السلام عليكم ورحمة الله وبركاته عزيزي الدكتور أنا لا أريد الإطالة سأكتب وباختصار.... لعلي أجد حلا لمشكلتي عندكم وجزاكم الله عني كل خير مشكلتي أنى ومنذ الصغر(ولد صغير) عندما كنت أجرح يدي وأرى دماء يغمى علي.. مهما كان هذا الجرح بسيط وأذكر أنى عندما كنت صغيرا سقطت من جراء القصف الإسرائيلي على منطقتنا وجرحت رأسي جرحا قطعيا ثم علاجه في المستشفى وأنا مستيقظ أي أشعر بكل شيء كان عمري عندها 4سنوات، ولازال هذا اليوم في ذاكراتي حتى الآن... أنا الآن كبرت ودرست الصيدلة.. وأعلم أن الإنسان يستطيع أن يتبرع بلتر دم دون أي مشكلة صحية تحدث له.. بل أن هذا يجدد الخلايا في جسمه ويفيده... لكني لا أستطيع القيام بهذه العملية أبدا أنا الآن أعيش في الإمارات وبعد أن تركت لبنان، وهنا يجب أن يقوم كل مقيم من غير المواطنين بفحص الدم من أجل مرض نقص المناعة المكتسب يجري هذا الفحص عند تجديد الإقامة.. كل ثلاث سنوات وأنا عندما قمت بهذا الفحص ورأيت الإبرة وبها دم أغمى علي... ولا تعرف مقدار الألم والإحراج الذي أصبت به بعد هذه الإغماء أقوم بعملية (مراجعة) قيء.. أبقى في حالة دوار إلى اليوم التالي حتى أتحسن ويصاحبها انخفاض بالضغط حاولت أن أعالج نفسي عن طريق الذهاب إلى المسلخ والنظر إلى الحيوانات عند ذبحها.... بل أكثر من ذلك قمت بنفسي بذبح دجاجة... ورأيت الدم ولم يحصل لي شيء، لكن عندما نجحت برخصة القيادة وذهبت لمعرفة نوع الدم لتكملة الإجراءات القانونية للحصول على الرخصة، وعندما شك الدكتور الإبرة بإصبعي بعد فترة قليلة وجدت نفس غائبا عن الوعي.... أكاد أجن بعد أن ظننت أنى شفيت... إذا بالأمر يتكرر.... المشكلة أنها غزة دبوس… عزيزي الدكتور عندما أرى الدم في نشرة الأخبار لا يحصل لي شيء وحتى في الأفلام لكن إن رأيت الدماء تنزف حقيقة ومن إنسان أو مني يغمى علي هذا ما اكتشفته وهو ما يحصل معي.. أريد أن أخبرك أيضا أنى لست جبان قد تقول كل هذا ولست جبان... صدقني أنا إنسان رياضي وأحمل حزام أسود في أحد رياضات الدفاع عن النفس، ولكن مع هذا يغمى على من نقطة دم وأيضا يا دكتور سمعت من والداتي أن لي خال أيضا يغمى عليه من رؤية الدم... هل من المعقول أنه وراثي.. لله أعلم المشكلة أنه في نهاية هذا الشهر سأقوم بعملية سحب الدم من أجل تجديد الإقامة لمدة ثلاث سنوات أخرى وأنا منذ الآن لا أستطيع أن أبعد تفكيري عن هذا الموضوع كتبت لك كل شيء تقريبا، أنا أيضا متزوج وعمري 30 سنة، وأعمل في مجال طبي هو الصيدلة وأنا أمارس رياضة الكاراتيه، ويا للعار أخاف نقطة دم، والمشكلة أخاف إخبار أحد عن المشكلة فإن سألني أحد ماذا يحصل لك أحاول التهرب لأني أعتبر الموضوع عيب، وسأصبح مسخرة ولا يعلم عن الموضوع سوى أمي، ولو لم أجد موقعكم المميز على الإنترنت لكان هذا السر في صدري حتى نهاية العمر.أرجو أن تجدوا لي حلا، حاولت أن لا أطيل لكن ما باليد حيلة أرجو تقدير موقفي، وجزاك الله عني كل الخير ملاحظة أرجو المحافظة على سرية البريد الالكتروني 02/03/2004
