحرر فكرياً لأبعد الحدود إلا أنه وحتى الآن موقفه حيادياً دائماً. كنت أجد المدرسة هي المنفس الوحيد... ومن هنا بدأت المشكلة من خلال تعلقي بمدرسة الرياضة... مع أن سلوكها لم يكن حسناً... وكانت حقيرة أحياناً وغير جميلة... وكانت جريئة لحد الوقاحة... ولكنها كانت تشد الفتيات إليها عندما تتحدث عن حياتها... وكيف أنها تعيش بمنتهى الحرية... حتى تعلق بها عدد كبير من الفتيات. وقتها أنا تعرفت على ذاك الذي يقولون عنه حب وغرام وأدركت ما وراء كلمات الأغاني الملتهبة... لقد كان حباً قوياً عارماً... يمكن أن يحطم كل شيء أمامه... بقيت تلك المعلمة 3 سنوات ثم انتقلت إلى مدرسة في المدينة... عندها كانت الفاجعة الكبرى حين انقطعت أخبارها عني... وكنت لا أستطيع الذهاب إليها لأنني في ضيعة من الصعب على فتياتها حتى لو كن راشدات أن ينزلن بمفردهن على المدينة فكيف وأنا بنت المدرسة الصغيرة... وطبعاً من كان سيفهمني لو بحت له بالقصة... وبعض الصديقات اللواتي كنت أشكو إليهن حالي يتعجبن كثيراً... وكيف يمكن لفتاة أن تعشق فتاة مثلها وبتلك الدرجة الجنونية؟؟؟ وهكذا بقيت الآلام والأوجاع حتى دخلت الجامعة وصرت أسافر حينها وقررت أن أذهب إليها وفعلت ذلك فعلاً وصارت الكثير من المشاكل لأنها كانت ترفض رؤيتي وترتجف وتخاف... حتى أصبحت أقف لها في طريق المدرسة لكي أراها... عندها أحسست بالبرود وأن رؤيتها لم تعد تعني لي شيء أو تريحني وهكذا نسيتها لكن المشكلة لم تنتهي... وهكذا كنت أتنقل من واحدة تلو الأخرى ثم انتقلت إلى جنس الرجال... وهؤلاء كانوا أكثر... لم يكن بهم صفات مشتركة... ولا أعرف ما هو السبب... ولكن قوة قاهرة كانت تأتي من السماء فتصب ذلك البلاء علي... كنت أتعلق بالشخص فترة من شهرين إلى ستة أشهر فجأة يظهر شخص جديد... أما القديم فلا يعود يعني لي شيئاً أبداً بل أحياناً أحس بالنفور تجاهه... فإذا الظروف لم تسمح بأن أقترب كثيراً من الشخص وأتعمق بعلاقتي معه مرت القصة بسلام وهدوء... أما إذا سنحت لي الظروف بأن أتقرب منه... وصار يبدي انزعاجه مني وعدم رغبته بوجودي كانت تحدث المشاكل وتترك في نفسي آثاراً سيئة وآلاماً شديدة... حتى أواجه قصة جديدة أنسى بها آلامي. وأما زواجي بدلاً من أن يكون حلاً جذرياً لتلك المشكلة صار بحد ذاته مشكلة ومصيبة بالنسبة لي... لأنني غير راضية عن هذا الزواج بتاتاً... ولكن تحت ضغوطات من أمي وأخي تمت الخطبة وحاولت بكل السبل أن أفك الخطبة دون جدوى فهو متمسك بي رغم نفوري وأمي متعنتة برأيها وأخي الذي انتظرت منه أن يقف بجانبي وقف ضدي... أنا لا أنكر أن أخلاقه وسمعته حسنة وأنه طيب ويقول الناس أنه وسيم... ولكن أنا سأشرح لك لماذا أنا رافضة.. وسأشرح لك بالتفصيل كيف أود أن يكون شريك حياتي وزوجي... أولاً من حيث الشكل أن يكون وسيماً وأن يكون تحديداً أبيضاً لا أسمراً وأن يكون بدون لحية أو شارب... أن يكون حضارياً ومتحرراً من أي عقد ويؤمن بمساواة الرجل مع المرأة.... أن يكون له مركز في المجتمع على الأقل متخرج من الجامعة.. وأن يكون لطيف المعشر وليس لديه تصرفات خشنة. والمصيبة أني لا أجد شيئاً فيه من فتى أحلامي... فهو أسمر ويحب أن يعمل في الأرض... ودائماً أياديه خشنة ويزداد اسمراراً من الوقوف بالشمس وثيابه دائماً متسخة... فلا يهتم بمظهره ولا هندامه والمصيبة الكبرى أنه لم يكمل تعليمه... فهو معه ثانوية زراعية فقط، وهذا أكثر ما يعذبني في حياتي ويزعجني وأنا حتى الآن ألوم نفسي واندم... كيف أني تركت هذا الزواج يتم... كان أخي يقول أن الشهادة ليست مقياساً... ربما ليست مقياساً للفهم ولتطور العقلية لكنه مقياساً للمركز