إغلاق
 

Bookmark and Share

لا فائدة من العقاقير النفسية ×× ::

الكاتب: أ.د.وائل أبو هندي
نشرت على الموقع بتاريخ: 21/08/2003

 

لذلك السبب يرى كثيرون أن العقّاقير النفسية هي مجرد مسكنات أو منومات! نعم نسمع ذلك من مرضانا ومن زملائنا الأطباء في التخصصات المختلفة بالرغم من كل ما يسمعونه ويشاهدونَـهُ من تحسنٍ كبير لحالات المرضى حين يستكملون العلاج!
 
ولعل هذا الاعتقاد قد جاء نتيجة ما اعتاده بعض الناس من الاستجابة السريعة عند استخدام بعض الأدوية الأخرى (غير النفسية). فقد اعتاد بعض الناس عند الشعور بالصداع أنْ يتناول حبيتن من الأسبرين أو النوفالجين، وعند الشكوى من السعال أنْ يتناول أحد أشربة السعال وعند حدوث الإسهال يتناول عقَّاقير الإسهال، وربما استمر في ذلك فقط لعدة أيام لا أكثر، لكن الحال يختلف عند استخدام الأدوية النفسية، فالأثر الفعال لبعض الأدوية النفسية لا يظهر إلا بعد أسبوعين إلى أربعة أسابيع من بداية استخدامها، وربما بعد أكثر من ذلك .
 
وكذلك فإن تحسن المريض وحتى شفاءه التام ليس معناه إيقاف الدواء، بل يجب عليه الاستمرار فيه حتى يوقفه الطبيب وذلك بطريقة تدريجية ربما تمتد لعدة أشهر. وليس معنى ذلك أن المريض قد أصبح مدمناً على ذلك الدواء، ولكن هذه هي طبيعة الأمراض النفسية وأدويتها.
 
والحقيقة 
أن الأمراض النفسية كغيرها من الأمراض في التخصصات الأخرى، فمن المرضى من يستجيب للعلاج استجابة كاملة، ومنهم من لا يستجيب للعلاج مطلقاً، ومنهم من يستجيب جزئياً، لأن العلاج فعال في نسبة معينة من المرضى.

ومن الأمراض النفسية ما تتحكم به الأدوية النفسية فقط دون أنْ يُشفى المريض تماماً، كما هو الحال في بعض الأمراض العضوية المزمنة كالضغط والسكري. ولذلك فإنه إذا ما أراد المريض أنْ تبقى حالته مستقرة فيجب عليه أنْ يستمر في العلاج فترة طويلة من حياته.
 
ولعل تقصير الطبيب النفسي في توضيح تلك الأمور لمريضه في أول لقاء بينهما يؤدي إلى انقطاع المريض عن تناول الدواء لأتفهِ الأسباب، خصوصاً وأن أهل المريض وذويه ليسوا في العادة أحسن حالاً من المريض فيما يتعلق بموقفهم من الأمراض النفسية وأدويتها، ولقد أثبتت الأبحاث العلمية أن مستوى قناعة المريض ومن حوله بدواء معين قد تؤثر سلباً أو إيجاباً في درجة استجابة المريض لذلك الدواء.
 
أمَّـا الذي أريدُ أنْ أشيرَ إليهِ و أؤَكِّـدَهُ فهُـوَ أنَّ حال العلاجِ في الطب النفسي أفضل حالاً من العلاجِ في كل تخصصاتِ الطبِّ الباطنيِّ باستثناءِ ما ينتجُ عن العدْوَى بالبكتريا أو الفطريات أي ما يستخدم في علاجِهِ المضادات الحيوية أو مضادات الفطريات! وفقط فقط!
 
فلا مريضُ الضغط المرتفع ولا مريض القلب ولا مريض الكبدِ ولا مريض السكر ولا مريض الكلى ولا مريض الروماتيزم ولا أيُّ مريضٍ بمرَضٍ باطني غير ما ينتجُ عن العَـدْوَى بالبكتريا والفطريات يعالَـجُ بالمفهوم الذي نطلب من الطب النفسيِّ الوصول إليه أي أن يتناول المريض الدواء لمدة أسبوع أو عشرة أيام فقط! وبالرغم من أن كل الأمراض المزمنة التي ذكرتها وهي كل أمراض الباطنة تقريبًـا عدا العدوى كلها تحتاج علاجا يدوم العمر، بالرغم من ذلك  لم نسمع من يتهم أدوية الضغط مثلا بأنها مسكنات !!

وأذهب أبعد من ذلك لأقول أن معظم حالات الذهان الحادة Acute Psychoses وهي أكثر الحالات عرضا على الأطباء النفسيين في بلادنا يحتاج المريض فيها إلى عدة أشهر من العلاج فقط ثم يسحبه الطبيب ويستأنف المريض حياته بعد ذلك صحيحا بكل معنى الكلمة وأشير في النهاية هنا إلى أنَّ منظمة الصحة العالمية WHO وضعت عقار الكلوربرومازين وهو أول ما اكتشف من مضادات الذهان Antipsychotics ليكون ترتيبُـه ثاني أعظم اكتشاف في تاريخ الطب الحديث بعد عقَّـار البنسلين مباشرةً وغنيٌ عن التعريف أن البنسلين هو أول مضاد حيوي يكتشف!



الكاتب: أ.د.وائل أبو هندي
نشرت على الموقع بتاريخ: 21/08/2003