آه لو تدري يا أخي الفاضل، كم أثرت في كلماتك، وكم أعدت قراءة إفادتك، وأنت تكلمني عن عرضٍ غالبا ما يمثل اضطرابا منفصلا بذاته ويصنفونه في الطب النفسي الحديث تحت أنواع القلق الرهابي ويمثل أحد أشكال الرهابات النوعية Specific Phobia، وأنا أجد نفسي محتارًا كيف أجيب عليك، فما بين الكلام العادي الرسمي الذي يقوله كل طبيب نفسي، وما بين ما تستفزه في قصتك المؤلمة التي بدأت كما فهمت بحادثة إصابتك بالجرح القطعي وأنت ابن سنوات أربع، وكنت أيامها تعيش تحت القصف الإسرائيلي لجنوب الحبيبة لبنان، وأجد نفسي مشدودا للسير في مسارات فكرية قد يراها غيري وجعا للدماغ بينما أراها محاولةً أعمق للفهم، وأنا مقتنع ويبدو أنني سأبقى دائما مقتنعا بأنني ما زلت أحتاج إلى فهم آليات تشكل مختلف أنواع الاضطرابات النفسية. فكطبيب نفسي سأقول لك: ما تصفه يا أخي هو نوعٌ من أنواع الرهاب النوعي، نسميه رهاب الدم أو الجروح Blood-Injury phobia وهو يسبب تباطؤ ضربات القلب، وربما الإغماء على عكس كافة أنواع الرهاب التي تسببُ سرعةً في ضربات القلب، بينما يحدثُ في الآخرين من مرضى الرهاب النوعي زيادةٌ كبيرةٌ في أعراض القلق (أو الخوف) تتمثل في زيادة ضربات القلب وسرعة التنفس؛ ما يدفعهم إلى الهرب، وأما في حالتك فإن الدوار الشديد وربما الإغماء يمنعك حتى من الهرب الجسدي فكأنك تهربُ بوعيك من الموقف ويحدثُ لك ما نسميه في الطب بالغَشْيَـةِ الوِعائيةِ المُبْـهَمِيـَّة Vaso-Vagal Attack، مثل التي تحدثُ مثلاً لطالب الطب في أول مرةٍ يشاهدُ فيها الجثث في المشرحة، حيثُ يستثارُ العصبُ الحائر (أو المبهم) إلى حد كبيرٍ مما يؤثرُ وقتيا على ضربات القلب فتقلُّ إلى الحد الذي يسببُ هبوطًا حادًا في ضغط الدم، فيسببُ الإغماء،ومن رحمة الله بالإنسان أن علاج ذلك الهبوط الحاد في الضغط يحدثُ بمجرد السقوط على الأرض؛ لأن السقوط نفسه يؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم!، لكن الخصوصية التي تتميزُ بها حالتك فهيَ أن الغشية الوعائية المبهمية لديك تكونُ طويلة المفعول نوعا، فيبقى ضغطك منخفضا والدوار يلازمك حتى اليوم التالي ، كما أنها تؤثر أيضًا بشدة على المعدة ، فيحدث القيء غالبا نتيجةً لاستثارة جدار المعدة، والذي قد يستمر لفترة أطول، وبالتالي فإن حالتك يا أخي الفاضل كان من الممكن أن تكونَ أسوأ كثيرا مما هي في الحقيقة، لولا ما أستنبطه من قصتك من صدق العزم وقوة الإرادة، والشجاعة التي لو لم تشر أنت إليها بنفيك الجبن عن نفسك، لكنت أنا أول من يشيد بها وينبه إليها، وعندي لتأكيد ذلك سببان: الأول: أنك لم تقع في حفرة التعميم Generalization المتلاحقة الاتساع والمتسارعة الهبوط بمن يقع فيها، من مرضى الرهاب على اختلاف أنواعه. وأنصحك هنا بمراجعة الردود السابقة على صفحتنا استشارات مجانين تحت العناوين التاليةلا إذا هبت أمرًا فقع فيه مجتمعاتٌ ضد توكيد الذات و الخوف من المشاركة الحياء الشرعي والرهاب المرضي رهاب الساحة إلى متى ؟ الثاني: أنك امتلكت من الشجاعة والحصافة وحسن التصرف ما مكنك من علاج نفسك ذاتيا، من خلال برنامج علاج سلوكي معرفي يعتمد على التعريض المتدرج أو غير المتدرج، مع منع الاستجابة بالاجتناب Exposure with Response Prevention، فمن يكمل هذا البرنامج بمساعدة فريق علاجي نسميه شجاعا فما بالك بمن يجتاز البرنامج ذاتيا ليبقى على سره الذي يخجل منه كما يفهم من قولك في إفادتك:(والمشكلة أخاف إخبار أحد عن المشكلة فإن سألني أحد ماذا يحصل لك أحاول التهرب لأني أعتبر الموضوع عيب، وسأصبح مسخرة ولا يعلم عن الموضوع سوى أمي)... فهل إذا أكدت لك شجاعتك تصدقُ أني صادق؟ لعلك لاحظت أنني أقول لك أنك اجتزت برنامج العلاج المعرفي السلوكي المألوف بنجاح حتى أنك ذبحت بنفسك الدجاجة، وذلك رغم علمي بأن الحالة حدثت لك في المرة الأخيرة لفحص دمك أعلم ذلك، ولكنني ما زلت أطلب منك المزيد، ولكنني سأقول لك بعض الملابسات الفكرية لما سأطلب منك، في بعض النقاط أولاً : النقطةُ الأولى: هناك منطقة مؤلمةٌ عندك في الذاكرة، هي منطقة الطفولة تحت القصف الصهيوني لجنوب لبنان، ولعل أشد نقاطها ألما هو حادثة الجرح القطعي المخيط جراحيا تحت القصف، بالإبرة الجراحية والخيط والكُلاَّبِ الجراحي، والطفل ذو السنوات الأربع واعٍ ومستيقظٍ ويشعرُ بكل شيء، فهذه حادثةٌ تمثل رضحا Trauma، وتكفي كفاتحةٍ للاضطراب الكربي التالي للرضح (أو ما يسمى اضطراب ما بعد الصدمة)، ورغم أن ما تحكيه لا يختلفُ عن حكايات الهولوكوست التي يروجها اليهود، ولا عن حكايات محاربي فيتنام من الأمريكيين، لا يختلف فيما يتعلقُ بأثر الكرب الخارق للخبرة البشرية العادية الذي يشكل نواةً يتشكل حولها الاضطراب النفسي فيما بعد، رغم كل ذلك إلا أن المثال الذي تمثله قصتك هذه، لا يذكرُ في كتب الطب النفسي الشائعة ولا أدري لماذا؟ مع أنها كلها عولمة!، ولا تنسى أنك لم تشر إلى أي من علامات ذلك الاضطراب، لكننا كنا نفكر معا فقط كعرب وكمسلمين، ولا أنسى هنا أن أقول: أنك تحت القصف نموتَ في بيئة نفسية تصنع الرجال، ولا تصنع الجبناء، لأنها بيئة مسلمة تقاوم القصفَ وتجاهد الاحتلال بقدر ما بقي لها من دينها، وواضح أن أمك أنجبت رجلا، وهذه أحد نقاط القوة فيك، رغم أننا بدأنا من منطقة ضعيفة في الذاكرة، لكننا وصلنا إليها قوية في الدفع للأمام! بقدر ما هي قوية في الذاكرة، باختصار لم تصب أنت بذلك الاضطراب لأن الله قدر لك ذلك. النقطة الثانية: هناك بالفعل ما يشيرُ إلى وجود علاقة للوراثة بهذا النوع من الاستجابة البشرية لرؤية الدم، وهي نقطةٌ أخرى تتشارك فيها زمرة الرهابات، وما حكته والدتك لك عن خالك، يعني أن لديك استعدادا وراثيا، وقد نجحت رغم ذلك في علاج نفسك في السر، فأي قويٍّ بربك أنت؟ حين تواجه ميلاً وراثيا في السر؟ النقطة الثالثة: ما الذي يعنيه خوفك من إخبار أحد بهذا الأمر؟ لماذا تعتبره عيبا كبيرا ونقيصة لا تغتفر؟ رغم أنه ليس كذلك!، إن الواضح يا أخي هو أنك تضخم الأمر أكثر من اللازم، واعيا وغير واع، ولا أدري هل أنت مستعد للتفكير في هذه النقطة أم لا؟ لكنني أحب أن أشير عليك وأنبهك إلى أن كثيرين من من يحدث لهم ما يحدث لك يفسرونه ويفسره الآخرون على أنه دليلٌ على رقة المشاعر والأحاسيس، ولا أظن ذلك يتنافى مع الرجولة، خاصةً وأن كون الاستجابة التي تحدث لك ذات منشأ وراثي ولو جزئيا يجعلنا نتحدثُ عن شيء يشترك فيه معظم البشر أصلا من ذوي الفطرة السليمة لكنه يظهر كاضطراب عند بعضهم لأن استجابتهم تكونُ شديدة، بينما هو عند البعض الآخر بسيط التأثير، وعند البعض لا يعني شيئا، أعني من هذا أن الأمر ليس بكل هذا السوء الذي تضفيه عليه، خاصة وأن مواجهة الواقع جزء من العلاج. وأما ما أطلبه منك بعد ذلك فهو أن عليك بدلاً من أن تستسلم لصدمة ما حدث عند آخر مرة أجريَ لك فيها تحليل الدم، وتبقى حزين تنتظر المرة القادمة، أطلب منك أن تعمم النجاح الذي أحرزته أصلا، لماذا مثلا بعدما نجحت في ذبح الدجاجة بنفسك لماذا لم تحاول وأنت صيدلي أن تتعلم إعطاء الإبر؟ ألا نحتاجُ لمثل ذلك في الحروب؟ ألا يمكنُ أن يطلب من الصيدلي القيام بدور الطبيب ولو تحت أي ظروف؟ إن الفكرة هنا هي أنك اكتفيت بأنك ذبحت الدجاجة بنفسك واعتبرت أن الموضوع انتهى، ولكنني أريدك أن تستمرَّ فتبدأ مثلا بتعلم وممارسة إعطاء الإبر في الوريد، وهكذا بالتدريج إلى أن يكونَ بإمكانك أن تتبرع بالدم! فعل توافقني؟ أنا سأبقى معك صفحتنا استشارات مجانين ترحبُ بك دائما، فتابعنا بالتطورات.