الاجتماعي... وإلا لما جعلنا نصرف عليه آلاف الليرات حتى يصبح طبيباً ناجحاً, إن المرأة تحب أن تشعر بأنها جميلة ومرغوبة ولن تشعر بهذا إذا لم ترتبط بشخص يستحقها ويليق بها. وأنا أجد من حقي أن أفكر بذلك... الكثير من زميلاتي في العمل أو خارجه حققوا وضعاً بزواجهم أفضل مني مع أتهن أقل جمالاً وعلماً وذكاءً وطموحاً ونسباً.. والمشكلة هي أنه صار عندي عقدة التميز... فأنا أود أن أرتبط بشخص متميز ترغب فيه كل الفتيات وأنجب منه أطفالاً متميزين... لذلك أنا تعيسة جداً وسأصارحك القول بأني لا أعرف شيء اسمه اللذة الجنسية... أنا لا أشعر سوى بالنفور منه حتى من اللمسة... إضافةً إلى أني عندما أنظر إلى وضعه الاجتماعي أشعر بأني محطمة وبأني تافهة وان النعم التي أعطاني إياها رب العالمين لا أشعر بها أبداً ولا أستمتع بها... لذلك كانت تلك القصص عالم آخر أهرب إليه من زواجي التعيس... ولكن القصة الأخيرة والتي ما أزال أعاني منها حتى الآن هي مختلفة ومؤثرة وربما لذلك طالت المدة... حيث أنه في هذه المرة توافرت في الشخص الذي تعلقت به جميع صفات شريك الحياة التي أحبها شكلاً ومضموناً فمنذ حوالي تسعة أشهر تقابلت في الوظيفة مع طبيب جراح... كنت أعرف بعض المعلومات عنه من بنت أخيه التي تعمل معي في الوظيفة حيث كانت تقول أنه متحرر جداً سيما أنه أكمل دراسته في الخارج... وحين رأيته لأول وهلة تفاجئت بأنه وإضافة إلى صفاته الأخرى بأنه وسيم... تلك الوسامة القريبة من نفسي وقلبي... وعندما بدأ يبتسم لي حين يكلمني تلك الابتسامة التي تسللت إلى قلبي وشعرت انه يستلطفني... وصدفة تواجهنا في الشارع العام... وكانت وجهتنا إلى القصر العدلي... فدعاني على زيارته بشكلٍ دائم واحتساء فنجان مكن القهوة عندها كانت فرحتي كبيرة جداً... وازدادت حين ذهبت لزيارته عدة مرات في العيادة وكان يتحدث عن إعجابه بي وأنه يبادلني نفس الشعور.. لكن هذه الفرحة لم تتم... حيث اكتشفت أنه زير نساء وله علاقات متعددة مع النساء... وصار يطلب مني بصراحة ودون خجل علاقة جنسية وأنا كنت أرفض حتى القبلة واللمسة... مع أني طبعاً من داخلي كنت أتمنى وأتخيل بعض من هذه الأمور ولكن خوفي من الله وإيماني كان يمنعني ولكني بالمقابل لا أستطيع أن أبتعد عنه وأتركه وهكذا دام صراع بيننا أربع شهور... في الفترة الأخيرة عندما أحس بأنني لا يمكن أن أفيده بشيء أو أعطيه أي شيء بدأ يهملني ولا يهتم بوجودي وهذا كان يعذبني كثيرا ووصل الحد به إلى أن ينعتني بأني مريضة نفسيا وبأني أزعجه وأحرجه أمام جيرانه مع أنه ورغم زواجه منذ ست سنوات من فتاة جميلة وذات نسب إلا انه يمارس الفحشاء في العيادة مع النساء دون أي اعتبار لجيران أو زوجة أو خالق... ورغم أنه هو من دعاني لزيارته وألح علي وقتها أحسست أنه أهانني كثيراً فأنزلت به سيلاً من الشتائم وخرجت وظننت أني سوف أتعذب شهراً بالكثير وأنسى ولكني حتى الآن لم أنس ولم تنقلع جذور ذلك الحب من كياني وقلبي رغم أني حاولت كثيرا ورغم إرادتي ورغم دعائي وتوسلي لله وصلاتي وقراءتي القرآن... أحس أن ذلك الحب والتعلق رغم إرادتي حتى أنه يشبه الوسواس القهري وأنا الآن في أصعب حال منذ خمسة أشهر وحتى الآن... قلبي وروحي يتعذبان وعقلي يفكر رغماً عن إرادتي من جراء تلك القصة ومن جراء زوجي التعيس الذي لا أملك إلا أن أندم وأتحسر وألوم نفسي في كل يوم بل فيكل دقيقة كيف جعلته يتم. أنا أكره أن أسمع الأغاني أو أن أتفرج على المسلسلات التي كلها مليئة بقصص الحب... فأين ذاك الحب الذي يتحدثون عليه؟؟ وإذا كانت كل تلك القصص والعذابات التي مررت بها ليست حباً فما هو الحب إذاً؟؟.. وأين ذلك الرجل الذي يمكن أن أعيش معه قصة حب حقيقية وسليمة متبادلة؟ وهل يمكن أن أشعر بشيء تجاه زوجي بعد كل ذلك النفور؟؟ والغريب أن لي أخاً من أبي يشبهني في المشكلة ولكنه يختلف عني بأنه يتعلق بأبناء جنسه فقط دون الإناث رغم أنه تزوج برغبته وهو متدين كثيراً وصادق أصدقاء متدينين وذوي سمعة طيبة ورغم ذلك لم تنتهي مشكلته حتى الآن ويميل إلى الانحراف فهل لديك حل لتلك المعضلات التي لم نجد لها حلاً في أي باب من الأبواب يا سيدي الكريم. إذا كان لديك طرف الحل فأنجدنا أرجوك من هذا الضياع....... 14/12/2003
السائلة الكريمة: قرأت بريدك الإلكتروني أكثر من مرة حتى أتمكن من الرد والتحليل بشكل مفيد. بداية تماسك اللغة وجمالها وقوة التعبير واضحة وتنم عن شخصية بالفعل متميزة وغير نمطية. بالفعل تعيشين على ظهر الحياة وفي قلبها وقد يأخذ ذلك في إطاره حساسية عالية وغرابة في الشخصية. أهم العلامات والتحليلات فيما جاء في رسالتك: • هواية الكتابة وقرض الشعر. • محامية لا تعمل. • متزوجة بلا أولاد. • تعيش عند الأم التي انفصلت عن زوجها منذ 25سنة. • وفاة الوالد منذ أربع سنوات. • فقدان كيان الأب المعنوي. • الجدة مصدر الإنفاق والهيمنة. • معاناة من تضيق الخناق. • عشق الحرية. • التفرقة في المعاملة بينها وبين أخيها (ذكر وأنثي). • التعلق النفسي الجنسي بمدرسة الرياضة. • المدرسة نموذج الجرأة إلى حد الوقاحة، حقيرة أحياناً وغير جميلة. • حب المدرسة نوع من التوحد مع النموذج الذي تحبينه ولا يعد جنوحاً. • تلك الأحاسيس المثلية تأتي في تلك الفترة من العمر عند الفتيان والفتيات. • عشق المدرسة لدرجة الجنون هو نتاج مزج الشخصية المتمردة والرغبة في أن تكوينها. • الانتقال إلى جنس الرجال دليل على أن ما سبقها كان عارضاً وليس مرضياً أو جانحاً. • عدم القدرة على إقامة علاقة والاستمرار فيها مع الآخر (الرجل) أحد علامات اضطراب الشخصية البينية. • تفضيل الرجل الأبيض الوسيم هو اتجاه إلى عشق الجزء الأنثوي في الرجل وكأنك تبحثين عن نفسك فيه، عن ذاتك في لونه ووسامته. • زواجك بنقيض أحلامك مزعج حقاً لكني مندهش للغاية من قبولك لهذا الزواج وكأنه شعور داخلي للتعذب (مازوخي). • عقدة التميز نوع من التوتر الشخصي الاجتماعي. • التعاسة وعدم الإشباع الجنسي مطلقاً يدل على خلل نفسي جنسي وعطل سببه الرغبات المكبوتة وطبيعة الزوج المتناقضة مع الصورة المرسومة والمرغوبة قبلاً. • ما يمكن أن يصطلح عليه بـ "العقدة النفسية الجنسية" لابد من حله بحل الصراعات النفسية الداخلية كلها (يتم ذلك عادة عن طريق ما يسمى بالتفريغ النفسي، العودة بالعمر إلى الوراء – الشرح، التحليل، التوجيه، والإرشاد) أي الاستبصار الوجداني والذهني للحالة ككل. • بدلاً من حل الصراع لجأت إلى تعقيده تماماً بالدخول في علاقات (قصص) للهروب من جحيم الزواج التعيس على حَد قولك. • حكاية الطبيب الجراح زير النساء هي المعادل الآخر للمدرسة فهو وسيم ومتعلم ومتحرر لكنه كما سردت (زير نساء)، تهربين مرة أخرى إلى عالم محفوف بالمخاطر. • لقد أحببت فيه ما أدركته وما وددت أن ترينه وهو فعلاً حب استحواذي يكاد يقع ضمن دائرة (الوسواس القهري) كما ذكرت. • أنت مريضة بالعشق وفي حالة انتظار مؤلمة. • أما عن أخيك فيبدو أن ثمة عوامل وراثية هيأت كل منكما أن تكونا متشابهين في التضاد وفي الصراع. • طرف الحل بفهم النفس على المستوى الوجداني والانفعالي – لا باستدماج الرؤى الحالمة المعذبة وكذلك بحل الصراع، لا أدري إن كان بإمكانك اللجوء إلى محلل نفسي أينما تقيمين أم لا. أرجو أن أكون قد أفدتك –قدر إمكاني– بالإيضاح والتحليل والتنبيه. 13فبراير 2004